الرياض ـ العرب اليوم
كشف الأديب حمد القاضي عن أسباب "معركة التباريح" الأدبية، التي شهدتها الساحة الأدبية في فترة من الفترات و"كان السلاح فيها الحروف والزنابق وليس الرماح والبنادق" بين أبطالها الثلاثة؛ الشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، والدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - وحمد القاضي نفسه، حيث ذكر"هذه المعركة كان سببها بسيط جدًا كبداية حرب داحس والغبراء، إذ بداية شرارتها الدافئة وريقة صغيرة أرسلتها إلى شيخي أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري".
ومضى القاضي في حديثه مستعرضًا ذكريات ومواقف للشيخ الظاهري، ومن ذلك مواقفه مع الفقهاء والأدباء والشعراء والمثقفين، مسلطا الضوء على "تباريح" الظاهري التي تميزت بالبيان الناصع والألفاظ الفصيحة التي كانت تتميز بالحماس والقوة، ساردًا لمقتطفات من تلك التباريح. محصيًا بعض الخصال العذبة للشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري ومنها: تميزه بجدية العالم وظُرف الأديب، وأنه يتحدث كما يكتب، فضلًا عن كرم العطاء علمًا ويدًا.
جاء ذلك في سياق ندوة "الشخصية الثقافية المكرمة جهود أبي عبدالرحمن الظاهري في خدمة الأدب والفكر والتراث"، ضمن النشاط الثقافي للجنادرية 30 التي أقيمت مساء السبت في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بفندق الانتركونتننتال في الرياض، وشارك فيها بجانب القاضي، كلُ من: الدكتور أحمد بن علي آل مريع، والدكتور عبداللطيف الحميد، والدكتور محمد بن عبدالله العوين، فيما أدارها عبدالرحمن السماعيل، حيث استهل الأمسية الدكتور آل مريع متطرقا لسيرة ابن عقيل الذاتية، وكيفية اختياراته في مؤلفاته المتنوعة في والشرع والأدب والفكر والتاريخ والمؤلفات الشخصية. مشيرا إلى تجربة أبي عبدالرحمن في كتابة السيرة الذاتية. لافتا إلى العوامل التي تهيأت لهذه التجربة ميزتها عن غيرها من التجارب الأخرى، ومن ذلك الإحساس القوي بالذات، كما أظهر تأثره بمن درسوه في مجال العلم الشرعي من المشايخ والعلماء، بالإضافة إلى تخصصه الفقهي، معتبرًا أن كل ذلك جعل من تجربته أنموذجا فريدا وازن فيه بين البوح والصدق وقوة الذاكرة والتفاصيل واستحضار الموقف.
مضيفًا بقوله: تميزت تجربة أبي عبدالرحمن بن عقيل بإحساس قوي بالذات، ونزوع إلى الاستقلالية على مستوى الشخصية وعلى مستوى الخيارات، وهذا انعكس على اختياراته الفقهية التي يرى فيها "التقليد" في مسائل الفقه مرجوحًا، وأن على العالم أن يحرر المسائل ويجتهد إن كان مستطيعا. وهذا الإحساس القوي بالذّات اقترن عند شيخنا الجليل بالوعي النظري النقدي بكتابة السيرة الذاتية وبقراءة واسعة لأشهر أعمالها العالمية والعربية. كما أن خبرته بالتراث العربي واطلاعه على صيغ عديدة من كتابة الذّات في التراث العربي كالفهارس والإثبات والمشيخات، وسير العلماء الذين دونوا بأنفسهم تجاربهم جعله على معرفة دقيقة بخيارات التدوين الذاتي ومناهج السيرة الذاتية وتباينها واقعًا وباعثًا بين الشرق والغرب.
وأشار الدكتور الحميد إلى المنهجية العلمية التي اختصها الظاهري في أعماله التاريخية والبلدانية. مبينا أنه ينتمي إلى مدرسة العالم ابن حزم. لافتا إلى أنه تأثر بعلامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر في مجالي التاريخ والأدب، كما تأثر بالشيخ عبدالعزيز بن باز في المجال الشرعي، فكان وفيًا لشيوخه ومعلميه الذين أخذ على يديهم العلم، مفردا لبعضهم كتبا تقديرا لهم، متطرقا إلى رحلته في التأليف والنشر إلى ثلاث مراحل:
الأولى: بدأت منذ منتصف الثمانينات الهجرية حيث ظهرت لأبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري أبحاث في مجلتي المنهل والعرب
الثانية: مرحلة النشر في القاهرة وكانت في القاهرة، حيث نشر ثمانية كتب في القاهرة وبخاصة في مجالي التاريخ والتحقيق.
الثالثة: مرحلة الذروة والانتشار من إطلالة القرن الخامس عشر الهجري إلى اليوم وهي المرحلة التي توجت بظهور مشروعين تبناهما الشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري هما إنشاء دار ابن حزم للنشر والتوزيع، والثاني حصوله على امتياز إصدار مجلة علمية محكمة تعنى بتاريخ المملكة العربية السعودية باسم مجلة الدرعية.
وأضاف الحميد: بعض ما يميز كتابة الشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، وضوح الرؤية، والمنهجية الثابتة والراسخة، وقوة البيان، وجمال الأسلوب، وحسن اختيار العناوين.
فيما اتجه الدكتور العوين إلى تلمس أوجه التشابه بين ابن حزم والظاهري، مشيرًا إلى أن ابن عقيل وجد لدى ابن حزم ما يتوق إليه من الحرية العلمية والاستقلال الفكري والنفور من الاتباع والانقياد للموروث من الآراء دون بصر بالدليل، فكأن ابن عقيل كان يبحث عمن يجد فيه ذاته فوجدها في ابن حزم، ولذلك التقت أفكارهما في صفاء العقيدة وقوة الإيمان والنفور من أوهام الفلاسفة والوقوف أمام الملحدين ومنكري الألوهية أو الرسل والأنبياء، ثم اتفقا في المذهب والأحكام؛ لأن الفقه الظاهري يرى أن الأحكام لابد أن تعتمد على القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع الصحابة، ويرفض القياس والتقليد والاجتهاد والرأي.
بعد ذلك أورد الدكتور العوين بعد أن استأذن من الشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري بعض ما كتبه الشيخ في البوح والتصريح والرقة والاستجابة للعاطفة الرقيقة الشفيفة نحو المرأة.
واختتم العوين حديثه مشيدًا بتكريم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله – بوسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى لابن عقيل لهذا العام، ما يدل على رعاية الدولة واهتمامها بالعلم ودعم الثقافة والمثقفين في شتى المجالات.
وفي ختام الأمسية تداخل أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري معبرا عن شكره للحرس الوطني على إقامة هذه الندوة، باسطا القول عن "التباريح" التي كان قد كتبها، ساردا لبعض القصائد الشعرية ومنها القصيدة التي كتبها للملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - في وفاة الملك فهد بن عبدالعزيز - يرحمه الله -.