صنعاء - العرب اليوم
لم تكترث الجماعة الحوثية إلى حجم المعاناة التي خلفها قرارها التعسفي بمنع فئات العملة المطبوعة حديثًا من التداول، رغم التبعات الكارثية للقرار الذي ساهم - وفق تقارير اقتصادية - في شل التبادل التجاري وشح السيولة وحرمان الموظفين من رواتبهم ورفع رسوم الحوالات الداخلية إلى نحو 8 أضعاف من مناطق الشرعية إلى مناطق الانقلاب، بينما يعترف تجّار في صنعاء بأن القرار الحوثي أدى إلى انكماش حركة التجارة وهو ما ساهم في ارتفاع أسعار مختلف السلع، في ظل عدم وجود السيولة الكافية لشراء البضائع من قبل تجار التجزئة وكذلك من قبل المواطنين الذي ترفض المتاجر أموالهم من الفئات المطبوعة خلال السنوات الثلاث الأخيرة من قبل البنك المركزي في عدن.
وفي أحدث تقرير للبنك الدولي عن الاقتصاد اليمني، أشار إلى حجم الكارثة الذي تسبب فيها قرار الميليشيات الحوثية التي شددت في صنعاء الحظر المفروض على استخدام الإصدار الجديد من الأوراق النقدية المطبوعة، وذكر التقرير أن الميليشيات فرضت على المؤسسات المالية العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرتها طوال 2019 حظر تداول الأوراق النقدية الجديدة قبل أن تشن حملة لسحبها لتبديلها بعملة إلكترونية غير معترف بها، وكانت الجماعة ألزمت - بحسب التقرير - حائزي هذه الأوراق بتسليم نقودهم في غضون 30 يوما أو تبديلها نقدًا بأوراق قديمة – في حالة توفرها – لما يصل إلى 100 ألف ریال للشخص (حوالي 150 - 170 دولارًا بسعر الصرف السائد في السوق الموازية) حيث يوجد أكثر من 300 وكيل في جميع مناطق سيطرة الجماعة لاستبدال الأوراق النقدية القديمة بالأوراق المسحوبة.
وفرضت الميليشيات الحوثية على ثلاثة مصارف تجارية تقديم خدمات المدفوعات الإلكترونية لسحب العملة الجديدة وهي خدمة "إمفلوس" ويديرها بنك الكريمي، وخدمة "فلوسك" ويديرها بنك اليمن والكويت، وخدمة "موبايل ماني" التي يديرها بنك التسليف التعاوني الزراعي، وساهم الإعلان الحوثي المفاجئ عن هذا التدبير الجديد في حدوث أزمة مدفوعات، وفق تقرير البنك الدولي، مما زاد من تعطيل النشاط الاقتصادي وأدى إلى تفاقم الأوضاع إثر سحب الأوراق النقدية الجديدة من التداول وكان أشد التأثير على الأفراد والشركات الصغيرة.
ويذهب أحد التقديرات شبه الرسمية إلى أن الجماعة سحبت حوالي ثلث أوراق العملة المتداولة حاليًا من الفئات الجديدة، في الوقت الذي أكد التقرير أن النجاح في استبدال العملة أمر نادر الحدوث، مما لا يترك أي خيار سوى مبادلتها بالریال الإلكتروني، غير أن العملة الإلكترونية (غير المؤمنة) لا تحظى بقبول واسع في الوقت الراهن، مما يضعف فعليًا القوة الشرائية لحائزي الریال الإلكتروني، وأوضح البنك الدولي أن المنشآت التجارية القائمة على النقد (كالمطاعم، وصغار تجار التجزئة، ووسائل النقل المحلية) يعانون أشد المعاناة نتيجة سحب العملة من التداول، حيث تعرضت المعاملات النقدية لقيود نتيجة انخفاض المعروض من الأوراق النقدية القديم، في حين تشهد المناطق المتأثرة ارتفاع مستوى السخط الشعبي.
ومن المؤكد - وفق التقرير - أن يكون لهذا التدبير الحوثي أثر انكماشي على المدى القصير حيث تواجه المدفوعات النقدية، كآلية تكيف حيوية، اضطرابات خطيرة. وبخاصة بعد أن توقفت الحكومة الشرعية في عدن عن دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية والمعاشات التقاعدية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بذريعة رفض المصارف في صنعاء تسلم الرواتب من العملة الجديدة، وأشار التقرير إلى اتساع الفجوة في سعر الصرف المزدوج بين عدن وصنعاء منذ الإعلان عن التدابير الحوثية الجديدة، كما أدى القرار إلى تقليص تداول الریال اليمني، في وقت فقدت العملة الحديثة جزءا من قيمتها مقابل العملات القديمة، وهو ما جعل نطاق فروق سعر الصرف في مناطق سيطرة الشرعية تختلف عن مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية.
ويقول تجار تحدثوا إن رسوم دفع الحوالات الداخلية من عدن إلى صنعاء على سبيل المثال قد تصل عبر بعض المصارف وشركات التحويلات والصرافة إلى نحو ثمانية أضعاف، وهو ما يعني زيادة معاناة اليمنيين وذهاب جزء كبير من قيمة أموالهم لمصلحة الميليشيات الحوثية، ويرجح اقتصاديون يمنيون أن استمرار هذا التعسف الحوثي سيهوي بصرف الريال أمام العملات الأجنبية إلى مستويات تنذر بانهيار كلي للاقتصاد الوطني، وبينما أدى قرار الجماعة الحوثية إلى إرباك التجار وحرمان آلاف الموظفين من رواتبهم التي تصرف من قبل الحكومة الشرعية في مناطق سيطرة الجماعة، لم تفلح تحذيرات البنك المركزي في عدن من الحد من المخاطر التي باتت تهدد معيشة السكان في مناطق سيطرة الانقلاب.
وكانت نقابة موظفي القطاع الصحي في مناطق سيطرة الانقلاب الحوثي حذرت مما وصفته بالتداعيات الكارثية لمنع تداول العملة الجديدة، في المناطق الخاضعة للحوثيين، وقالت إنّ القرار "بمنع العملة الجديدة تسبب بوقف صرف رواتب 23 ألفًا و160 موظفا في القطاع الصحي"، وفي حين ناشدت النقابة المجتمع الدولي لجهة الضغط على جماعة الحوثي لتتراجع عن قرارها، كانت الحكومة اليمنية دعت عبر وزارة المالية في عدن البنك وصندوق النقد الدوليين للتدخل من أجل وقف الإجراءات التعسفية للميليشيات الحوثية.
وطلبت الحكومة الشرعية من المجتمع الدولي والأمم المتحدة التدخل من أجل وقف التعسف الحوثي والحرب الاقتصادية العبثية التي أعلنتها الجماعة في سياق سعيها للتضييق على السكان ومفاقمة سوء الحالة الإنسانية المتردية، وأوضحت وزارة المالية في الحكومة اليمنية في بيان رسمي سابق أنها تلقت من البنوك والمصارف التي تعاقدت معها الوزارة والبنك لصرف رواتب الموظفين من العاملين في قطاعات مدنية مختلفة في المناطق الواقعة تحت سيطرة ميليشيات الانقلاب الحوثية مثل الصحة والتعليم العالي وغيرها، ومعاشات ما يقارب ٤٠ ألف متقاعد في ذات المناطق، اعتذارا عن عدم القدرة على دفع الرواتب.
وذكر البيان الحكومي أن المصارف أكدت عدم قدرتها عن الاستمرار في صرف الرواتب والمعاشات للموظفين والمتقاعدين في المناطق الخاضعة للميليشيات الحوثية، بسبب الإجراءات التي اتخذتها الجماعة بمنع تداول العملة الوطنية الصادرة في السنوات الثلاث الأخيرة في المناطق الواقعة تحت قبضتها الانقلابية، وحملت وزارة المالية اليمنية الميليشيات الحوثية "كامل المسؤولية عن إعاقة عشرات الآلاف الموظفين والمتقاعدين من تسلم رواتبهم ومعاشاتهم التي انتظمت الحكومة في دفعها منذ أكثر من عام، رغم استمرار الميليشيات في نهب الإيرادات العامة وعدم توريدها للبنك المركزي في عدن".
واعتبر البيان أن "عدم قدرة البنوك على صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين في مناطق سيطرة الانقلاب واختلاق أزمة في السيولة المالية، مع ما يمثله من شاهد إضافي على إصرار الحوثيين على مفاقمة الأزمة الإنسانية وتجاهل احتياجات المواطنين الواقعين تحت سيطرتها، هو مجرد أول تبعات القرار التعسفي الخطير بمنع تداول العملة المفتقر لأي قدر من المسؤولية"، في السياق نفسه، كان البنك المركزي اليمني أكد أن أي تعليمات تصدر باسم فرع البنك المركزي في صنعاء تمس نشاط القطاع المصرفي غير قانونية ولا يُعتد بها.
وشدد في بيان رسمي على أن الإجراءات التي اتخذها الحوثيون بمنع تداول العملة الجديدة تعيق جهود البنك في دفع المرتبات التي تصرف في المناطق غير المحررة وأوضح أن كافة الأوراق النقدية من العملة الوطنية بجميع فئاتها المصدرة والمتداولة استنادًا إلى قانون البنك المركزي اليمني رقم (14) لسنة 2000 والمعدل بالقانون رقم (21) لسنة 2003. تعتبر عملة قانونية ملزمة حسب قيمتها كوسيلة للدفع في جميع المعاملات الداخلية في الجمهورية اليمنية.
كما أكد على جميع البنوك التي لديها محافظ إلكترونية مرخصة الالتزام الكامل بالتعليمات الواردة في المنشور الدوري رقم (11) لسنة 2014. مشيرا إلى أن ما يطلق عليها خدمة "موبايل موني" (الريال الإلكتروني الذي زعم الحوثيون إطلاقه) غير مرخصة وليس لها أي صفة قانونية، ودعا البنك المواطنين لتوخي الحذر من الدعوات المشبوهة الصادرة من قبل جهات غير ذات صفة قانونية، في إشارة إلى الحوثيين، الذين قال إنهم سيقعون "تحت طائلة المساءلة القانونية".
ويقول مصرفيون في صنعاء إن القرار الحوثي أدى إلى وجود سوق سوداء، حيث أقدم أغلب الصرافين الموالين للجماعة على تبديل الفئات النقدية الحديثة بفئات نقدية قديمة مقابل فقد نسبة نحو 20 في المائة من قيمتها الحقيقية، ويرجح المصرفيون أن الجماعة الحوثية وعبر وكلائها والتجار التابعين لها يحصلون على الفئات الجديدة، سواء بمصادرتها من التجار أو المصارف أو المواطنين أو سحبها مقابل "الريال الإلكتروني" الوهمي، ثم يقومون بشراء البضائع العينية من مناطق سيطرة الشرعية بهذه الأموال أو شراء العملات الأجنبية.
قد يهمك أيضاً:
حقوقيون يمنيون يعرضون في جنيف انتهاكات الجماعة الحوثية بحق الأطفال
المبعوث الأممي يناقش مع زعيم الحوثيين تنفيذ اتفاق الحديدة وتبادل الأسرى