الموصل - العرب اليوم
تشهد مدينة الموصل التي وقعت تحت سيطرة مسلحي "داعش" منذ ستة أشهر مضت، حالة من الخوف والترقب والحذر من القادم وهو الهاجس المشترك لأهالي المدينة التي يقطنها نصف سكان محافظة نينوى.
وفقًا لصحيفة "الشرق الأوسط" التي تمكنت من الدخول إلى الموصل التي تبعد 402 كيلومترًا عن العاصمة العراقية بغداد، فإن الحياة هناك تسير بشكل غير اعتيادي، فقد شهدت تغييرًا واضحًا في طبيعة العادات وطريقة التعايش والتعامل التي كان يتصف بها أهالي المدينة التي يشطرها نهر دجلة إلى نصفين يسميان محليًا الجانب الأيمن والجانب الأيسر، ويربط بينهما خمس جسور هي حلقة التواصل بين أهالي المدينة.
وأضافت الصحيفة، أن هناك انتشار واضح للمسلحين، وطلعات جوية مكثفة لطائرات التحالف الدولي، وشح في المواد الغذائية والطبية، وانعدام تام للتيار الكهربائي، وغلاء مثير في الأسعار، وانقطاع مياه الشرب، وإغلاق منافذ الدخول والخروج للمدينة خوفًا من هروب العوائل التي فرض مسلحو "داعش" عليهم البقاء داخل منازلهم، وخصوصًا شريحة الشباب الذين هم فوق الـ18 عامًا خوفًا من انضمامهم مع صفوف المتطوعين مع العشائر العراقية لمحاربة تنظيم "داعش".
وعلى العكس من ذلك، يقوم تنظيم "داعش" بحملات إجبارية واختيارية لكسب الشباب الموصلي للانخراط في صفوفه عن طريق المغريات، ومنها المال وأشياء أخرى.
أما النساء فكانوا منتقبات ويرتدين عباءات سوداء تغطي الجسد بشكل كامل، وبعض الشباب يرتدي الزي الأفغاني الذي راجت عملية بيعه والإقبال على شرائه وارتدائه من قبل الشباب، ربما خوفًا من المسلحين بداعي إرضائهم.
وذكرت أم يونس 53 عامًا موظفة في دائرة التقاعد: "الخوف على أولادي ومصيرهم المجهول هو ما أعانيه منذ سنوات، فبعد أن كنت قلقة عليهم من الاحتقان الطائفي الذي شهدته مدن العراق بعد 2003 وحملات الدهم والاعتقالات التي كانت تمارسها الأجهزة الأمنية للحكومة جاء دور مسلحي "داعش" والرعب اليومي الذي نعيشه. حالنا لا يسر عدوًا أو صديقًا. كنا نقرأ في الزمان الماضي عن حصار الموصل التاريخي، وها نحن اليوم يحاصرنا الرعب والموت والجوع والحاجة.. أدوات الطبخ أصبحت نار. الأخشاب والمواقد النفطية "الجولة والبريمز" وتقصد بهما آلتين تعملان بمادة النفط، وكانتا تستخدمان للطبخ قبل وجود الطباخ الغازي والكهربائي".
وأضافت أم يونس: "صرنا نجمع مياه الأمطار لأغراض الشرب وعمل الطبخ، وتتم تصفيتها عن طريق قطعة قماش ثم غلي الماء؛ لكون المياه مقطوعة عنا منذ شهور. الواقع المرير الذي نعيشه مؤلم جدًا، نحن أناس مسالمون نحب السلام ونصنع السلام، وكنا متعايشين مع الكل بمختلف الديانات والقوميات والمذاهب".
وأوضح عمران 20 عامًا طالب في كلية الهندسة جامعة الموصل: "لم أتمكن من الخروج لأداء الامتحانات النهائية التي أعلنت عنها الحكومة المركزية في مناطق إقليم كردستان، حيث قررت الحكومة عدم اعتماد الدراسة في المناطق المسيطر عليها من قبل تنظيم "داعش".. رغم أنني تركت دراستي الجامعية رغم سماعي بأن هناك بعض الكليات فتحت أبوابها للدراسة تحت سيطرة المسلحين، عائلتي تمنعني من الخروج من المنزل فأصبحت أعيش في حصار داخل حصار ومُنع عليّ الصعود لسطح المنزل، خصوصًا بعد اعتقال المسلحين عددًا من الشباب في مدينة الموصل بذريعة نقل المعلومات لجهات حكومية وقوات التحالف الدولي، وذلك عبر ارتيادهم أماكن مرتفعة وأسطح البنايات والمنازل لغرض الحصول على شبكات اتصال للهواتف الجوالة بعد أن تم قطع الشبكات بالكامل من قبل مسلحي "داعش".
فيما تابع الحاج أبو رعد، صاحب مطعم في وسط مدينة الموصل: "لم أنقطع عن العمل في المطعم، فهو مصدر رزقي الوحيد، وأنا أعول عائلة كبيرة، واثنتان من بناتي تعيشان معي مع أطفالهن، فالأولى فقدت زوجها بعد اغتياله من قبل مسلحين سنة 2006، والثانية اعتقل زوجها من قبل قوات حكومية قبل أربع سنوات. العمل في المطعم صار صعبًا للغاية، فخطورة الوضع وغلاء الأسعار باتا عائقين كبيرين. أسطوانة الغاز وصل سعرها إلى 75 ألف دينار، وأسعار الخضراوات والمواد الغذائية قفزت إلى أضعاف مضاعفة لسعرها الحقيقي، ولم يعد المطعم يستقبل زبائنه بالشكل السابق، فأغلب الناس هربوا من الموصل، والكثير منهم يخاف الخروج، مضيفًا أنه يستقبل في مطعمه مجبورًا بعض المسلحين العرب يركنون سياراتهم وينزلون للمطعم وبرفقتهم نساء يحملن السلاح، يأكلون ويدفعون حسابهم ويخرجون".
وواصل الحاج أبو رعد، أن "الطريق الوحيد الذي يربط الموصل بالعالم الخارجي هو الحدود مع سورية التي تخضع لسيطرة مسلحي تنظيم "داعش"، حيث يتم جلب المواد الغذائية والحاجات الأخرى من مدينة الرقة السورية، لذلك تجد الأسعار غالية جدًا، وعلى العكس من ذلك فقد هبطت أسعار اللحوم العراقية بواقع النصف، حيث يباع الكيلوجرام من لحم الخروف العراقي بسعر سبع آلاف دينار، وكان سعره قبل سيطرة تنظيم "داعش" على المدينة 14 ألف دينار عراقي، وذلك لكون محافظة نينوى تمتلك أكبر ثروة حيوانية في العراق، وقد توقفت تجارتها بشكل نهائي بعد محاصرة المدينة".
وأشارت الصحيفة إلى غياب أصوات المقام العراقي والأغاني الموصلية التي يعشقها أهالي المدينة الذين تعودوا سماعها في المقاهي و"الكازينوهات" وصالونات الحلاقة والمحال التجارية وفي سياراتهم الخاصة، حيث أن شوارعها الآن تشهد إغلاقًا تامًا للمقاهي والكازينوهات وحرق لمحال ومراكز بيع الأفلام والأغاني والأقراص الليزرية ومحلات الحلاقة التي يعتبرها تنظيم "داعش" حرامًا وكفرًا وتم منع ظاهرة التدخين وإصدار فتاوى من قبل المحاكم الشريعة في تحريم التدخين وإنزال عقوبات الجلد بحق المدخنين ومن يتاجر ببيع السجائر، وقد تصل بعض الأحكام للإعدام بحق المتاجرين فيه".
وفي الضفة الأخرى من المدينة باتجاه الشمال تسمع أصوات القصف الجوي لطائرات التحالف التي باتت أكثر دويًا.. شهود عيان ذكروا بأن مسلحي "داعش" قاموا بنقل عشرات القتلى والجرحى من مقاتليهم التي استهدفتهم طائرات التحالف الدولي في سنجار وناحية تلعفر ومناطق الكسك والعياضية التي تشهد قصفًا مستمرًا وتحركًا واسعًا من قبل قوات البيشمركة الكردية وبإسناد من قبل طيران التحالف الدولي لتحريرها.
كما نوهت الصحيفة إلى وجود حملات نزوح كبرى من قبل أهالي القرى والمناطق التي تشهد حملات عسكرية إلى داخل مدينة الموصل كونها باتت المنفذ والخيار الوحيد للأهالي في الهرب من مناطق الاقتتال.
وأكدت مصادر عسكرية كردية الشروع في البدء بحملة عسكرية كبرى بالاشتراك مع القوات الحكومية العراقية ومتطوعي العشائر لتطهير مدينة الموصل بالكامل.
وقال عضو البرلمان العراقي رئيس لجنة الهجرة والمهجرين النائب رعد الدهلكي، "نبارك للجهد العسكري وتوحيد الصفوف لمحاربة تنظيم "داعش" وتطهير كل المناطق التي سيطر عليها هذا التنظيم وندعو القيادة العسكرية والمتمثلة في شخص القائد العام للقوات المسلحة العراقية أن تسلم الأراضي المحررة إلى أهلها وزعماء عشائرها ووجهائها على العكس ما حدث في مناطق محافظة ديالي التي حررت من سطوة "داعش" ليتم تسليمها إلى ميليشيات طائفية أحرقت الزرع والضرع وهدمت المنازل وقتلت الأبرياء وشردتهم".
يُشار إلى أن مدينة الموصل هي مركز محافظة نينوى، ثاني أكبر محافظات العراق من حيث التعداد السكاني والنمو الاقتصادي، حيث يبلغ تعداد السكان في المحافظة نحو أربع ملايين و500 ألف نسمة يطلق عليها "أم الربيعين" بسبب لطف جوها في الربيع والخريف.