تصميم لمبني البرلمان العراقي الجديد
بغداد ـ ناصر السمرائي
تؤكد التقارير الإخبارية كافة أن البرلمان العراقي على وشك الانهيار في ظل احتمالات سقوط البلاد في هاوية الحرب الأهلية والنزعات الداخلية، كما تقول تلك التقارير إن الرئيس العراقي جلال طالباني موجود حاليا في ألمانيا للعلاج من سكتة دماغية، وأن أحد نوابه، طارق الهاشمي يعيش حاليا في المنفى لتورطه في
جرائم قتل، وخلال الأسبوع الماضي شهد البرلمان العراقي مشاجرة استخدمت فيها الأيدي واللكمات.
ومع ذلك، شهد الأسبوع الماضي مفاجأة مغايرة تمامًا للواقع العراقي الحالي المتوتر، حيث كشفت الحكومة عن رؤية وتطلع جديد ومغاير لصورة البلاد، عندما أعلنت عن عزمها على إنشاء مبنى جديد للبرلمان العراقي تقدر قيمته بقرابة مليار دولار أميركي. وقد قام بتصميم هذا المبنى الجديد مكتب آسمبلاج الهندسي المعماري الذي يتخذ من لندن مقرا له. وما من شك في أن هذا المبنى يدفع بالبعض إلى التساؤل : هل يمكن أن يكون هذا التصميم بمثابة خطوة تبعث على التفاؤل في ظل حال اللغط والفوضى التي تشهدها الساحة العراقية الآن؟
ويمكن وصف ذلك التصميم بأنه عبارة عن أشكال هندسية بسيطة ساطعة وبيضاء يحيطها العديد من الشوارع والساحات. وهو التصميم الفائز الذي أعلن عنه في مسابقة عالمية مفتوحة أعلن عنها في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2011. وكانت شروط المسابقة تقتضي تصميم لبناء هندسي حضاري يرمز إلى تاريخ العراق الحافل ويشهد على نهضته، كما يمثل التحولات الجديدة التي يشهدها وملامح المستقبل ودور العراق المميز في الحضارة الإنسانية على مدار التاريخ، كما ينبغي أن يحمل المبنى سمات الإجلال والوقار والهيبة.
وقد تقدم للمسابقة ما يزيد عن 130 مكتبا هندسيا كل منها كان يتطلع إلى تجسيد ملامح العهد العراقي الجديد. وتم اختصار هؤلاء المتنافسين في لائحة تضم 32 مكتبا هندسيا خضعت أعمالها لهيئة التحكيم العالمية ريبا التابعة للمعهد الملكي للفنون المعمارية البريطانية، التي كانت تضم ضمن أعضائها المعماري البريطاني الشهيري بيرس غوخ الرئيس السابق للمعهد وغيره من مشاهير التصميم المعماري في العالم.
ومن المفترض أن يتم إنشاء المبنى على مساحة 123 فدانا بالقرب من مطار المهنا المهجور وهو الموقع الذي كان صدام حسين قد بدأ فيه إنشاء مسجده الضخم العملاق، ولكن المشروع تعطل منذ عشر سنوات بسبب الغزو الأميركي الغربي للعراق، ولم يبق من هذا المشروع سوى مجموعة من الأعمدة الأسمنتية بارتفاع 45 مترا وبعض الأساسات الأسمنتية التي استطاع المكتب الهندسي الفائز أن يدمجها بمهارة في التصميم الجديد لمبنى البرلمان.
وتقول حنا كورليت مديرة مكتب آسمبلاج الهندسي وهي تصف المبنى الجديد المكون من طبقتين "لقد فضلنا في التصميم أن يكون حضاريا وليس مبنى ضخم". ويشمل التصميم مجموعة من الشوارع والساحات المفتوحة ويضم الإدارات والمكاتب الحكومية بالإضافة إلى المرافق المجتمعية مثل المراكز الطبية والمكتبات.
ويقول غوخ أن الحرم يتمتع بدرجة عالية من الجاذبية حيث يخلق علاقة قوية بين الناخبين وممثليهم، كما أنه يضم دوائر بمساحات تتيح الفرصة أمام عقد اجتماعات في سلاسة تسمح بخروج سلس ومنظم من وإلى الموقع.
وداخل هذا الحرم هناك ثلاث بنايات في أشكال ساطعة بيضاء تم إقامتها في أماكن مفتوحة وترتبط بمحاور للرؤية دون معوقات للشوارع المحيطة بمبنى لا يزيد ارتفاعه عن طابقين. كما يعكس مبنى مجلس النواب ملامح الشكل الدائري لمدينة بغداد القديمة.
حيث يأخذ شكل القاعة المستديرة العملاقة مع قشرة خارجية عاكسة لضوء الشمس وتوفير الظل، في زوايا تهدف إلى خلق تغيير إيقاعي حول واجهة المبنى. وفي الداخل هناك اثنين من القاعات نصف الدائرية الضخمة بالإضافة إلى قاعة المجلس ذات منحنيات هندسية متوافقة مع رمز السلام الخاص بحملة نزع السلاح النووي. أما ممرات المحيط الخارجي فهي تسمح للجمهور برؤية القاعات على مرمى الأفق.
ويقول خبير هندسي بالمؤسسة صاحبة التصميم الفائز أنهم أخذوا في الاعتبار رؤية الشخص العادي للمبنى من الخارج بهدف توفير الإحساس بإمكان الوصول بسهولة في سياق يتفق مع الأجواء الديموقراطية الجديدة في البلاد.
وقد بلغت قيمة الجائزة التي تسلمها مكتب اسمبلاج خلال شهر آب أغسطس الماضي مبلغ 250 ألف دولار، إلا أن التصميم لم يكشف النقاب عنه إلا بعدما تبين أن المكتب لايزال يجري مفاوضات مع الفائز بالمركز الثالث مكتب المعماري البريطاني ذو الأصول البريطانية زاها حديد.
وقد تم دعوة زاها حديد الذي كان والده عضوا بارزا في الحزب الوطني الديموقراطي العراقي خلال فترة الخمسينات للرد على بعض الاستفسارات الفنية في نهاية شهر آغسطس آب.
وقد علم حديد في الاجتماع أن قواعد المسابقة تسمح باختيار أي من التصميمات التي شاركت في المسابقة للاستعانة بها في البناء بصرف النظر عن مركزه في لائحة نتائج المسابقة. وحتى هذه اللحظة لم يتم اتخاذ قرار بعد في هذا الشأن.
وعلى الرغم من عدم الكشف عن شكل تصميم البريطاني حديد إلا أن الغارديا تقول بأنه يتمتع بالانسيابية الهندسية والغزارة في أعمال النحت والنقوش، ويقول غوخ أنه عبارة عن سلسلة من الجبال المتآكلة أشبه بنهر يجري بين تلك الجبال نحو الفرات. كما أن القاعة فيه غاية في الروعة إلا أنه يضم مجموعة متشابكة من الأشياء على نحو يكشف مدى عشق المصمم لهذا النوع من الأشكال التي تهتم كثيرا بالأبعاد والمسافة.
وعلى ما يبدو فإن حديد هو المرشح المحتمل للفوز بتصميم المبنى البرلماني الذي يرمز إلى الدولة الجديدة الناهضة من أعماق الرماد، وهو ما يحلم به حديد البالغ من العمر 62 عاما. إلا أنه في حال قرار السلطات العراقية بتنفيذ تصميم حديد فإنها كما تقول الغارديان ستخسر روعة تصميم آسبلاج الذي يعد بمثابة تحفة ديموقراطية الشكل.