العقوبات الاقتصادية لم ترغم إيران على التراجع عن طموحاتها النووية
واشنطن ـ يوسف مكي
أكدت مصادر رسمية أميركية وغربية وعدد من المحللين والخبراء أن الحكومة الإيرانية تواصل تحديها للضغوط الغربية في صلابة وعناد من خلال تبني مزيج من التكتيكات البارعة والأساليب القمعية، والقهر السياسي وكسب الوقت.
وتشير صحيفة "غارديان" إلى أن النتائج التي أسفرت عنها العقوبات ساهمت في تعقيد
موقف الغرب التفاوضي قبل الجولة المقبلة من المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني المقرر عقدها في أوائل الشهر المقبل.
وعلى الرغم من أن العقوبات الاقتصادية القاسية كان لها تأثيرها الخطير على الاقتصاد الإيراني إلا أن المصادر الرسمية الأميركية والأوروبية تعترف بأن تلك الإجراءات والعقوبات لم تسفر بعد عن الاضطرابات العامة، التي يمكن أن تجبر الزعماء الإيرانيين على تغيير خططهم النووية.
مر حتى الآن تسعة أشهر على تعرض إيران إلى أقسى عقوبات تشهدها إيران على مدار تاريخها، إذ إن اقتصادها الآن يعاني من حالة ركود وآخذ في التدهور في ظل تناقص فرص العمل، ونزيف العملات الصعبة، ومع ذلك، وكما تقول مصادر دبلوماسية غربية، فإنه لم تظهر بعد أي مؤشرات تدل على أن الاقتصاد الإيراني على وشك الانهيار قريبًا.
ويقول محللون "إن العقوبات الاقتصادية على إيران فشلت في إشعال نيران المظاهرات الاحتجاجية ضد النظام الإيراني، ولم ترغم الزعامة الإيرانية على تقديم ولو تنازل واحد بشأن طموحاتها النووية. وعلى الرغم من حالة الوهن التي تعاني منها إيران إلا أنها نحجت حتى الآن في مقاومة الضغوط الغربية، من خلال مزيج من الأساليب البارعة والقهر السياسي والعناد الشديد".
وخلال الجولة التي جرت الشهر الماضي، قدمت الولايات المتحدة وخمس من القوى الكبرى عرضًا جديدًا يضم عددًا من التنازلات المهمة لإيران مقابل قيامها بتقليص برنامجها النووي، وحتى الآن لم تعلن إيران قبولها هذا العرض، ولم تقدم بعدُ عرضًا بتنازلاتها مقابل ذلك.
وترى الصحيفة أن هذا الصمود والعناد الإيراني سوف يجعل من الصعب على الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي يستعد لزيارة المنطقة، الأربعاء، طمأنة كل من إسرائيل وحلفائه من العرب، بشأن البرنامج النووي الإيراني.
ولم يُبدِ الجانب الإيراني أي استعداد للاستسلام والتنازل في هذا الشأن، ففي الخميس الماضي استهزأ أحد رجال الدين الإيراني من الإدارة الأميركية، وقال إن الضغوط الاقتصادية لن تتمكن من إرغام إيران على التخلي عن برنامجها النووي.
وقال الممثل الشخصي للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله على خاميني، على السعيدي، أمام قوات الحرس الثوري "إن الأمة الإيرانية ملتزمة بالصمود أمام عجرفة القوى الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة".
ويصر المسؤولون في إدارة أوباما على أن التأثير الكامل للعقوبات على إيران في بدايته الآن، وأن الأوضاع والمعاناة الاقتصادية سوف تتفاقم خلال الأشهر المقبلة.
وتعترف مصادر رسمية ودبلوماسية في أوروبا وأميركا بأنهم في انتظار مؤشرات واضحة، تدل على استعداد خاميني لتغيير موقفه.
ويقول قائد القياد العسكرية الأميركية الوسطى جنرال البحرية الأميركي جيمس ماتيس، إن إيران زادت من سرعة معدلات العمل ببرنامجها النووي خلال العام الماضي، على الرغم من الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية، وقال أيضًا أمام لجنة الخدمات العسكرية بمجلس الشيوخ الأميركي إن إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسب تتعدى النسب المحددة للأغراض السلمية، وإنها ربما تستغل المفاوضات في كسب مزيد من الوقت.
وعلى الرغم من أن إيران تخضع لعقوبات دولية منذ قيام الثورة في 1979 التي أطاحت بالشاه، إلا أن القيود التي تم فرضها عليها خلال الصيف الماضي كانت هي المحاولة الأكبر لضرب القطاع النفطي والبنك المركزي الإيراني، فقد هبطت الصادرات النفطية بمعدل مليون برميل يوميًا بعد أن كان 2.4 مليون برميل، وهي المصدر الأساسي للعملات الصعبة لإيران، وبالنسبة إلى العقوبات المصرفية فقد شلت قدرة مؤسساتها المالية على القيام بأي صفقات في الخارج، على نحو أثر بصورة واضحة على الاقتصاد.
والواقع أن التأثير الأقوى لتلك العقوبات والقيود ينال من الطبقة المتوسطة والطبقة العاملة التي تبخرت مدخراتها، وتدهور قوتها الشرائية، ومع ذلك فإن الأشهر الأخيرة شهدت انخفاض حدة الأزمة المالية.
ويقول خبراء الاقتصاد إن إيران لن تشهد في القريب العاجل انهيارًا اقتصاديًا تامًا، ولن تشهد أعمال شغب واسعة النطاق.
ويقول مستشار أوباما السابق بشأن إيران راي تاكي "إن الإيرانيين ينظرون إلى العقوبات من منظور الاضطرابات الشعبية، بمعنى أنه طالما لا يوجد متظاهرون في الشوارع فإن العقوبات لم تلدغهم بعد".
وكشفت إيران في الماضي عن مهارتها في التكيف مع العقوبات الاقتصادية التي يفرضها عليها الغرب، فعلى الرغم من هبوط الصادرات النفطية إلا أن الحكومة الإيرانية استطاعت أن تبيع كميات كبيرة من النفط لتوفير الحاجات الأساسية، وللحفاظ على طابع الحياة التي تعيشها الطبقة الحاكمة والنخبة من رجال الأعمال، كما يقول بعض المحللين.
وقالت الإدارة الأميركية، الخميس الماضي، إن إيران تحصل على مساعدة مهمة تمكنها من التهرب من العقوبات، عن طريق رجل أعمال يوناني ثري يعمل في مجال الشحن، الذي يقوم بمنح إيران مئات الملايين من الدولارات مقابل نفط خام إيراني.
وتقول مصادر رسمية أميركية إن رجل الأعمال اليوناني وهو ديميتريس كامبيس يعمل كوسيط نفط سري لإيران، ويقوم بنقل ملايين البراميل من النفط الإيراني في حاوياته، ثم يقوم ببيعها إلى مشترين أجانب في أنحاء العالم كافة، فيما نفى رجل الأعمال اليوناني تلك الأنباء.
كما نجحت إيران في إيجاد مخرج قانوني لتخفيف حدة العقوبات، من خلال استخدام احتياطي النقد من اليورو في البنوك الأجنبية في إبرام صفقات مالية معقدة، للتهرب من قيود النظام المصرفي الأميركي.
وتقول مصادر في الكونغرس وخبراء إيرانيون إن إيران استفادت جزئيًا من بعض العقوبات الأخيرة، حيث تسمح العقوبات للدول التي تستورد النفط من إيران بسداد ذلك مقابل سلع محلية بدلاً من العملات الأجنبية، وهو إجراء يأتي أيضًا في مصلحة الدول التي تشتري النفط من إيران على هذا النحو، لتنمية اقتصادها بتنمية صادراتها.
وتقوم إيران باستغلال ذلك في استيراد بضائع مثل السيارات ومكيفات الهواء لمكافحة التضخم في الداخل، كما أن هذا الإجراء يساعد إيران على حماية احتياطيها النقدي الذي يستخدم في دفع المرتبات، ودعم المستهلك، لتجنب أي اضطرابات احتجاجية.
وفي تلك الأثناء، يحاول المسؤولون الأميركان جاهدين طمأنة مستهلكي النفط الإيراني، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، الذين بدؤوا يتبرمون من العقوبات المفروضة على إيران، لا سيما وأنها لم تردع إيران عن طموحاتها النووية.
ومنحت الولايات المتحدة إعفاءات لمدة ستة أشهر لعشرين دولة من الدول المستوردة للنفط الإيراني، مقابل التعهد بخفض مشترياتها من النفط الإيراني، ومن بين الدول المعفاة من العقوبات كل من الصين والهند.
وكانت صادرات النفط الإيرانية انخفضت بشدة العام 2011 ولكنها ارتفعت قليلاً خلال شهر شباط/ فبراير الماضي، حيث وصل إجمالي صادراتها 1.28 مليون برميل يوميًا خلال الشهر الماضي، مقارنة بـ 1.13 مليون برميل يوميًا خلال شهر كانون الثاني/ يناير الماضي.
ويقول أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية رفض ذكر اسمه إن الإدارة الأميركية تراقب عن كثب المراوغات الإيرانية، وإنها تقوم بسد الثغرات أولاً بأول حال اكتشافها، من أجل التغلب على التحايل الإيراني، للإفلات من العقوبات المفروضة عليها.