بيروت - العرب اليوم
طقس لبنان المعتدل وجمال طبيعته جعلاه واحدا من البلدان المفضلة لقضاء عطلة الصيف، حتى سمي بسويسرا الشرق. لكن لبنان يزخر بمعالم دينية إسلامية ومسيحية كثيرة تؤهله أيضا لأن يصبح مزارا للباحثين عن السياحة الدينية.
قيل يوما، إنه "مِنَ المعتقدات تولد الأفعال، ومن الأفعال العادات، ومن العادات تنمو الشخصية، والشخصية أساس المصير"، وبهذا قد يصح القول - برأي
أنستازيا (اسم مستعار لصاحبة شركة سياحية في لبنان)- إنه من المعتقدات "الدينية" ولدت "السياحة الدينية" ومن السياحة الشركات السياحية، ومن الشركات الوجهاتُ السياحية، ولبنان يعتبر وجهة ومعلماً دينياً بامتياز".
أنستازيا تقول إن الأعياد الدينية تُمثل "مواسم مُربحةً جدا لنا، من خلال تنظيم رحلات إلى دور العبادة قد تكون مُقررةً مُسبقا، أو يمكن أن يقترح علينا وجهتَها مجموعةٌ من الزبائن، فننظمها لهم".
وتتابع أنستازيا، لبنان له ميزته الخاصة بتنوعه الديني، "صحيح أن الظروف الأمنية والسياسية تؤثر في السياحة سنويا، لكنْ لدُور العبادة مكانةٌ مميزةٌ عند قسم كبير من السياح، مستندين على معالم دينية تختزل حقباً تاريخية عدة تتوزع ما بين العصور البيزنطية والأموية والفاطمية والأيوبية والعثمانية وغيرها".
وما تقوله "صاحبة الشركة السياحية"، يؤكده التاريخ والمؤرخون، حيث عرفت أرض لبنان المعابدَ والجوامع والمساجد، التي أوحت بتسميات لافتة مثل "لبنان أرض اللبن والعسل"، وأرض "المر والبخور".
فمن بيروت مرورا بالبقاع وجبل لبنان ووصولا إلى شمال البلاد وجنوبها تنتشر معالم دينية عدة تجمع ما بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، وتتمتع كل منهما بخصائص جمالية وفنية سواء بمآذنها وأبوابها وقبابها ومحاربها وباحاتها أو بهندستها وكتاباتها وخطوطها ونقوشها وزخارفها وتجويفاتها إضافة إلى منمنماته.
طرابلس مثلا، يقول الحاج محمد الحسن (ابن المدينة) إنها "تحتوي على أكبر عدد من المساجد والمدارس وأماكن العبادة، إذ كانت عام 1700 تضم 360 مسجدا ومدرسة، أي بعدد أيام السنة تقريبا، بقي منها إلى الآن نحو 50 معلما تتوزع ما بين المدينة القديمة والميناء".
عربية سألت فادي، وهو مُنسق رحلات دينية في إحدى وكالات السياحة والسفر عن تكلفة الجولة الدينية، فقال إن غالبية الشركات "تُسيِّر رحلات منظمة بحسب البرنامج الذي تتبعه كل وكالة وبأسعار محددة تتراوح ما بين 20 و 100 دولار، وتشمل التوقف في مقاهٍ أو مطاعم لتناول وجبات الغداء أو أخرى خفيفة حسب رغبة الزبون. كما أن بعض شركات سيارات الأجرة اعتمدت تقديم هذه الخدمة لزبائنها".
وتعتمد تكلفة الرحلة حسب المنطقة المقصودة بحيث تتراوح ما بين 170 و250 دولارا للمجموعة في حال زاد عدد أفرادها عن أربعة أشخاص ويستطيعون أن يعرجوا خلال هذه الرحلات على بلدات تندرج في لائحة المنطقة التي يزورونها كعنجر وزحلة مثلا في حال كانت النزهة باتجاه البقاع أو في محيط غابة الأرز والقرنة السوداء في حال كانت نحو الشمال.
وقد أصدرت وزارة السياحة كتيبا بأماكن العبادة هو عبارة عن دليل يحتوي معلومات عن أهم هذه المعالم وأماكنها. في الدليل هذا ستجد مثلا ما يُفيد من معلومات عن "الجامع العمري الكبير في بيروت" وهو من أكبر الجوامع الموجودة في قلب العاصمة اللبنانية، وقد أطلق عليه هذا الاسم "تكريما للخليفة عمر بن الخطاب وقد حُوّل في عهد الفرنجة إلى كنيسة ثم ما لبث السلطان صلاح الدين الأيوبي عام 1187 أن استعاده منهم.
ولما احتل الفرنجة بيروت من جديد عام 1291 حولوه إلى كاتدرائية، إلا أن المسلمين في عهد الأمير سنجر استعادوه ثانية وبات مقصدَ السياح العرب والأجانب في لبنان. في المسجد اليوم مقام النبي يحيى ونقوش وكتابات مملوكية. في وسط بيروت كذلك "جامع المجيدية" وكان في الأصل قلعة وبُرجا مهما، أطلق عليه هذا الاسم نسبة للسلطان عبد المجيد ويتصل بنهاية سوق الطويلة. أعيد ترميمه عام 1995 بعد أن دمر بسبب الأحداث في لبنان.
إلى جانب الجوامع تستقر في بيروت "كاتدرائية مار جاورجيوس" وهي من أقدم كنائس بيروت للروم الأرثوذكس، يُرجح تشييدها على أنقاض كنيسة القيامة (القرون الأولى) قرب مدرسة الحقوق الرومانية وقد تم بناؤها في القرن السابع عشر (لوجود وثيقة عثمانية فيها مؤرخة سنة 1080 هجرية).
ومن بيروت إلى طرابلس، حيث "الجامع المنصوري الكبير" وهو من أكبر جوامع طرابلس وبناه السلطان الأشرف خليل بن قلاوون عام 1294. عند الباب الغربي من الخارج برجٌ دفاعي لحماية الجامع وتحت الرواق الغربي أيضا غرفة "الأثر النبوي الشريف"، حيث توضع شعرة، يقول السكان هناك "إنها من لحية الرسول يزورها المؤمنون في شهر رمضان".
في طرابلس أيضا "جامع البرطاسي" الذي يُعد من أجمل مساجد ومدارس طرابلس المملوكية في محلة باب الحديد على الضفة الغربية من النهر، بناه الأمير عيسى بن عمر البرطاسي الكردي عام 1310. وهو يجمع خصائص معمارية عدة، بينها مئذنته الأندلسية الطراز التي تقوم فوق قوس مجوف نصف دائري بحيث جاء بناؤها الضخم إعجازا يتحدى نظرية الأثقال والفراغ. ويتميز الجامع بقبته الضخمة وتحتها بركة الوضوء المرخمة.
وكما في بيروت وطرابلس كذلك في مدينة صيدا تتواجد الجوامع الأثرية، ومنها "الجامع الأموي الكبير" وهو من أجمل صروح العمارة من القرن الثالث عشر الميلادي ويقع في أقصى الطرف الجنوبي الغربي على مقربة من قلعة صيدا البرية وفوق تلة مشرفة على البحر. هندسته المعمارية هي مزيج من الطرازين الصليبي والمملوكي ودخلت عليه إصلاحات وتوسعات في العصرين العثماني والحديث.
ومن المعالم الدينية المهمة في لبنان "كاتدرائية سيدة لبنان في حريصا". الكاتدرائية هذه تقع على تلة مشرفة على خليج مدينة جونية الساحلية. ويعتبر هذا الموقع أحد أشهر الأماكن السياحية الدينية في لبنان. إلى رمزيته الدينية الكبيرة، تُضاف بانوراما مدهشة بجماليتها رسمتها الطبيعة بإتقان، ويغنيها السائح بالإيمان.
"لبنان الرسالة" كما يحلو لرجال الدين اللبنانيين تسميته، يزهو بمعالمه الدينية ويُنظر إليه كوجهة سياحية دينية للتبرّك وتأكيد "الإيمان- المُرشد، الذي يَفضُل العقل؛ فللعقل حدود، أما الإيمان فلا حدود له"، كما يقول بليز باسكال.