صنعاء ـ العرب اليوم
توقع رئيس "المرصد الاقتصادي للدراسات والاستشارات" اليمني يحيى المتوكل، أن الحكومة قد تضطر إلى اتخاذ قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، الذي لن يكون سهلًا عليها، نظرًا إلى أن السعر العالمي وفّر للدولة مبالغًا إضافية تساوي الضرائب المفروضة على المشتقات. كما أبرز أنَّ الحكومة المقبلة عليها مواجهة تحديات عدة، وعلى رأسها تراجع الموارد المالية، واحتياط النقد الأجنبي، ووقف بعض المانحين مساعداتهم.
وأضاف المتوكل، في تصريح له، "الدعم انتهى عمليًا في السوق الآن، إذ لا تقدّم الدولة دعمًا للمشتقات النفطية، في ضوء السعر الراهن، بل تحصّل ضرائب على المشتقات من خلال بيع كل 20 لتر بنزين أو ديزل، بثلاثة آلاف ريال (14 دولارًا)".
ورجح المتوكل، وهو وزير صناعة وتجارة سابق، أنه "في حال لم تتوافر موارد أخرى لخزينة الدولة، ستضطر الحكومة المقبلة إلى تجميد الأسعار إلى حين توافر مورد جديد، ولكن إذا استطاعت الحصول على موارد أخرى، فإن الوقت مناسب لإعلان التحرير الكلي لأسعار المشتقات النفطية، بل يمكن أيضًا فتح المجال للقطاع الخاص للبدء باستيرادها وبيعها في السوق المحلية وفق آلية وضوابط تشرف عليها الحكومة".
وأشار إلى أن "السياسة النقدية أثبتت حتى الآن اتزانًا في تعاملها مع التحديات الاقتصادية، إذ شدّد البنك المركزي خلال العام الماضي الرقابة على الإنفاق باعتباره يمثّل خزينة الدولة، واقتصر الصرف على الأجور والرواتب بسبب شحّ الموارد المالية".
وأعرب عن أمله في "التعامل في اتجاهين لتوفير مزيد من الموارد المالية، الأول تنفيذ الجهات المانحة التزاماتها وتعهداتها، والثاني يتعلّق بتأمين أنابيب النفط والغاز وأبراج الكهرباء، والحدّ من عمليات تخريبها"، مشيرًا إلى أن "الأشهر الماضية شهدت تراجعًا كبيرًا في عمليات التخريب".
وأبرز أنه "تستطيع الحكومة الاستمرار في التصدّي لعمليات تخريب الأنابيب، وكذلك تصدير الكميات المتاحة من النفط، وفي الوقت ذاته تقليص استيراد المشتقات النفطية".
وعن قدرة الحكومة على دفع رواتب الموظفين في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة، التي دفعت بعض المانحين إلى وقف دعمهم وإغلاق سفاراتهم لدى صنعاء، قال "الموارد كانت شحيحة العام الماضي، نتيجة تخريب الأنابيب، وأصبح اليمن مستوردًا صافيًا للمشتقات النفطية الآن، وعلى رغم أنه ينتج النفط الخام ويصدّره، إلا أنه يضطر إلى استيراد المشتقات بأسعار أعلى من أسعار النفط المصدّر، ولذلك تقلّصت موارده".
وأردف "على الرغم من ذلك، استطاعت الحكومة أن تفي بالتزاماتها تجاه الأجور والرواتب في شكل واضح، وبعض النفقات الضرورية، وبالتالي لا أتوقع أن يكون العام الجاري أسوء من عام 2014، وآمل أن تتمكن الحكومة من تأمين مزيد من الموارد للجانب الاستثماري والرأسمالي، ولو بالحد الأدنى الذي يتيح استكمال المشاريع التي شارفت على الانتهاء، حتى تساعد عجلة الاقتصاد على الدوران وترفع من معدّل النمو. ففي عامَي 2012 و2013، كان النمو متدنيًا وبلغ 2.4 و4.8 في المئة على التوالي، ولم يتمكّن الاقتصاد من تعويض النمو السلبي عام 2011 والذي بلغ -12.7 في المئة، ويتوقّع أن يبلغ 1.9 في المئة عام 2014".
وفي شأن الإصلاحات المطلوبة، أوضح المتوكل أنَّ "الحكومات السابقة لم تعط الإصلاحات الاهتمام الكافي، والجميع يلمس ذلك بمن فيهم المواطن العادي". وأشار إلى أن "قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية الذي اتخذه الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، نهاية تموز/يوليو الماضي، كان عكس الاتجاه المطلوب".
وتابع "أعتقد أن الفرصة أصبحت مواتية إلى حد كبير، نتيجة انخفاض أسعار النفط، لتحرير أسعار المشتقات النفطية الذي تتحمّل عبئه خزينة الدولة، ويمكن أيضًا أن يقضي إلى حد ما على الفساد في قطاع النفط والكهرباء، وهناك مجالات يمكن للحكومة أن تنفذ فيها إصلاحات، مثل إزالة الأسماء الوهمية والمزدوجة من كشوف الراتب في الخدمة المدنية. ولا أعتقد أن هناك صعوبات أمام تنفيذ هذا الإصلاح، الذي يمكن أن يوفّر بلايين الريالات لخزينة الدولة".
وعن مستقبل الاقتصاد اليمني، في ضوء الأوضاع الراهنة، قال المتوكل إن "الأولوية السياسية والأمنية طغت على الأولوية الاقتصادية على رغم التحديات الكثيرة"، موضحًا أن "الحكومات المتعاقبة أغفلت الاقتصاد في شكل واضح، وبالتالي فإن تداعياته تشتد وتتراكم يومًا بعد يوم، فتراجع احتياط النقد الأجنبي إلى 4.6 بليون دولار نتيجة انخفاض الصادرات النفطية، فضلًا عن التأخر الواضح في المساعدات الخارجية التي التزم بها المانحون منذ مؤتمر الرياض واجتماع أصدقاء اليمن عام 2012، وكان يعوّل عليها في تحريك عجلة التنمية، كما أن غياب الإنفاق الاستثماري في الموازنة أثر سلبًا، فغياب المشاريع التنموية يمنع إيجاد فرص عمل جديدة، وفي الوقت ذاته تنخفض القوة الشرائية".
وأكّد أنّ "ما ينفق من الموازنة القائمة، التي لم تقرّ حتى الآن، هو الأجور والرواتب فقط، ويجب التفكير جديًا في توفير المخصّصات الاستثمارية. من هنا يبقى دور المانحين مهمًا بمن فيهم صناديق التنمية وليس الدول فقط".
ولفت إلى أنه "لا بد للحكومة أن تأخذ في الاعتبار سيناريوهات تراجع أسعار النفط بما فيها المتشائمة، وتحاول بقدر إمكاناتها المحدودة، إعداد أولويات السياسة المالية والنقدية، وفي الوقت ذاته يجب توجيه دعوات إلى الجهات المانحة للتعاون في تنفيذ تعهداتها في الجانب التنموي تحديدًا، حتى لو اضّطرت الحكومة إلى وضع ضوابط تلتزم بها بالإنفاق في مجالات محدّدة".
وشدد على "أهمية التركيز على المشاريع التنموية التي شارفت على الانتهاء، حتى تستطيع الدولة أن تقطف ثمارها، والتي يمكن أن يستفيد منها المواطن، عوضًا عن بدء مشاريع جديدة قد تحتاج إلى أعوام، وبالتالي ستكون نتائجها مؤجّلة إلى مرحلة لاحقة".