مدينة وادان الأثرية في الشمال الموريتاني

شهدت مدينة وادان الأثرية في الشمال الموريتاني تراجعا ملحوظا في أعداد السواح الأجانب، بفعل تزايد التهديدات الإرهابية للمنطقة، وذلك بعد أن ظلت لسنوات طويلة وجهة السواح الأوروبيين والأمريكيين المفضلة في موريتانيا ومنطقة الصحراء. وقد هجر المدينة الواقعة في عمق الصحراء الموريتانية مئات الحرفيين وأغلقت منتجعات سياحية وعشرات وكالات السفريات، وتراجعت أسعار السلع الموجهة للسواح. وتعود بداية تراجع الأنشطة السياحية في وادان إلى العام 2008 عندما أصدرت الحكومات الغربية وخصوصا فرنسا تحذيرات لمواطنيها من التوجه إلى المدينة التي باتت معسكرات القاعدة قريبة منها. ورغم أن السلطات الأمنية الموريتانية نجحت في طرد المسلحين من ودان والمنطقة الصحراوية المحيطة بها واستعادت سيطرتها عليها بالكامل إلا أن المدينة لم تستعِد عافيتها بعد. وتقع  مدينة وادان الأثرية على بعد 700 كلم شمال شرقي العاصمة نواكشوط  ويعود تاريخ تأسيسها إلى عام 536هـ 1142م . وأسس المدينة ثلاثة من تلامذة القاضي عياض هم : الحاج عثمان الأنصاري والحاج يعقوب القرشي والحاج علي الصنهاجي، والتحق بهم بعد ذلك الحاج عبد الرحمن الصائم ، وتقول الرواية التاريخية أن هؤلاء الحجاج الثلاثة كانوا يقطنون في قرى قرب وادان وأنهم هجروها بعد عودتهم من الحج وقرروا تأسيس وادان. وتعتبر مدينة وادان التاريخية  أول مدينة وسيطة جرى إعمارها في البلاد. وقد قامت ودان على أنقاض مجموعة من القرى المسوفية الصغيرة التي أسست بدورها في دائرة سكانية من قبائل (بافور وحراطين إيزگارن) وبقايا حواضر أغرمانية وسوننكية قديمة توجد أطلال ثلاثة  منها ضمن محيط ودان القريب. وتتجلى أهمية ودان من موقعها بمفترق طرق القوافل الرابطة بين المغرب وبلادي التكرور والسودان، ومن كونها سوقا لملح "مملحة الجل" القريبة نسبيا من ودان. أما من الناحية الثقافية فقد مثلت ودان مركز إشعاع علمي وديني قوي استمر عدة قرون. ولا يزال الحي القديم بمدينة وادان  – الذي تأسس عام 536 للهجرة وفق ما يرجح الباحثون – يقاوم عاديات الزمن، رغم أن العديد من معالمه أصحبت على وشك الاندثار بفعل زحف الرمال المتحركة. وتبدو عشرات المنازل في الحي القديم على وشك الانهيار، بعدما غاب الاهتمام الشعبي والدعم الحكومي، فمعظم منازل الحي بحاجة إلى ترميم عاجل، لتلافي ما تبقى منها. ووجه العديد من سكان المدينة نداء استغاثة لكل المهتمين بالتراث المادي داخل وخارج البلاد، مساعدتهم في الحافظ على مدينتهم التاريخية المنسية في ركن قصي من صحراء موريتانيا المترامية الأطراف. وقال سيدي عبد الله من سكان وادان "أناشد المنظمات الدولية الاهتمام بهذا الحي، إنه يكاد يختفي من الوجود، بعد أن تسقط هذه المنازل سيكون الترميم حينها بلا فائدة، وهو ما يجعلني استنجد بالخيرين في العالم التحرك الإنقاذ ما تبقى من هذه المباني التاريخية". ويكشف النمط المعماري لهذا الحي، وصموده كل تكل القرون أن شعبا قويَّ الإرادة سكن هذه المنطقة الواقعة في عمق الصحراء وكوّنَ حضارة عريقة تستحق أن يُعادَ لها الاعتبار.