الرئيس المصري محمد مرسي خلال زيارته الأولى الى السودان
الرئيس المصري محمد مرسي خلال زيارته الأولى الى السودان
الخرطوم ـ عبد القيوم عاشميق
أكد الرئيس المصري محمد مرسي، الجمعة، في ختام زيارته إلى السودان، في بيان مشترك وأثناء المؤتمر الصحافي في مطار الخرطوم، على الأبعاد الاستراتيجية التي تجمع بين البلدين، وأهمية تطوير التعاون المشترك وصولًا إلى التكامل الاقتصادي العربي. وأعرب البشير عن تقديره للزيارة، التي تمت رغم الظروف
الصعبة التي تمر بها مصر، قائلاً "إنه لا يحتاج إلى شرح لطبيعة وأهمية العلاقات بين البلدين، فهي علاقات أزلية ومستمرة، وأن تلك العلاقات مرت بمراحل كانت تنخفض فيها وترتفع على المستوى الرسمي، إلا أنها ظلت على المستوى الشعبي علاقات ثابتة، وقد تبادلنا خلال الزيارة سبل تعزيز العلاقات، وإن هدف حكومتي البلدين هو إزالة العوائق من أمام حركة المواطنيين وتبادل التجارة البحرية، ونتطلع إلى أن تشهد العلاقات المزيد من خطوات التقارب في نواحي الحياة المختلفة قريبًا"، كاشفًا عن "توجيهات فورية بإفتتاح طريق النيل الشرقي، والاستعداد لاستكمال الطريق الغربي والطريق الساحلي، فضلًا عن التشاور بشأن مد خطوط السكك الحديدية بين البلدين، لتصل بين القاهرة والخرطوم"، مضيفًا في شأن ملف مياه النيل "إن الحوار مستمر مع دول حوض النيل، وهناك لجنة خبراء دولية بين مصر والسودان وإثيوبيا، لدرس سدّ الألفية الإثيوبي، لتجاوز أي تأثيرات سلبية تنتج من إنشائه".
من جانبه، أبدى الرئيس المصري محمد مرسي "تقديره للسودان حكومةً وشعبًا"، واصفًا زيارته بأنها "فرصة لتطوير العلاقات بين البلدين"، مؤكدًا "الاتفاق مع الجانب السوداني على الانطلاق بعلاقاتهما نحو التعاون في مختلف المجالات، بما فيها المجال الزراعي، ومجال الثروة الحيوانية، وتوفير الأمن الغذائي، وتنمية الموارد البشرية، وصولاً إلى التكامل الاقتصادي العربي"، واعدًا "بتكثيف الجهود لمضاعفة الاستثمارات الزراعية والصناعية، حيث تم الاتفاق على إقامة منطقة صناعية مشتركة بين البلدين، والاستفادة القصوى من الطاقات والموارد والإمكانات المتاحة"، مجددًا "حرص مصر على دعم خطوات تحقيق السلام في دارفور، والعمل على تطوير علاقات الخرطوم وجوبا، وإعمار شرق السودان"، موضحًا "إن القضايا الإقليمية كانت حاضرة في المحادثات، حيث تم التأكيد على الحق الفلسطيني، كما تعرضت إلى تطورات الأزمة السورية، التي تدمي القلوب، والسعي إلى وقف نزيف الدم، وتم التأكيد على تضافر الجهود لحل الأزمة، بما يضمن وحدة وسلامة الأراضي السورية".
وفي شأن العلاقات بين البلدين قال مرسي "الحدود لن تكون عائقًا أمام تطوير وبناء العلاقات مع السودان، والتحركات مستمرة في إتجاه دول حوض النيل، لتتوافق جميعًا بشأن المشاريع التي تُقام، حتى لا يحدث ضرر من قيامها، وهناك قبولاً عند هؤلاء لعودة مصر".
وكان الرئيس المصري قد أدى صلاة الجمعة، في الخرطوم، والتقى بشخصيات سياسية عدة عقب مخاطبة المصلين، حيث قال "لقد نهضت مصر، وكذلك السودان الذي فتح ذراعيه ليحتضن الجزء القريب إلى قلبه مصر والمصريين، وإن الذي يجمعنا أكثر مما يفرقنا، لذا لابد أن نعمل جميعًا في مصر والسودان، ومعنا الأشقاء والأصدقاء جميعًا، لتنهض أمتنا وبلادنا، فلنحرص على دفع التكامل بين بلداننا، لتحقيق مصالح الأمة وتطلعاتها، وسنجد لذلك أعداءًا، ونحن قادرون أن نعبر هذه المرحلة، وأن نسير بهذه المسؤولية نحو ما نريد، نريد أن نستثمر ما عندنا من طاقات وقدرات، ولابد أن ننطلق، فقد اتفقنا على كل شيء، وتبقت الآليات لتحقيق ذلك، ويجب الرهان والنظر إلى المستقبل، حتى نكون وطنًا واحدًا ونيلاً واحدًا وقيادة واحدة، ونريد لمحور وادي النيل أن ينهض، وأن يكون السودان ومصر من أسباب نهضته، وهذا التعاون والوحدة التي ننشدها ليست ضد أحد، وليست معنية بأن تتدخل في شأن أحد، لا نريد حربًا ولا عدوانًا، إنما نريد للناس خيرًا"، كاشفًا في كلمته عن "ترتيبات لفتح الطريق الشرقي للنيل، وبعده الغربي والساحلي، وبعد ذلك تفتح الحدود والمعابر وكل أدوات التكامل بين البلدين، ليعود الخير على شعبي مصر والسودان".
وجدد الرئيس مرسي، في لقاءاته صباح الجمعة، مع كل من النائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان طه، والأمين العام للحركة الإسلامية في السودان الزبير أحمد الحسن، وزعيم حزب "المؤتمر الشعبي" الدكتور حسن الترابي، حرص مصر على دعم السودان، وتناول اللقاء مع طه، القضايا الاستراتيجية بين البلدين وتطويرها، لاسيما قضية الأمن الغذائي، والتعاون على مستوى القارة الأفريقية، وخلق وحدة اقتصادية وسياسية بين السودان ومصر وليبيا.
ووصف وزير الزراعة السوداني الدكتور عبدالحليم المتعافي، اللقاء بـ"الجيد"، وقال أنه "استعرض ملفات العمل الزراعي بين البلدين"، فيما بحث الرئيس المصري مع الأمين العام لـ"الحركة الإسلامية" الزبير أحمد الحسن "كيفية قيام الحركة في البلدين بواجب الدعوة، وقضايا تدريب وتأهيل الشباب، وخلق برامج ثقافية في مواجهة التغريب، الذي يمارسه الإعلام الغربي ضد الثقافة الإسلامية والعربية"، حيث قال الزبير، في تصريحات صحافية، "إن اللقاء بحث الهم العام بين السودان ومصر، كما تم خلاله التداول بشأن تطوير العلاقات السودانية المصرية، عبر مختلف القطاعات الاجتماعية والجمعيات والمنظمات، لتعزيز أواصر العلاقة بين الشعبين وتقوية العلاقات الاقتصادية، وأنه أطلع مرسي خلال اللقاء على دور (الحركة الإسلامية) السودانية وبرامجها الدعوية"، فيما نفى أن يكون الرئيس المصري قد طرح مبادرة لتوحيد الإسلاميين في السودان، لكنه عاد وأكد ترحيبه بأي مبادرة لتوحيد الصف الداخلي.
والتقى الرئيس المصري مع زعيم حزب "المؤتمر الشعبي" المعارض الدكتور حسن الترابي، الذي حظي باهتمام إعلامي كبير، حيث حاصرت وسائل الإعلام الترابي لتخرج منه بتصريحات جديدة، لكن الرجل كان كعادته متحفظًا وقليل الكلام، لكنه أرسل رسائل عدة، من بينها الإعلان عن زيارة إلى مصر قريبًا لاستكمال الحوار مع مرسي، وكذلك أكد أن "الثورات دائمًا كما يقول التاريخ تحدث بعدها أزمات كالتي تحدث في مصر"، فيما نفى علمه بمبادرة لمرسي لتوحيد الإسلاميين في السودان، وكشف عن أنه طرح على مرسي جعل العلاقة بين الشعوب في الطليعة، لما تتميز به من أفضلية وديمومة، على عكس الحال بين الأنظمة الحكومية التي تتعاقب من حين إلى آخر.
كما اجتمع مرسي مع الجالية المصرية في السودان، ودعاها إلى التفاعل مع قضايا السودان، وعكس الوجه المشرق لمصر، فيما طمأن الجالية أن "مصر تمضي نحو المستقبل المشرق، وأن ما يصوره الإعلام لا يعبرعن الواقع في مصر".
وأصدر الجانبان السوداني والمصري بيانًا مشتركًا، الجمعة، في ختام زيارة الرئيس المصري محمد مرسي إلى السودان، جاء فيه "تلبية للدعوة الكريمة، الموجهة له من فخامة الرئيس السوداني عمر البشير، زار الرئيس المصري محمد مرسي السودان، يومي الرابع والخامس من نيسان/أبريل الجاري، وقد تخلل برنامج الزيارة عقد جلسة مباحثات موسعة بين الجانبين على مستوى الرؤساء في قاعة الصداقة في الخرطوم، مساء الرابع من أبريل، تناولت ملف العلاقات الثنائية، فضلاً عن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".
وأكد الجانبان في البيان، الذي حصل "العرب اليوم" على نسخة منه على "أهمية توسيع دائرة التواصل والحوار السياسي والاستراتيجي المشترك على المستويات كافة في البلدين، تمهيدًا لبلورة الثوابت، التي تنطلق منها العلاقات الأزلية بين السودان ومصر".
وعبرالجانبان عن "رغبتهما الأكيدة في زيادة حجم وسقف التعاون القائم بينهما، لاسيما في المجال السياسي والاقتصادي والتجاري والاستثماري"، مشيرين إلى "التوجيه بإحداث نقلة نوعية في هذا الجانب، من خلال الإسراع في معالجة وتجسيد مجموعة المشروعات، ذات الطابع الاستراتيجي، والمدرجة في جدول اللجنة العليا، واللجان الفرعية الفنية المشتركة".
واتفق الجانبان على "ترفيع اللجنة العليا المشتركة بين البلدين إلى المستوى الرئاسي، لإعطاء المزيد من قوة الدفع لمشروعات التعاون القائمة، فضلاً عن زيادة حجم الاستثمارات المتبادلة، وإزالة العقبات التي تعترض سيرها".
والتزم الجانبان بـ"تشجيع القطاع الخاص في البلدين على القيام بدوره المنوط به في هذا الصدد، وعلى تبسيط الإجراءات، وتسهيل حركة البضائع والركاب عبرالمنافذ الحدودية".
وتأكيدًا من الجانب السوداني على جديته في تشجيع وترقية التعاون بين البلدين في المجال الصناعي، قدم الرئيس السوداني عمر البشير لنظيره الدكتور محمد مرسي، عقب المباحثات، قطعة أرض مساحتها مليوني مترًا مربعًا، لإقامة المدينة الصناعية.
وثمن الجانبان، في بيانهما الختامي، "الدورالمتعاظم، الذي يمارسه مجلس رجال الأعمال المشترك"، مرحبين بنتائج الاجتماع المشترك للمجلس، ضمن أجندة برنامج الزيارة، والاتجاه الجديد للمجلس، المتمثل في "تأكيد جاهزيته لمواكبة التطورات الإيجابية والمحفزة، في ملف العلاقات بين السودان ومصر، لاسيما في مجال التجارة والاستثمار".
وأضاف البيان أن "الجانبان السوداني والمصري سعداء بإنشاء الطريق البري بين البلدين، المقرر بدء تشغيله خلال الأيام المقبلة، والذي من شأنه تسهيل وزيادة حركة انتقال الأفراد والمنتجات بين السودان ومصر"، مشيرًا إلى "ما لذلك من آثار إيجابية على جهود التكامل بين البلدين، وما يمثله هذا الطريق من حلقة ربط أساسية، في المشروع الأفريقي الطموح، لإنشاء طريق الإسكندرية/كيب تاون، الذي يربط شمال القارة مع جنوبها".
واتفق الجانبان على "مواصلة التنسيق لدعم عملية السلام في دارفور، بمرجعية وثيقة الدوحة لسلام دارفور"، مشيدين "بما تقوم به مصر من إعمار وخدمات في الإقليم".
وتم الاتفاق على "دفع الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار في مصر، والعمل على استعادة دورها الريادي في المنطقة، لما يحمله هذا الدور من أهمية استراتيجية لأفريقيا، وللعالمين العربي والإسلامي".
وتطرق الجانبان إلى الأوضاع الداخلية في البلدين، والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وإتفقا على المزيد من خطوات التعاون والتنسيق المشترك في المحافل الإقليمية والدولية.