سقوط الاقتصاد المصري
القاهرة - خالد حسانين
أكد خبراء اقتصاديون أن تخبط القرارات وعشوائيتها المستمرة يتسببان في اتجاه المستثمرين إلى مغادرة مصر، حيث يعاني المستثمرون، بعد ثورة "25يناير"، من هجمة عنيفة من مختلف الاتجهات، تتمثل في إضرابات عنيفة، وأحكام قضائية، وارتفاع الضرائب، وهبوط الجنيه المصري، وقرارات قهرية لسحب
الأراضي أو إلغاء مشروعات، بالإضافة إلى ما تشهده البلاد من غياب أمني، كلها عوامل يستحيل معها الاستثمار.
ويُعد قطاع السياحة من أكثر القطاعات المتضررة في الاستثمار، حيث يواجه المستثمرون، استنادًا إلى أحكام قضائية ببطلان عقودهم مع حكومات في النظام السابق، قرارات تعسفية من قبل هيئة التنمية السياحية، والتي قامت بسحب ما يقرب من 38 مليون مترًا مربعًا من الأراضي السياحية، بعد أن قامت الشركات بإنفاق ملايين الجنيهات، وأنهت تنفيذ مراحل يترواح حجمها ما بين 40 إلى 60% من الخطة المقدمة منهم للهيئة، وعلى الرغم من ذلك، ودون اعتبار لما تمر به البلاد من حالة سياسية في طريقها للاستقرار، والتي أدت للتأثير السلبي على الاقتصاد، إلا أن هيئة التنمية السياحية برئاسة اللواء طارق سعد الدين قامت برفع دعاوى قضائية على المستثمرين، ومعاملتهم كمجرمين، حتى أصبح يتداول في أروقة المحاكم أكثر من 1400 قضية ضدهم، وفي الوقت ذاته، قامت بالموافقة على بيع 23 ألف متر مربع وتخصيص 31 ألف متر مربع، لأشخاص محسبوين على السُلطة الجديدة.
في حين أكدت أحكام القضاء الإداري فساد عقود بيع العديد من الشركات، وقضت بعودتها مرة أخرى لتبعية الدولة، منها شركة "عمر أفندي"، و"المراجل البخارية"، و"طنطا للكتان والزيوت"، لكن الدولة بدورها طعنت على عودة هذه الشركات، وبعض المستثمرين لجأوا إلى التحكيم الدولي، للفصل في تلك النزاعات، الأمر الذي ترتب عليه أن تصبح هذه الشركات لا تابعة للدولة، ولا مملوكة للمستثمرين.
ويرى بعض الخبراء أن أحكام القضاء الإداري كاشفة لعصور فساد سابقة، في حين يرى البعض الآخر أنها أضرت بمناخ الاستثمار وأدت إلى عزوف المستثمرين عن ضخ تمويل، ومشاركات جديدة في الاقتصاد المصري.
ويقول أحد الخبراء الاقتصاديين أن "أحكام القضاء الإداري تُعد بمثابة (أحكام تأميم)، لكن بطريقة مؤدبة، فما ذنب المستثمر في صفقة تم إسنادها إليه، بسعر رخيص، لاسيما أن كل جهات الدولة تصدق على هذا البيع، فكيف يأمن هذا المستثمر أن يقوم بشراء أي شيء من الحكومة مرة أخرى، وكيف يضمن ألا تعود الدولة مرة أخرى تحت أي مسمى وتطالبه بعودة الشركة مرة أخرى، ومن يعوضه عن ما قام بضخه من أموال، أو ما تحمله من أعباء، فهذه الأحكام أضرت بالاستثمار أكبر ضرر، ولا يمكن لمستثمر حاليًا أن يقوم بشراء أي أصول من الدولة، ثم يلاحقه القضاء بعد ذلك، أما في حال عدم التزام المستثمر بشروط التعاقد، فإن ذلك حق حقيقي للدولة، لكن رد الشركات للدولة مرة أخرى يعطي انطباعًا سيئًا لدى المستثمرين، ويشل حركة الاقتصاد، ويقضي على ما تبقى من استثمارات في الدولة، والتي عادة ما تكون الخاسر الوحيد، وتقضي على الصناعة، وعلى مستقبل العمال في هذه الشركات".
وتحدث تطورات خطيرة في قلب الاقتصاد المصري، وتداعياتها ستكون خطيرة، آخرها منع 21 مستثمر من كبار رجال الأعمال في مصر، ومنهم سعوديي ن، من التصرف في أموالهم، وهو ما يُعد ضربة قوية للاقتصاد، ومناخ الاستثمار في مصر، حيث يقول رئيس القسم الاقتصادي في مجلة "الأهرام العربي" حمدي الجمل أن "هذا القرار سيهوي بنا إلى القاع، ولن تقوم قائمة للاقتصاد المصري، في ضوء حالة التخبط، والقرارات الخاطئة، التي تتخذ كل يوم، وستحدث حالة ترويع وخوف عند كل المستثمرين المصريين والأجانب، ومن قبلها ما حدث مع عائلة ساويرس، وأنا شخصيًا تعجبت من ترك الدولة لساويرس يكسب مليارات، دون أن يدفع ضرائب على شركات في البورصة، ولكنه فعل ذلك بالقانون، فلماذا نحاسبة بأثر رجعي، إذا كنا نتحدث عن دولة القانون".
ويرى نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار محسن عادل "إن أداء السوق تأثر سلبيًا خلال تعاملات، الاثنين، بعد قرار النائب العام بالتحفظ على أموال مجموعة من كبار رجال الأعمال في مصر، لاسيما أن قائمة رجال الأعمال، الذين صدرت ضدهم قرارات، تضم عددًا من الكبار في السوق المصرية، الأمر الذي يثير مخاوف المستثمرين من حملة أسهم تلك الشركات".
وأشار عادل إلى أنه "لابد أن نفرق أ ولاً بين القضايا الجنائية، التي لا يمكن التصالح فيها، وغيرها من القضايا المالية، التي من الممكن إيجاد حلول لها للتصالح، لاسيما إذا كان يتوافر فيها عدم التعمد، وبناءًا على هذا الأساس، يمكن وضع خريطة واضحة للتصالح مع رجال الأعمال"، مؤكدًا على أن "الأهم من التصالح مع رجال الأعمال هو إرساء مناخ عام يشجع المستثمرين كافة على الاستثمار في مصر باعتبارها دولة قانون، وأن الدولة قادرة على الفصل في قضايا رجال الأعمال وفقًا للقانون".
من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي الدكتور أنس فوزي إلى "إننا نواجة مايشبه الألغاز يوميًا من قرارات تعيق أي تقدم في المسار الاقتصادي، وتدفعنا للخلف خطوات كبيرة، ولا أحد يفهم ماذا يجري، وكيف تتخذ مثل هذه القرارات، فنجد من ناحية تجاهلاً لما يعانيه المستثمرين من مشاكل الإضرابات، وعدم توافر الأمن، وتعقب البعض الأخر دون أسباب منطقية"، محذرًا من "تعاظم النتائج السلبية لما يحدث، وانعكاساته الخطيرة التي ستجعل المستثمرين يهربون من مصر".
ويؤكد عضو جمعية رجال الأعمال الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى إبراهيم أن "هناك تخبطًا واضحًا لدى صُناع القرار، لاسيما فيما يتعلق بالقرارات الاقتصادية، فكل يوم نصبح على خبر صاعق، ودون مبررات، وكلها قرارات تصب سلبًا وتضر بالاقتصاد، وتدفع الكثرين إلى ترك البلاد، واستثمار أموالهم في الخارج".
يذكر أن النيابة العامة كانت قد أرسلت خطابًا إلى البورصة المصرية يتضمن قائمة بـ23 رجل أعمال، صدر في حقهم قرار بالتحفظ على أموالهم، كان من بينهم حسن محمد حسنين هيكل، وجمال مبارك، وعلاء مبارك، وغرام الله رداد سعيد الزهراني، وهدى عباس محمود عبد الكريم، و18 أخرين.