رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو
القدس المحتلة - ناصر الأسعد
توقع محللون سياسيون أن تسفر الانتخابات العامة الإسرائيلية المقررة الأسبوع المقبل، عن تخلي الناخب عن الأحزاب الليبرالية العلمانية التي كانت تهيمن على السياسات الإسرائيلية طوال عقود، والتحول نحو الأحزاب اليمينية، بعد خيبة أمله في العملية السلمية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وطرحت صحيفة
"غارديان" البريطانية سؤالاً في هذا السياق مفاده: هل يمكن القول بأن هذا التحول دائم أم موقت؟، وحاولت الإجابة عنه من خلال رحلة الناخبة داليا شتاينبرغر عبر صناديق الانتخاب الإسرائيلية، على مدى ما يزيد على 20 عامًا عندما قامت بتأييد حزب "العمل" والوصول بإسحق رابين إلى قيادة الدولة اليهودية، وبعد عام من انتخابه، وبالتحديد في العام 1993، قام رابين بالتوقيع على اتفاقات أوسلو التاريخية، ومصافحة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في البيت الأبيض، وبعد حوالي عامين على ذلك لقي رابين مصرعه على يد أحد عناصر اليمين الإسرائيلي، الذي كان يعارض فكرة الانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية المحتلة.
وكانت شتاينبرغر على قناعة آنذاك بإمكان تحقيق السلام مع الفلسطينيين ولكن، وعلى مدى العقدين الماضيين تبخرت تلك الآمال، الأمر الذي دفعها إلى التحرر على حد قولها من وهم السلام والتوجه تدريجيًا نحو الجناح اليميني، ففي عام 2006 قامت بالتصويت لصالح حزب "كاديما" الوسطي، وفي العام 2009 أيدت الليكود اليميني، ومن المتوقع أن تدلي بصوتها خلال الأسبوع المقبل لتأييد حزب "البيت اليهودي"، وهو حزب يميني غاية في التطرف، حيث يعارض تمامًا فكرة إقامة دولة فلسطينية، ويطالب بضم غالب مناطق الضفة الغربية.
وتقول شتاينبرغر، وهي موظفة حكومية وتعيش في ضواحي القدس، إنها "تنظر إلى التصويت لليسار الإسرائيلي يعني الانتحار، وأنه لابد وأن نحمي أنفسنا ونحمي مستقبلنا، ولا بد أن نبقى أقوياء"، فيما أشارت الصحيفة إلى أن الكثير من أصدقاء شتاينبرغر وزميلاتها قد تغيرت وجهاتهم السياسية، ومع اقتراب انتخابات يوم 22 من الشهر الجاري، تتوقع استطلاعات الرأي فوز اليمين الإسرائيلي بغالبية صريحة.
ويقول أحد تلك الاستطلاعات إن نسبة 41 في المائة من الناخبين يعتبرون أنفسهم يمينيين، بما يعني زيادة عن نسبتهم السابقة قبل ثلاث سنوات والتي كانت 34 في المائة، حيث يقول رافي سميث أحد القائمين على هذا الاستطلاع، إن الشارع الإسرائيلي بات أكثر تشددًا على مدى الخمس سنوات الماضية.
وفي إشارة إلى "ثورات الربيع" التي تسود المنطقة العربية، قال زعيم حزب "البيت اليهودي" نافتالي بينيت، "إن الربيع اليهودي يكتسح إسرائيل في الوقت الراهن، وإن ما نراه الآن من حزب (البيت اليهودي) هو رغبة كامنة لاستعادة القيم اليهودية"، فيما يصف اليميني المتطرف في حزب "الليكود" الحاكم داني دانون، هذه الظاهرة بأنها حالة من "النهضة واليقظة".
ولا يتقصر الأمر على السياسيين والمحللين في القول إن مركز الثقل السياسي يتجه نحو اليمين، فهناك من المواطنين من يقول بأن شيء ما ثوري يحدث في إسرائيل، وأن الناس لم تعد تشعر بالخجل وهو تقول بأن كل الأراضي في إسرائيل بما فيها الضفة الغربية هي أراضي يهودية، وأن فكرة حل الدولتين لا وجود لها على أرض الواقع، وأن الصحيح والصواب هو ما يقوله بينيت، الذي يطالب بتغليب التراث اليهودي على السياسة، كما يطالب الشعب الإسرائيلي بالتخلص مما أطلق عليه "وهم الاشتراكية الصهيونية"، وبناء الدولة اليهودية الديمقراطية التي يمكن أن تسمح بالتعايش مع الفلسطينيين.
ويعلق على ذلك أحد نشطاء السلام السابقين يوري أفينيري، والذي بلغ من العمر الآن 90 عامًا، بقوله إن "الإسرائيليين كانوا جادين في التطلع لدولة ديمقراطية"، فيما يرى المتحدث السابق للبرلمان الإسرائيلي أفراهام بورغ، أن "إسرائيل تأسست على أسس اشتراكية وعلمانية، إلا أنها في العام 2013 تحولت إلى نظام رأسمالي وديني، وأن هذا التغيير والتحول كان يحدث على مدار فترة ليست بالقصيرة، وأن نقطة التحول كانت بعد حرب 67، التي استطاعت فيها إسرائيل أن تهزم جيرانها العرب في ستة أيام، واحتلال واستعمار الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، الأمر الذي أسهم في تحول مجرى السياسات الإسرائيلية، وفي تلك اللحظة انتهت الدور التاريخي للحركة الاشتراكية ليحل محلها الصهيونية الدينية بكل ملامحها".
ويقول أفينيري "إنك لو سألت سائق تاكسي إسرائيليًا سيقول أنا أريد السلام ولكن ذلك لا مجال لتحقيقه في هذا الجيل أو الجيل المقبل، وهذا هو رأي 90 في المائة من الجمهور الإسرائيلي، وعندما يشعر الشعب بانعدام فرص السلام فإنه يتجه تلقائيًا نحو اليمين على حساب اليسار، والمنافسة اليوم تنحصر بين اليمين واليمين المتطرف واليمين الفاشستي، وهؤلاء جميعًا يشكلون الغالبية في الشارع الإسرائيلي".
ويوضح المحللون أن "التغيرات الديموغرافية وفشل عملية السلام ، كانا بمثابة العاملين اللذين شكلا التحول نحو اليمين، على مدى العشرين عامًا الماضية، وأن استطلاع للرأي أظهر إن نسبة 15 في المائة من سكان إسرائيل البالغ عددهم 7.9 مليون نسمة، يعتبرون أنفسهم يهودًا علمانيين، وأن 50 في المائة يعتبرون أنفسهم متدينين على نحو متطرف، وأن عدد هؤلاء يتزايد على وجه سريع، وأن القدس باتت معقل ومطمع هؤلاء، كما أن نسبة 79 في المائة من اليهود التقليديين المتدينين يتبنون النهج السياسي اليميني المتطرف مقابل 17 في المائة فقط للنهج العلماني، بمعنى أن العلمانيين باتوا أقلية في إسرائيل، وأن المتدينيين المتطرفين هم الغالبية الآن، أما العامل الديموغرافي الثاني المهم فهو يتمثل في المهاجرين القادمين من الاتحاد السوفيتي السابق، والذين يشكلون الآن نسبة 15 في المائة من الناخبين، وقد صوت نصف هؤلاء في الانتخابات الماضية إلى حزب (إسرائيل بيتنا) العنصري بزعامة أفيغدور ليبرمان، والمتحالف حاليًا مع (الليكود) في قيادة الحكومة الإسرائيلية، وكان ميل هؤلاء لليمين بحكم ما عانوه من اضطهاد في الكتلة السوفيتية، وقد أسهموا بذلك في إحداث نوع من التوزان السياسي في إسرائيل، الأمر الذي أدى بالرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون إلى القول عام 2010 بأن المجتمع الإسرائيلي الناطق بالروسية يقف عقبة أمام السلام مع الفلسطينيين".
ويضيف المحللون "إلا أنه وعلى المستوى السياسي يبقي فشل عملية السلام بمثابة العامل الأساسي تحول الرأي العام الإسرائيلي، كما أن الاضطرابات التي شهدتها المنطقة على مدى العامين الماضيين أضافت إحساسًا بعدم الأمان عند الإسرائيليين، أضف إلى ذلك اعتقاد الناس بأن الصواريخ تهددهم، وأنها آتية لا محالة، الأمر الذي دفع بالمجتمع الإسرائيلي وارء الصقور ونزعة القوة العسكرية".
ويقول محلل نفسي إسرائيلي، إن الخوف وانعدام الثقة في السلام دفع بالإسرائيليين نحو اليمين، وتفضيل الأحزاب التي يشعرون معها بالأمان وليس بدوافع أيديولوجية، وعلى الجانب الآخر، هناك من المحللين الذين يرفضون فكرة تحول الرأي العام الإسرائيلي نحو اليمين، ويشيرون في ذلك إلى استطلاعات الرأي التي تتنبأ بأن ما يزيد على ثلث مقاعد البرلمان ستكون من نصيب أحزاب الوسط أو يسار الوسط.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية روفين هازان، أن افتراض التحول نحو اليمين إنما هو افتراض خاطئ تمامًا، وأن الحملة الانتخابية الحالية تشهد تحولاً طفيفًا نحو اليمين، مقارنة بما يحدث مع الوسط، فيما يرى المعلق ديفيد هوروفيتز أن الوسط الإسرائيلي يميل أكثر نحو اليمين على نحو يفوق الوسط في الديمقراطيات الغربية.
وتوجد شكوك بشأن بقاء نتنياهو رئيسًا للوزراء بعد الانتخابات، في ضوء التوقعات بأن ما سيحصل عليه تحالف "ليكود، وإسرائيل بيتنا"، هو ما بين 33 إلى 38 مقعدًا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 120 مقعدًا. لكن مجموعته البرلمانية ستصبح أكثر يمينية بعد الانتخابات بعد ابتعاد كثير من اصوات الليكود المعتدلة وأن شعارها سيكون "الولاء لأرض إسرائيل" كما يقول دانون، والذي يعتبر محاولة إرضاء أوروبا أو أميركا خطأ فاحش.
وفي الوقت الذي يتوقع فيه أن يشهد في الكنيست المقبل تنامي في عدد أعضائه من المستوطنين، فإنه من المتوقع أيضًا أن يخلو الكنيست للمرة الأولى من نائب ينتمي إلى الكيبوتز الإسرائيلي، أما حزب العمل فهو يفتقد إلى زعامة تتطلع إلى علاقة مع الفلسطينيين بما يعني صحة التوقعات بموت حل الدولتين،
الأمر الذي دفع بالمؤلف الشهير والمؤيد لحزب "ميريتز" اليساري عاموس أوز، إلى التحذير من أن موت حل الدولتين سيحول إسرائيل إلى دولة فصل عنصري، وأن اليمين الإسرائيلي يعتقد بأن اليهود يمكنهم أن يفرضوا سيطرتهم على الغالبية الفلسطينية لفترة طويلة، ولكنه يرى أن انهيار دولة الفصل العنصري وهذا أمر حتمي، يعني نهاية الدولة اليهودية.
ومع ذلك فإن الناخبة داليا شتاينرغر تعارض ذلك، وتقول إن "التحول نحو اليمين ضروري من أجل بقاء إسرائيل، وهذه بلدنا، ونحن هنا للبقاء فيها، ولا يمكن أن نتسامح أو نتساهل أن نفعل ما يريده العالم منا، وأنه لا يوجد إلا دولة يهودية واحدة، ولا يمكن أن نخاطر ونفقدها".