بغداد ـ العرب اليوم
تواصل الكتل السياسية في العراق مواقفها المتباينة بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، فلم يُترجم الجو الاحتفالي الذي رافق الطريقة التي تسلم بموجبها مدير جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي كتاب تكليفه من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح بحضور الخط الأول من الزعامات السياسية يتقدمهم زعيم الفتح هادي العامري إلى تقدم حقيقي حتى الآن في جهود تشكيل الحكومة الجديدة.
الكاظمي لحظتها كان الهادئ الوحيد بالقياس إلى ما بدا أنه سرور وابتهاج من قبل سواه ممن حضر. ومنذ تلك اللحظة التي اختتم بها الحاضرون المشهد الاحتفالي بقراءة سورة الفاتحة الذي بقي موضع تساؤل حتى اليوم، فإن الكاظمي لايزال يحتفظ بهدوء لافت. ومع أن هذا ديدن رجال المخابرات الذين يتطلب عملهم ذلك، فإنه آثر ومن منطلق خبرته الشخصية مع القادة السياسيين في بلاده الاستمرار في اتباع استراتيجية الهدوء رغم كثرة الاتفاقات ونقضها معه يوميا مرتين في الأقل. فاتفاق في الليل يتم نقضه في النهار.
الكاظمي حاول عكس صورة الحازم القوي في الصور التلفازية التي التقطت له بدءا من الصورة التي بدت صارمة حين ألقى كلمته بعد التكليف وانتهاء بآخر ظهور تلفازي له قبل نحو أربعة أيام حين وقع بعصبية ظاهرة المنهاج الوزاري الذي أرسله إلى البرلمان. وما إن وصلت الكرة إلى البرلمان حيث يتعين عليه تحديد جلسة منح الثقة، فإن تناقضات الكتل السياسية على صعيد الموقف من آخر كابينة وزارية قدمها الكاظمي بددت إمكانية عقد جلسة سريعة.
لا أحد بوسعه التكهن بموعد عقد الجلسة النهائية لتنهي آخر ماراثون تكليف لوزارة عراقية في ظل تفاقم الأزمات في البلاد مع شبه انعدام فرص الحلول. الأعمق في الأزمة الحقيقية في العراق ليس سياسيا بل مالي بامتياز. مع ذلك لا تبدو الكتل السياسية في وارد التنازل عن حصصها الوزارية التي كانت قد حصلت على بعضها أيام الوفرة النفطية حين كانت الأسعار تزيد على الـ100 دولار للبرميل.
في العراق وفي كل الحكومات يتمحور الصراع على الوزارات في مسارين؛ الأول صراع المكونات (شيعة وسنة وكرد) ويشمل في الغالب الوزارات السيادية (الدفاع والداخلية والمالية والنفط والخارجية) والمسار الثاني الوزارات الخدمية حيث يتركز الصراع حولها طبقا لمبدأ المحاصصة. والمحاصصة تعني في العراق أن جميع الكتل السياسية الممثلة في العراق لها حصصها الثابتة من الوزارات دون خلاف على مبدأ التحاصص. فعلى صعيد توزيع المناصب الوزارية لحكومة الكاظمي فإن حصة الشيعة من الوزارات 12 وفي حال إقرار وزارة جديدة (المرأة) اقترحت كون حصتهم 13 مقابل 6 وزارات للعرب السنة و3 وزارات للكرد ووزارة للمكون التركماني ووزارة للمكون المسيحي.
وفي العادة، فإن وزارات الأقليات ليست من وزارات الدرجة الأولى. مع ذلك فإن المسيحيين اختلفوا فيما بينهم حول مرشحهم لوزارة الهجرة والمهجرين لأن المحاصصة تنتقل إلى داخل المكونات والأطياف نفسها. التركمان اعترضوا أيضا على منحهم وزارة ليست ذات شأن، كما اعترضوا على المرشح لها. ما عدا الكرد الذين لا يأتون إلى بغداد من أربيل إلا وقد رموا خلافاتهم عند آخر نقطة فاصلة بين محافظات الإقليم وبغداد، فإن الشيعة والسنة سببوا صداعا للكاظمي الآن، نظرا للخلافات البينية داخل أحزابهم وكتلهم والتي كثيرا ما يحملون الكاظمي وزر نتائجها. فالسنة الذين لديهم 6 وزارات تتصارع عليها جهتان الآن وهي تحالف القوى العراقية (الممثل السني الأكبر في البرلمان ويضم نحو 50 نائبا) وتحالف جديد أطلق على نفسه تحالف المدن المحررة ويضم كما يقولون 21 نائبا. هذا التحالف الجديد يطالب بثلاث وزارات من الوزارات الست بينما يرى التحالف الأكبر أنه الذي يملك حصة الأسد. كلا التحالفين يطالب رئيس الوزراء المكلف حسم توزيع الوزارات بينهما بطريقة ترضية تبدو مستحيلة سيكون ثمن موقفهم منه داخل قبة البرلمان. فمن يشعر أن الكاظمي لم يستجب له فلن يمنحه ثقته، وهو ما يجعل رئيس الوزراء المكلف يخسر أصواتا لتمريره.
الأمر لا يختلف عند الشيعة كثيرا، فوزاراتهم الـ12 لا بد أن تتوزع على نحو 7 كتل شيعية. وطبقا للمباحثات الجارية طوال الأيام الماضية فإن الصراعات تتمحور حول بعض الوزارات السيادية التي هي من حصة المكون الشيعي، مثل الداخلية والنفط وبعض الوزارات الخدمية التي يطالب بها هذا الطرف أو ذاك. ومع أن الجميع يقول إننا خولنا الكاظمي اختيار الكابينة لكن طبقا لمبدأ المسطرة أو المجيء بوزراء مستقلين، فإنه بعد كل كابينة يعرضها الكاظمي على الكتل السياسية تبدأ الاعتراضات على الأسماء مرة وعلى آلية التوزيع مرة أخرى. الكاظمي وفي كل اجتماع يطوي أوراقه ويعود إلى هدوئه بانتظار جولة جديدة من المفاوضات معهم دون كلل أو ملل لأنه في النهاية لا يخسر شيئا. فالجميع يعترف أنه زاهد بالمنصب وقد عرض عليه أكثر من مرة ورفضه حتى تحقق الإجماع الشامل عليه وهو ما يعني أنه ليس مسؤولا عن أسلوبهم في التعامل معهم. وفي آخر المواقف هو ما أعلنه رئيس كتلة السند الوطني أحمد الأسدي بأن الكتل السياسة اتفقت على تخويل رئيس الوزراء المكلف اختيار كابينته الوزارية وفق معايير تطبق على الجميع دون استثناء.
لم يعد الوقت متاحا للمزيد من المناورة، لا بد للكاظمي أن يختار لكن وفق التخويل. وبانتظار نتائج قرار اللجنة المكلفة دراسة المنهاج الوزاري لكي تتحدد بعدها جلسة البرلمان للتصويت فإن المزيد من السير الذاتية سوف تعاد قراءتها، على أمل أن تكون متطابقة مع سياقات التخويل الجديد بانتظار ساعة الحسم، إما التمرير أو انتظار مكلف رابع لن يكون أكثر من عطار ليس بوسعه إصلاح ما أفسد الدهر.
قد يهمك ايضـــًا :
خلافات توزيع الحقائب الوزارية في الحكومة العراقية تطال "المسيحيين والتركمان
تعديلات على حكومة الكاظمي تمهّد لتسوية مع الكتل السياسية العراقية