البنك المركزي المصري
القاهرة ـ محمد صلاح
تباينت آراء الاقتصاديين المصريين بشأن عدم وضوح الهوية الاقتصادية للدولة في مواد الدستور الجديد، وبشأن ردود الأفعال، أجرى "العرب اليوم " استطلاعًا لآراء الاقتصاديين والمصرفيين في الاستفتاء على الدستور، من خلال آثاره وتبعاته على الاقتصاد المصري في حالتي القبول أو الرفض، ورؤيتهم لوضع خارطة
طريق للخروج من الأزمة.
في البداية، قال الخبير الاقتصادي وعضو المجلس المصري للشؤون الاقتصادية محمد فاروق ، إنه "لايمكن أن تستمر الدولة على قدم واحدة فقط، وإنما لابد من بناء باقي أركانها المتمثلة في المجالس النيابية والحكومة التنفيذية المتمثلة في مؤسسة الرئاسة، وهي الوحيدة الشرعية، والثانية المجالس النيابية، والثالثة هي الحكومة، ورابعها السلطة القضائية، والتي تشكل أركان الدولة الأساسية والتي لا تستطيع أن تتكامل إلا من خلال دستور ينظم العمل فيما بينها، بحيث لا تطغى سلطة على أخرى"، لافتا إلى "ضرورة أن يكون العمل تكامليًا بين مؤسسات الدولة المختلفة".
وأشار فاروق إلى أن "التصويت على الدستور والاحتكام للشعب على الرغم من الاعتراض أو الرفض لكل من ممارسات الجانبين، لكن تحديد موعد للاستفتاء على الدستور يعتبر صلب الديمقراطية التي تؤسس بناء أركان الدولة والتي بموجبها يعرف كل فرد في المجتمع المصري حقوقه وواجباته والمسؤولية التي ستقع عليه حال الانحراف عن القوانين المنظمة لذلك"، موضحًا "ومن ثمَّ فتلك العوامل في مجملها ستؤسس بالاستقرار، والذي هو الوجه الثاني للاقتصاد، ومن هذا المنطلق فإن الاستفتاء المقبل على الدستور بصرف النظر عن نتيجته، هو الدافع والمحرك إلى الأمام سواء على المستوى الداخلي أو مستوى التقييم الاقتصادي والملائي من قبل المؤسسات الدولية، لأنه بتحقيق الاستقرار سيتم رفع مستوى الملائة الائتمانية (التصنيف الائتماني) لمصر، ومن ثمِّ سيكون حافزًا لجذب الاستثمارات الخارجية والمحلية للعمل سويًا في إطار السياسات المالية والنقدية، والتي ستخدم جميعها خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، والتي تهدف في نهاية المطاف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية أولاً، ثمّ رفاهية الفرد، وكما هو معروف فإن الاقتصاد هو أحد الأضلع الثلاثة الرئيسة لمكونات القوى التي تقاس بها أي دولة، فإذا ما بدأنا في الاستغلال الأمثل للطاقات المتاحة لدينا في إطار ما تم ذكره، سنحقق القوة الاقتصادية التي ستدفع بدورها إلى الضلع الثاني من مثلث القوى، وهو التكنولوجيا والتي بها نستطيع أن نصل للضلع الثالث وهو القوة العسكرية".
وفي ما يخص قرار تأجيل قرض صندوق النقد الدولي، وصف فاروق السياسات المالية والنقدية المصرية، بأنها "سياسات طاردة لمناخ الاستثمار، ويشوب محاورها الكثير من العوار، ومن ثمَّ كانت تحتاج إلى الإصلاح والتغيير في ظل أجهزة رقابية حقيقية، سواء كانت الحكومة هي من طلبت تأجيل الاتفاق النهائي أو صندوق النقد، في النهاية يصب في مصلحة مصر"، مضيفًا أن "هناك اشتراطات من قبل صندوق النقد الدولي متمثلة في خفض الفجوة فيما بين الموارد والاستخدامات (عجز الموازنة)، وهذا ضرورة للحكومة أن تعمل من أجله، ليس فقط من خلال فرض الضرائب أو زيادة الاقتراض، وإنما أيضًا من خلال زيادة الموارد وتفعيل الاتفاق، فهذه عوامل كلها لو تحققت في الوقت القريب ستكون سندًا قويًا للحصول على قرض صندوق النقد الدولي، بصورة تقوي المفاوض المصري وتدعمه، بل ربما نستطيع أن نحصل على اشتراطات أفضل"، مشيرًا إلى أن "الدستور به هيئة تعني بتنمية الاقتصاد، والرقابة الشاملة من الناحية الاقتصادية، وتهيئة المناخ الاستثماري مما يعد كاملاً، ولكن دائمًا تأتي المشكلة من خلال التنفيذ، وأتوقع أنه في ظل المواد الحاكمة التي تعطى الاستقلالية الكاملة للأجهزة والهيئات الرقابية، ستكون رمانة الميزان التي ستحقق الإجراءات التنفيذية على أرض الواقع، وإن أهم ما في الدستور هو محاربة الفساد للتنمية الاقتصادية، فإن تحققت فاعلية الأجهزة الرقابية التي ينص عليها الدستور، ازدادات معها معدلات التنمية الاقتصادية".
من جانبه، قال عضو اللجنة الاقتصادية في حزب "الحرية والعدالة" محمد جودة، إن "المرحلة الحالية تفكر فيها الدولة في كيفية توفير الموارد التي يحتاجها الشعب في ظل الظروف التي تمر بها مصر خلال الفترة الانتقالية، من دون التركيز على مرحلة التنمية في الفترة المقبلة، وهو ما قد يظهر المواد الاقتصادية في الدستور الجديد بالصورة التي ينتقدها البعض"، مشيرًا إلى أن "الأولوية في المرحلة الحالية هي العمل على إنهاء المرحلة الانتقالية بشكل أسرع، حتى يعود الاستقرار والخروج من عنق الزجاجة وبناء مؤسسات الدولة، لتوفير مناخ صحي ومناسب للاستثمار والتنمية في الفترة المقبلة"، منوهًا إلى أنه "يعتبر عدم وضوح رؤية اقتصادية معينة للدولة في مواد الدستور، يعد ميزة وليس عيبًا حتى لا يتم التحكم فيها".
وشدد جودة على "ضرورة سن قوانين اقتصادية يتم تشريعها"، مسترشدًا بـ "بعض التجارب الدولية"، مشيرًا إلى أن "الولايات المتحدة ليس في دستورها هوية واضحة للاقتصاد، على الرغم من أنها معروفة بالتوجه الاقتصادي الحر"، مضيفًا أن "الدستور الحالي سيسمح بالتخلص من الكثير من القوانين المعيقة للاستثمار، والتي كانت محكومة بالتوجه الاقتصادي للدولة في الدساتير الماضية".
وأبدي عضو اللجنة الاقتصادية في حزب "الحرية والعدالة"، اعتقاده بأن "الدستور ليس به ما يعوق التنمية الجيدة للاقتصاد في الوقت الحالي"، موضحًا أنه "يرى أن الدستور كان في حاجة لمادة متعلقة بالاقتصاد تخص الدولة الموازية عن طريق بناء المدن الجديدة، إذ تتعلق هذه المادة بإصلاح أنظمة الأجور والمعاشات في مصر والدعم"، معتبرًا أن "الطريق مايزال مفتوحًا لتعديل المواد الدستورية في حال الموافقة على هذا الدستور في مجلس الشعب المقبل، مع إمكان حدوث التعديلات التي يتوافق عليها الجميع والتي تبعث الطمأنينة، وأنه لن تكون هناك سيطرة بشكل واضح لتيار سياسي على حساب تيار آخر، وهو ما يفتح الباب أمام حدوث التوافق في أولى خطوات مصر نحو الديمقراطية".
وفي سياق آخر، أوضحت رئيس مجلس إدارة شركة "المشورة للخدمات المالية والمصرفية"، بسنت فهمي، أن "المواد المتعلقة بالاقتصاد، لم يكن لها صيغة واضحة، ولا يستطيع أحد التعرف على التوجه الاقتصادي في المرحلة المقبلة، بما أحدث ارتباكًا لدى المستثمرين، وأن هناك اتجاهًا إلى عدم الخصخصة، ولكن لم يتم توضيح ما الذي سيتم فعله تجاه شركات القطاع العام أو قطاع الأعمال الخاسرة"، مشيرة إلى أن "الاهتزاز في القرار الاقتصادي الذي تشهده مصر في الفترة الحالية انعكس بدوره على المواد التي تتعلق بالاقتصاد في الدستور الجديد".
واعتبرت فهمي أن "أسوأ ما يحدث حاليًا هو أن يقود القرار السياسي دفة الاقتصاد، بدلاً من أن يحدث العكس"، لافتة إلى أنه "في حالة رفض الدستور الجديد في الاستفتاء المقبل، ستتوقف عجلة الاستثمار بشكل أكبر بسبب طول المدة المخصصة للإعلان الدستوري الجديد، لصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات تشريعية في حالة الرفض".