القاهرة ـ محمد الشناوي بدأت أخيرًا المعركة السياسية الحقيقية في مصر، بعد أن وافق الناخب المصري على الدستور الذي يدعمه الإسلاميون، حيث تشير عناوين الصحف المصرية إلى أن البلاد قد بدأت لتوها معركة حقيقية، فقد خرجت صحيفة "الأهرام" بمانشيت تقول فيه "الشعب انحاز للديمقراطية"، بينما خرجت صحيفة "المصري اليوم" بمانشيت تقول فيه "انتهاكات بالجملة".
ومع الموافقة على الدستور، تبدأ ما يطلق عليها المؤيدين للدستور "أول تجربة ديمقراطية إسلامية"، وهي التجربة التي يتطلع العالم العربي إلى ما سوف تسفر عنه من نتائج، كما أن الموافقة على الدستور تعد بمثابة انتصار للرئيس محمد مرسي، الذراع السياسي لجماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، والذي سعى من قبل إلى تعليق سلطة المحاكم المصرية، بهدف منع صدور أحكام يمكن أن تعطل الاستفتاء على الدستور. إلا أن ردود الأفعال العنيفة ضده التي أبدتها المعارضة لسبب ما وصفوه بـ"الأساليب الاستبدادية" قد أدت إلى تعرض مرسى وأعوانه لضغوط جديدة، كي ينفوا عن أنفسهم نية استغلال ثغرات في الدستور، بهدف تحويل مصر إلى دولة دينية.
وفي مؤتمر صحافي الأحد الماضي، وصف زعماء المعارضة الدستور بأنه "غير شرعي"، وتعهدوا باستخدام كافة الوسائل السلمية المتاحة لإلغاء العمل بهذا الدستور، وقال حمدين صباحي المرشح اليساري السابق للرئاسة أن "هذا الدستور يفتقد إلى أهم مطلب لأي دستور، ألا وهو الإجماع". وقال أيضًا أن "هذا يعني أننا لا يمكن أن نبني مستقبلنا على أساس ما جاء بمواد هذا الدستور".
كما اتهم صباحي وغيره من زعماء المعارضة السياسيين الإسلاميين باستغلال الدين في حشد التأييد للدستور، في محاولة لدعم سلطتهم، ودعم المصالح الرأسمالية. وتعهدت المعارضة أيضًا بنقل المعركة السياسية ضد الدستور إلى الانتخابات البرلمانية. وقال بيان لـ"جبهة الإنقاذ الوطني" التي تضم تحالف المعارضة الرئيسي بأن "المعارضة سوف تؤكد للإسلاميين بأنهم خدعوا الشعب مرة باسم الدين، وأن هذه هي المرة الأخيرة.
وقال استاذ العلوم السياسية والسياسي الليبرالي عمرو حمزاوي أن "حجم أصوات الرافضين للدستور يكشف عن تنامي قوة المعارضة"، وقال أيضًا "لدينا أغلبية ليست كبيرة، وأقلية ليست صغيرة، وهذا دليل على انقسام المجتمع"، وأضاف قائلاً بأنه يشعر بأن المعارضة حققت "إنجازًا كبيرًا".
وتقول النتائج غير الرسمية أن نسبة 64% من الناخبين في المرحلة الثانية من الاستفتاء قد وافقت على الدستور الجديد، وكانت نسبة 57 % قد وافقت على الدستور في المرحلة الأولى، التي شملت العاصمة المصرية القاهرة، التي صوت الغالبية فيها بـ"لا". أما أغلب المناطق الريفية فقد شهدت موافقة على الدستور، بنسبة تزيد عن 70 %، الأمر الذي يكشف بوضوح عن حجم الانقسام الثقافي في مصر.
أما معدل المشاركة في الاستفتاء في الجولتين، فقد كان منخفضًا، حيث تشير الأرقام المبدئية غير الرسمية إلى مشاركة ما يزيد بقليل عن 30% من إجمالى عدد الناخبين. و يذكر أن نسبة المشاركة في الاستفتاء على الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية بعد الإطاحة بنظام مبارك قد بلغت 41 % من إجمالي عدد الناخبين.
و يقول زعماء المعارضة أن عملية التصويت شابتها العديد من الانتهاكات، التي تؤثر على النتيجة، وطالبوا اللجنة العليا للانتخابات بالفصل في تلك الانتهاكات، قبل إعلان النتائج الرسمية المتوقع الثلاثاء.
إلا ان صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تقول أن عملية الاقتراع جرت عبر صناديق اقتراع شفافة، كما أن حصر الأصوات تم فور انتهاء عملية التصويت، كما تم أيضًا تحت إشراف مراقبين مستقلين، الأمر الذي يقلل من فرص التزوير. أما حقيقة أن الدستور قد وافق عليه 4,5 مليون ناخب من بين إجمالي عدد 16,2 مليون ناخب، فهي توحي بأن التلاعب في النتائج كان يتطلب عملية تزوير منهجية.
وتنسب الصحيفة إلى خبراء دوليين قولهم بأن الدستور لا يغير من دور الدين في القانون المصري، ولكنه يزيد من فرص ومخاطر نزاعات مستقبلية، بشأن ماهية من له حق تفسير النصوص الدينية. وعلى الرغم من أن الدستور الجديد يحتفظ بمادة من الدستور القديم تقول بأن "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، إلا أن الدستور الجديد أضاف مادة جديدة أخرى، وهي المادة 219، والتي تحدد بصورة موسعة تلك المبادئ، وتقول أن "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة". و يقول علماء دين مستقلون أن مشكلة المادة الجديدة تكمن في ماهية من سيقوم على تطبيقها.  
و يقول الباحث في "المعهد الدولي للديمقراطية ودعم الانتخابات" زيد العلي أن "عيوب الدستور لا تتعلق بالدين، و المشكلة الأساسية هي أنه يحمي الجيش المصري من أي مراقبة قانونية وبرلمانية، و يرغب زعماء الإخوان المسلمين في منح الجيش مثل هذه الحماية بهدف تسهيل عملية انتقال السلطة من العسكر، الذين استمدوا سلطتهم من حسني مبارك".
أما المشكلة الثانية، فهي كما يقول العلي تتمثل في الفشل في إلغاء مركزية صنع القرار، الأمر الذي لا يلبي احتياجات الناس.
وتقول الصحيفة أيضًا أن الاستفتاء شابته النزعة الطائفية، بعد أن كانت الكنيسة القبطية قد سحبت ممثليها من الجمعية التأسيسية للدستور، بعد خلاف بشأن مواد خاصة بالشريعة الإسلامية، كما قال العديد من المسيحيين قبل الاستفتاء أنه من البديهي أن كل فرد يؤمن بالعقيدة المسيحيية سوف يقول "لا" للدستور.
كذلك زعمت جبهة المعارضة بأن الإسلاميين قاموا بتخويف المسيحيين، أو حالوا بين وصولهم إلى صناديق الاقتراع في بعض المناطق، إلا أن مثل هذه الاتهامات لم يتم التأكد من صحتها، في
الوقت الذي استمرت جماعة صغيرة تابعة لمؤيدي الرئيس مرسي في اعتصامها حول المحكمة الدستورية، للحيلولة دون قيامها بإصدار حكم قد يضر بالاستفتاء، قبل إعلان نتائج التصويت الرسمية عليه.