طرابلس ـ العرب اليوم
أفادت مصادر دبلوماسية وثيقة الصلة بالملف الليبي، بأن زيارة المشيرة خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، إلى باريس تلبية لدعوة رسمية تلقاها الشهر الماضي غرضها بالدرجة الأولى «تقييم الوضع الحالي السياسي والميداني» و«السعي إلى تحريك بعض الخطوط الجامدة»؛ من أجل الدفع باتجاه تنفيذ مقررات قمة برلين لشهر يناير (كانون الثاني) الماضي.
وأضافت المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، أمس، أن باريس «لديها تساؤلات حول إمكانيات المشير حفتر لجهة حسم المعركة لصالحه، والسيطرة على كل المناطق الليبية»، وانطلاقاً من هذا التشخيص، فإن السؤال الذي يريد الفرنسيون التشاور بشأنه مع المشير حفتر يدور حول «المخارج» الممكنة للحملة التي أطلقها الجيش الوطني منذ شهر أبريل (نيسان) الماضي، أي قبل عام تقريباً والتي قادته إلى مداخل العاصمة بعدما مكّنته من السيطرة على مناطق واسعة من ليبيا.
وقال مكتب حفتر، أمس، في بيان، إنه وصل إلى باريس بدعوة رسمية من الرئيس إيمانويل ماكرون الذي التقاه في قصر الإليزيه «للتباحث في آخر مستجدات مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية»، لافتاً إلى أن «الرئاسة الفرنسية نظمت استقبالاً رسمياً بحضور ماكرون ورئيس أركان الجيش الفرنسي ووزيري الدفاع والداخلية بالحكومة الفرنسية وعدد من القيادات العسكرية بالجيش الفرنسي». وطبقاً للبيان «أشاد الرئيس الفرنسي بالدور المحوري الذي تلعبه قوات الجيش الوطني في دعم عمليات مكافحة الإرهاب»، مؤكداً «دعمه التام لتلك الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في كامل المنطقة».
ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول بالرئاسة الفرنسية، أمس، أن المشير حفتر أبلغ الرئيس ماكرون بأنه سيوقّع على اتفاق لوقف النار، وسيلتزم به إذا احترمته الجماعات المسلحة التي تدعمها حكومة «الوفاق» المعترف بها دولياً. وأضاف المسؤول، بعد أن اجتمع حفتر مع ماكرون في باريس: «أكد لنا القائد العسكري حفتر بأنه ملتزم بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار، لكنه سيتخلى عن هذا الالتزام إذا لم تحترمه الميليشيات».
وقال المسؤول في الرئاسة الفرنسية: حفتر أحد اللاعبين الرئيسيين بالمشهد السياسي الليبي، ويجب أن يؤخذ في الحسبان». وأضاف، أنه لا توجد خطط للقاء ماكرون برئيس حكومة طرابلس فائز السراج أو التحدث معه، وفي المقابل، قالت مصادر فرنسية، إن باريس لا تريد أن تترك ليبيا ورقة تتحكم بها روسيا وتركيا فقط، في إشارة إلى الدعم المزعوم الذي تقدمه الأولى لحفتر، وإلى الدعم الذي تقدمه الثانية لحكومة طرابلس.
وهذه ليست المرة الأولى التي يُدعى فيها حفتر إلى باريس ويزورها. فقد جاءها في مايو (أيار) من العام الماضي بعد أيام قليلة من زيارة مماثلة للسراج، واجتمع خلالها بالرئيس إيمانويل ماكرون والوزير جان إيف لودريان. وحاول ماكرون إحداث اختراق في الملف الليبي من خلال مؤتمرين نظمتهما الدبلوماسية الفرنسية: الأول في يوليو (تموز) عام 2017، والآخر في مايو من عام 2018، إلا أن الجهود الفرنسية لم تفض إلى نتيجة، وأحد أسباب الإخفاق اتهام باريس بالوقوف إلى جانب قائد الجيش الليبي. وأكثر من مرة، أشار مسؤولون فرنسيون إلى أن إشكالية الملف الليبي تكمن في «كيفية تقاسم السلطة»، في حين اعتبر ماكرون أن «حفتر يمثل الشرعية العسكرية»، وأن السراج «يمثل الشرعية السياسية». وأفاد كتاب صدر أواخر العام الماضي بعنوان «القصة السرية للمخابرات الخارجية الفرنسية» للكاتب جان غيسنيل، بأن باريس «كانت تلعب ورقتي حفتر والسراج معاً». فمن جهة، كانت تقدم الدعم العسكري والاستخباري لحفتر، وهي في الوقت عينه أرسلت فريقاً لضمان سلامة السراج وتدريب رجاله. وفي شهر يوليو الماضي، بيّن تحقيق قامت به وزارة الخارجية الأميركية، أن صواريخ مضادة للمخابئ والتحصينات من طراز «جافلان» أدخلت إلى ليبيا عن طريق فرنسا. وبما أنها صعبة الاستخدام، فإن واشنطن رأت في ذلك دليلاً على وجود عسكريين فرنسيين إلى جانب حفتر؛ ما يعني أن الدعم الفرنسي استمر بعد انطلاق حملة حفتر للسيطرة على طرابلس.
ومنذ مؤتمر برلين الذي دعت إليه الأمم المتحدة وألمانيا لتوفير مظلة للحل السياسي للمعضلة الليبية ومساعدة مبعوث أمين عام الأمم المتحدة غسان سلامة الذي استقال مؤخراً، تلعب باريس ورقة الإجماع الدولي. لكن هذا الالتزام لا يمنعها من أن يكون لها موقف خاص، مثل أنها تدعو إلى وقف إطلاق النار، لكن من غير عودة قوات حفتر إلى المواقع التي انطلقت منها. كما أن باريس من أشد المنتقدين لسياسة تركيا في ليبيا، إنْ لجهة الدعم العسكري وإرسال مرتزقة سوريين، أم لجهة الاتفاق الاقتصادي الذي يضر بحقوق عضوين في الاتحاد الأوروبي هما اليونان وقبرص في مياه المتوسط الشرقي.
ويقوم الموقف الفرنسي اليوم، كما شرحه الوزير لودريان أمام البرلمان الأسبوع الماضي، على احترام مقررات قمة برلين والحاجة إلى دفع حفتر والسراج على السواء لاحترامها. وتريد باريس أن يتم سريعاً تعيين بديل عن سلامة «من أجل استمرار الدينامية التي أطلقها لوقف إطلاق النار والحوار الليبي - الليبي».
ودعا الوزير الفرنسي إلى السعي لفرض وقف دائم لإطلاق النار ولإطلاق حوار سياسي شامل والتمكن من إدارة أفضل للموارد الليبية، إضافة إلى وقف إيصال السلاح إلى الأطراف الليبية. وتجدر الإشارة إلى أن سلامة ندد دائماً بالتدخلات الخارجية في ليبيا بانتهاك قرارات برلين، وبازدواجية التعاطي في الملف الليبي، والقطيعة بين ما يقال وما يتم فعلاً ميدانياً.
وتقول المصادر الفرنسية، إن اهتمام باريس بما يجري في ليبيا «مشروع»؛ نظراً لما للوضع في ليبيا من تأثير على المصالح الفرنسية، إنْ في البلدان المغاربية أو في منطقة الساحل. وتندرج تحت هذا المسمى موجات اللاجئين والمهاجرين الأفارقة انطلاقاً من المرافئ الليبية وملف الإرهاب بما له من علاقة بتفلت الحدود الليبية وغياب الرقابة عليها. من هنا، خيار باريس للبحث عن بدائل من أجل الوصول إلى حل سياسي لا يبدو حتى اليوم، وعلى ضوء ما يجري ميدانياً قريب المنال. لذا؛ فإن اعتبار باريس أنها تتمتع بقدرة على التأثير على المشير حفتر يجعل التشاور معه أمراً مفيداً رغم الإخفاقات السابقة
قد يهمك ايضـــًا :
حفتر أكد خلال اجتماع مع ماكرون أنه ملتزم بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار
الجيش الليبي يتّهم حكومة الوفاق بالتحضير لهجوم كبير في طرابلس