سيول ـ كريم الصفدي
وقّع زعيما كوريا الجنوبية، مون جاي-إن، وكوريا الشمالية، كيم يونغ أون، إعلانا الجمعة، يتضمن الموافقة على العمل من أجل "نزع السلاح النووي بالكامل من شبه الجزيرة الكورية"، وخلال أول قمة بين الجانبين منذ أكثر من عقد أعلن الزعيمان أنهما سيعملان على التوصل إلى اتفاق لتحقيق سلام "دائم" و"راسخ" في شبه الجزيرة.
وشمل الإعلان تعهدات بالحد من التسلح ووقف "الأعمال العدائية" وتحويل الحدود المحصنة بين البلدين إلى "منطقة سلام" والسعي من أجل إجراء محادثات متعددة الأطراف مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة.
إلى ذلك، أعلن الزعيمان الكوريان أن الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي-إن سيزور بيونغ يانغ في وقت لاحق من العام الحالي.
وجاء في البيان المشترك بعد القمة أن مون سيقوم بزيارته في الخريف، بعد 11 عاما على مشاركة الرئيس الأسبق روه مون هيون في القمة الكورية الثانية في عاصمة الشمال.
الصين ترحّب
مِن ناحية أخرى، رحبت الصين بالقمة، قائلة إنها تشيد بزعيمي الدولتين لاتخاذهما "خطوة تاريخية" تجاه السلام، وذكرت هوا تشون يونغ المتحدثة باسم وزارة الخارجية في مؤتمر صحافي الجمعة أن بكين تتمنى أن يحقق الاجتماع بين زعيمي الكوريتين "نتيجة إيجابية".
ونقلت هوا عن الكاتب الصيني الشهير لو شيون قوله "بعد كل هذه المعاناة، لا تزال الصداقة الأخوية موجودة، ومع ابتسامة، دعونا ننسى دين الامتنان والانتقام".
وأضافت هوا أن الصين تتطلع لهذه القمة باعتبارها فرصة للتوسع في "رحلة جديدة للسلام والاستقرار على المدى الطويل في شبه الجزيرة الكورية".
تنعقد القمة التاريخية بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، الجمعة، وهي تحمل في طياتها رمزية مثقلة من اللمسات بالغة الدقة في ديكورات غرفة الاجتماعات المُقرر عقد القمة بها، حيث تحمل ذكريات الطفولة الكوميدية لزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أنون، حين كان في سويسرا، وستظهر لوحة زرقاء وأرجوانية ناعمة لجبل كومغانغ في كوريا الشمالية، فوق قاعة الاجتماع في الطابق الثاني في "بيت السلام" على الحدود بين الشمال والجنوب، حيث سيجتمع الزعيمان.
وسيذهب كيم إلى الجنوب في الساعة 9:30 صباحا بتوقيت كوريا الشمالية، وهو أول زعيم كوري يقوم بذلك، بينما ستكون شقيقته الصغرى، كيم يونغ جونغ، برفقته لحماية المعلومات الحساسة عن صحة شقيقها، وسيحاول كيم ونظيره الجنوبي مون غاي إن، حل إحدى المشاكل الأكثر تهديدا وإلحاحا في العالم، إذ استعداد بيونغ يانغ للاستغناء عن برنامجها النووي، والعلامة المحتملة لنهاية رسمية للحرب الكورية 1950-1953، والتي شهدت هدنة لوقف الأعمال العدائية العسكرية ولكن دون معاهدة سلام حقيقية.
وتعد قرارات قمة الجمعة أول اجتماع لزعيمين كوريين منذ عام 2007، وستحدد نغمة المحادثات المرتقبة بين كيم والرئيس الأميركي دونالد ترامب، في وقت لاحق من هذا العام، بشأن نزع السلاح النووي وضمانات السلام في المنطقة التي ظلت لعقود على حافة الصراع.
آمال بنهاية الحرب الكوري
وفي هذا السياق، يقول جون ديلوري، أستاذ في جامعة يونسي في سيول "الأمر مُعقد للغاية، إذا كنا نتحدث بجدية عن نزع السلاح النووي، فعلينا أن نتحدث بجدية عن السلام، ومع ذلك، يمكن وضع نهاية نهائية لهدنة غير مستقرة كانت موجودة في شبه الجزيرة منذ ما يقرب من سبعة عقود من خلال طرق عدة، ولكن المستوى الأول هو معاهدة أو وثيقة موقعة، ومن ثم وثائق أخرى قصيرة من معاهدة مثل إعلان السلام، كل ذلك سيقلل من نسبة الأصول العسكرية، ويجعل شبه الجزيرة الكورية أقل عدائية".
وسيكون لنهاية الحرب الكورية أيضا آثار بالنسبة إلى الولايات المتحدة، والتي لديها نحو 28 ألف جندي متمركزين في كوريا الجنوبية، ويجرون تدريبات سنوية مع القوات العسكرية الجنوبية، في حين أثار وجود القوات رد فعل غاضب من بيونغ يانغ، التي استخدمت هذا التهديد المتصور من الولايات المتحدة لتبرير برامج التطوير النووي والصواريخ الخاصة بها كرادع، ونتيجة لذلك، فإن مسألة معاهدة سلام منسجمة بشكل معقد في آفاق النجاح في إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن أسلحتها النووية ستكون ناجحة، وفي الأسبوع الماضي، أفاد الرئيس مون أن كوريا الشمالية أسقطت مطلب مغادرة القوات الأميركية لشبه الجزيرة الكورية كشرط مسبق لنزع السلاح النووي، موضحا "أنهم يتحدثون فقط عن إنهاء الأعمال العدائية ضد بلدهم وعن الحصول على ضمانات أمنية".
وأكد السيد ديلوري أن انسحاب القوات لم يكن شرطا أساسيا لتقدم المحادثات، موضحا "الأمر متروك حقا لكوريا الشمالية وكيم جونغ أون إذا كان مقتنعا بأن الوجود الأميركي لم يعد عدائيا"، لكن آراء كيم الحقيقية حول هذه القضية ستصبح أكثر وضوحا عندما يأتي شخصيا على طاولة المفاوضات.
هل سيتخلى كيم جونغ أون عن طموحاته النووية؟
ومن المرجح أن يتم دفع جوهر محادثات نزع السلاح النووي إلى اجتماع كيم مع الرئيس ترامب، المتوقع في وقت ما في أواخر مايو/ آيار أو أوائل يونيو/حزيران، لكن الخبراء حذروا من أن واشنطن وبيونغ يانغ ليستا على نفس الصفحة بشأن معنى العبارة، وتلاشت الإثارة المبدئية حول التزام كيم العام الماضي بتعليق التجارب النووية والصواريخ بسرعة مع إدراك أن هذا لا يعني أنه قرر التخلي عن أسلحته النووية، وعلى الأرجح، كان الإعلان عن ارتياحه لكون برنامجه النووي متقدم الآن لن يظهر الحاجة لتطويره في المستقبل.
وفي غضون ذلك، لم تتنازل الولايات المتحدة عن مطالبتها الواضحة بنزع السلاح النووي الشامل والقابل للتحقق ولا رجعة فيه الخاص بكوريا الشمالية.
من جانبه، قال أبراهام دانش، مدير برنامج آسيا في مركز وودرو ويلسون في واشنطن" لا توجد حاليا أرضية مشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية حول تعريف نزع السلاح النووي، إن كوريا الشمالية متمسكة بموقفها التقليدي المتمثل في أنها ستوافق على نزع السلاح النووي إذا أزالت الولايات المتحدة جميع القدرات الإستراتيجية من المنطقة، وتضع ضمانات للردع الممتد للحماية الأميركية لكوريا الجنوبية"، وهذه مقارنة مذهلة للرئيس ترامب، ولكنه كان شديد التبسيط في توجهه، حيث قال فقط إن كوريا الشمالية لن تمتلك أسلحة نووية.
ولفت دانش إلى أنه بالنظر إلى تصريحات صدرت مؤخرا من بيونغ يانغ، كان من الواضح أن كوريا الشمالية تواصل بناء الأسلحة النووية باعتبارها ضرورية للدفاع عنها، كما أنها لا تستخدم كلمة إخلاء نووي ضمن السياق الأوسع لنزع السلاح النووي العالمي.
وأضاف "إذن إذا رفضت كوريا الشمالية التخلي عن أسلحتها النووية، ماذا يعني ذلك بالنسبة للمحادثات المستقبلية؟ الخيار الأول هو أن تقبل إدارة ترامب الحصول على التزام بنزع السلاح النووي، ووضعها في مرحلة تنفيذ يتم سحبها بمرور الوقت، وتعلن النصر، والخيار الثاني هو العودة إلى التهديدات بالعمل العسكري، أو قد تكون هناك ورقة أخيرة للعب، حيث على الولايات المتحدة أن تكتشف وتطور إستراتيجية طويلة الأمد تجاه كوريا الشمالية النووية، وهذا يتطلب الاعتراف بأن كوريا الشمالية لديها قدرات لن تتخلى عنها عن طيب خاطر، ومعرفة ما هي إستراتيجية الردع والاحتواء على المدى الطويل لكوريا الشمالية النووية".
ورغم ذلك يأمل الرئيس مون غاي في أن يبدأ في التوسط للتوصل إلى اتفاق حول نزع السلاح النووي يوم الجمعة، مؤكدا أن القمة بين الكوريتين هي نقطة الانطلاق.
اليابان متشككة
وبجانب التخلص من الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، يوجد لدى اليابان عدة اهتمامات محددة نقلتها بوضوح إلى الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وسط مخاوف من احتمال إغفال مصالح اليابان خلال التوصل لاتفاق سريع بشأن الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، وقد بذل رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، جهود كبيرة ليمنع ذلك، وكان مؤيدا قويا بسياسة الضغط على بيونغ يانغ من خلال العقوبات، ويعارض باستمرار أي مكافآت للنظام الكوري الشمالي حتى التأكد من تخلي كوريا الشمالية عن الأسلحة النووية.
ويرجع الخلاف الياباني مع كوريا الشمالية إلى اختطاف الأخيرة 17 مواطنا يابانيا بين عامي 1977 و1983، رغم أن حقوق الإنسان قالت إن المختطفين أكثر من 100 على مدى فترة أطول، في حين تخشى طوكيو من أن تصرّ واشنطن فقط على التوصل إلى اتفاق يزيل ترسانة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من بيونغ يانغ والتي يمكن أن تصل إلى الولايات المتحدة، وخلال المحادثات الأخيرة مع السيد ترامب في فلوريدا، أصر آبي على أن التخلص من القدرات العسكرية الشمالية يجب أن تشمل أيضا إزالة مخزونها من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية بشكل كامل وقابل للتحقق ولا رجعة فيه.
ويُعتقد بأن الشمال يمتلك احتياطيات كبيرة من العوامل الكيميائية والبيولوجية المسلحة، بما في ذلك سيانيد الهيدروجين، والفوسجين، والسارين، والتابون، والكلور وعدد من مشتقات غاز الخردل، فيما أدلى عدد من المنشقين عن النظام الكوري الشمالي بادعاء شنيع أن النظام قد استخدم مواطنيه كخنازير في اختبارات الأسلحة.