رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي
بغداد ـ جعفر النصراوي
أكد ، الأربعاء، أن حكومته "تغاضت عن الكثير من قضايا الفساد خشية إثارة زوبعة"، لافتًا إلى أن "الكثير من تلك القضايا جرت بعلم الحكومة"، معترفا أن هذا "يقوي الفساد والإرهاب"، في حين كشفت مصادر لـ"العرب اليوم"، أن "تقرير اللجنة البرلمانية للتحقيق في صفقة
الأسلحة الروسية، الذي تمت مناقشته خلال جلسة البرلمان الأربعاء أوصى بالتحقيق مع وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي، والمتحدث السابق باسم الحكومة علي الدباغ، والمستشار في رئاسة الجمهورية عبد العزيز البدري"، إلى جانب العديد من الشخصيات الأخرى.
وخلال كلمة ألقاها في "المؤتمر العلمي السادس"، الذي أقامته "هيئة النزاهة" في العاصمة بغداد، قال المالكي:"ما قطعته هيئة النزاهة من خطوات وأعمال، وما أصلحته من إشكالات وقضايا كانت قد أثيرت في وقت سابق يعتبر عملاً صحيحًا لأنها ابتعدت عن الإعلام والتشهير"، لافتا إلى أن "خطوات الهيئة في محاربة الفساد الإداري والمالي قوية ومتينة جدًا لكنها غير واضحة للإعلام".
وأضاف المالكي:"لعل من أخطر الظواهر التي تعوق عملية الكشف عن قضايا الفساد ومكافحته هو تحويله إلى جزء من صراع السياسيين وإسقاط البعض والآخر بتهمة الفساد"، كاشفا أن "هناك الكثير من قضايا الفساد الإداري تم التغاضي عنها وحمايتها بسبب الصراع السياسي"، مؤكدًا أن "مجلس الوزراء مطلع على الكثير من تلك القضايا، وتم إرسالها للتحقيق فيها، ولكنها ترجع إلينا بسبب اصطدامها بقضية سياسية معينة".
وتابع المالكي:"هناك أكثر من قضية فساد تستحق أن نقف عندها لكن لا نقف عندها لأن المتهم يكون عنوانًا، وأحيانًا يتم التغاضي لأننا نخشى أن تثور علينا زوبعة كما يحصل الآن، وهذا الأمر يحمي الفساد والمفسدين ويحمي الإرهاب والإرهابيين في نفس الوقت".
واتهم المالكي، من أسماها "جهات خارجية" بالعمل على "تحويل الفساد إلى آلية سياسية لتعطيل الدولة، وتعطيل الإعمار والبناء هذا هو الأخطر بالعملية"، متهمًا وسائل الإعلام بأنها "تدعم الفساد عن طريق تضخيم أمور لا تستحق والتقليل من شأن قضايا أخرى تستحق الوقوف عندها، والنظر فيها كما حصل في قضية صفقة السلاح الروسية رغم أن العراق لم يسلم أي مبلغ، ولم يستلم أية قطعة سلاح من روسيا".
ودعا المالكي، إلى "تكاتف جميع الجهات والمؤسسات الحكومية لحماية موظف النزاهة وأي شخص آخر يتصدى لقضايا الفساد بكل أشكاله"، قائلاً:" موظف النزاهة لا يستطيع التصدي لأية قضية تتعلق بالفساد، ويقف في وجه ذلك الحزب أو الطائفة أو الجهة السياسية لأنه يفتقر إلى الحماية"، فيما طالب المالكي، "هيئة النزاهة" باتخاذ "إجراءات قوية على الأرض بلا ضجيج إعلامي لمحاربة الفساد والمفسدين"، قائلاً:"على موظفي الهيئة أن يعلموا أن المواطن والموظف الحكومي بقدر ما هو مسؤول ويجب أن يُحاسب على أي خلل يقوم به هو أمانة في رقابهم، وألا يتم طعن الناس بتساهل، وألا يتجه الوضع إلى تسييس عملية الاتهام بالفساد".
من جانبه، قال رئيس "هيئة النزاهة" القاضي علاء جواد على هامش المؤتمر:" إن الهيئة تمثل العراق في الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، والعراق حقق استجابة كبيرة لمتطلبات هذه الاتفاقية"، فيما أثنى جواد، على"الإشادة الكبيرة التي قُدِمت من الدول التي تستعرض مدى استجابة العراق للفصلين الثالث والرابع لبنود الاتفاقية"، لافتًا إلى أن "العراق قام كذلك بسن قانون الأكاديمية العراقية لمكافحة الفساد وشيد بنايتها، معتبرًا أنها "الوحيدة من نوعها في المنطقة".
في السياق ذاته، كشف مصدر مطلع لـ"العرب اليوم"، أن "تقرير اللجنة البرلمانية للتحقيق في صفقة الأسلحة الروسية، الذي تمت مناقشته خلال جلسة البرلمان الأربعاء أوصى بإحالة الملف إلى هيئة النزاهة والادعاء العام والتحقيق مع وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي، والمتحدث السابق باسم الحكومة علي الدباغ، والمستشار في رئاسة الجمهورية عبد العزيز البدري، والنائب عن (ائتلاف دولة القانون) عزت الشابندر، ورجل أعمال عراقي يحمل الجنسية الأوكرانية يدعى ماجد القيسي، ورجلي الأعمال اللبنانيين جورج نادر، وعلي الفياض، ومدير شركة نفط روسية يُدعى يور شي".
وأثارت قضية الأسلحة الروسية "عاصفة" داخل المشهد السياسي العراقي، خاصة بعد اتهامات صريحة من "القائمة العراقية" لمن وصفتهم بـ"المقربين من المالكي وأفراد في عائلته وضباطًا كبارًا في وزارة الدفاع"، متهمة إياهم بـ"التورط في عمليات فساد مرتبطة بالصفقة"، فيما انتقد التيار الصدري الاعتماد على من أطلق عليهم "مافيات ومهربين" لتوريد الأسلحة إلى العراق.
وتفشت ظاهرة الفساد الإداري والمالي في العراق أواخر عهد النظام السابق، وازدادت نسبتها بعد العام 2003 في مختلف الدوائر والوزارات العراقية، على الرغم من وجود هيئة لـ"النزاهة"، ودائرة المفتش العام، وديوان الرقابة المالية، ولجان خاصة بمكافحة الفساد في الحكومات المحلية ودوائر الدولة جميعها.
ويتهم ائتلاف "دولة القانون"، معارضيه السياسيين، بـ"التركيز على صفقة الأسلحة الروسية للتغطية على فضيحة البنك المركزي"، التي أدت إلى إقالة محافظ البنك سنان الشبيبي، واعتقال عدد من الموظفين بتهم فساد.
وأظهر التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2009، أن "العراق والسودان وبورما احتلوا المرتبة الثالثة من حيث الفساد في العالم، فيما احتل الصومال المرتبة الأولى في التقرير تبعته أفغانستان"، مشيرًا إلى أن الدول التي تشهد نزاعات داخلية تعيش حالة فساد بعيداً عن أية رقابة، وزيادة في نهب ثرواته الطبيعية، وانعدام الأمن والقانون، في حين أكد التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية عام 2006، أن "العراق وهاييتي وبورما احتلوا المراكز الأولى من بين أكثر الدول فساداً في العالم.