القاهرة - العرب اليوم
لم يعد مهندس الديكور مجرد دارس للأبعاد والأحجام والمواد والألوان والتشكيلات والتوزيعات فحسب، فقد دفعت طبيعة الحياة المعاصرة بمهنة الديكور الى الاقتراب أكثر فأكثر من مهنة تصميم الأزياء... مصمم الأزياء يعتني بمظهر المرأة الخارجي، ومصمم الديكور يهتم بمظهر المنزل الداخلي... بالطبع لا نقصد هنا تشبيه المرأة بالمنزل، حتى وإن كان مثل هذا التشبيه يضيف الى المرأة عامل افتخار، غير أن طريقة التعامل في كلتا المهنتين تكاد تتكامل الى حد الاندماج.
لن تكون هناك مدعاة للدهشة حين نتكلم عن مجوهرات المنزل. بالتأكيد هي جزء من الأكسسوارات التي تجاوزت حدود الكماليات من خلال دورها الحيوي، ليس في علاقتها بالتزيين، وإنما من حيث تأثيراتها العميقة في نفسية صاحب المكان وبلورة ملامح شخصيته وانتظاراته.
فالداخل هنا لم يعد مجرد مساحات وأركان، بل أصبح بحكم الضرورة فضاء حميماً ينبغي أن يوفر لساكنيه كل مقومات الرفاهية والراحة، ويشكّل ملاذاً للاسترخاء بعد ساعات العمل واللهاث الذي تفرضه ظروف الحياة. وهكذا تبدو فكرة مجوهرات المنزل قيمة مضافة الى القيم الأخرى التي توفرها عناصر الديكور الأخرى.
وما ينبغي أن نلاحظه هنا، هو النشاط المثير للإعجاب، والذي تجسّد في الابتكارات المدهشة التي تم إنجازها في هذا المجال. فقد استفاد المصممون مما وفرته لهم الصناعات المختصة، ليطلقوا العنان لمخيلاتهم وقدراتهم الإبداعية، من أجل رفد المنزل بكل ما يمكن أن يجعله مكاناً أمثل.
وفي هذا المجال، لم يوفر المصممون أي مادة من المواد المعروفة، طبيعية كانت أو مصنعة... وبالطبع، لا تُستثنى الأحجار الكريمة والمعادن الطبيعية النبيلة. ما يجمع بينها كلها، أنها تضفي على التصميم وجهاً جديداً، يقترب بشكل مدهش من عالم المجوهرات. فمن ناحية الألوان، يتسيد اللونان، الذهبي والفضي، المشهد، ولكن أيضاً الكريستال النقي والملون، الزجاج وكذلك الأقمشة ذات الحياكات المدهشة والألوان الرائعة.
غير أن «فكرة» مجوهرات المنزل لا تقتصر على المواد والألوان فقط، وإنما تستقر أسرارها في جدّة التصميم ودقته، أضف الى هذا كله المهارة الباهرة في الأشغال، يدوية كانت أم آلية، نقية صافية أم متكلفة لامعة... فلكل شيء هنا قيمته.
هذه «المجوهرات» لا تشير الى الترف والأناقة الفاخرة فحسب، بل تعكس أيضاً شخصية أصحابها ومزاجهم وميولهم. بمعنى آخر، إنها دلالات مفتوحة على كل تصور واحتمال، وتهدف في النهاية الى تثمين المشهد الداخلي للمنزل، من خلال صياغات بالغة الدقة ومتميزة العناية، مشغولة بروحية أجواء الـ «هوت كوتور».
هكذا يتحول المشهد الداخلي الى عالم من الأحلام والتمنيات: حرائر وخيوط ذهب وفضة مغزولة بومض من الألوان الساحرة، وشلالات من الضوء تتدفق مع حبّات من الكريستال الخالص الذي يسكب بريقه في كل مكان، يغازل الحواس، ويخبّئ في الذاكرة دعوات إغواء خفية تنضح بكل معاني الإثارة والجاذبية.
فهنا لا مجال للتصنيف والمقارنة بين جماليات الأشياء بمظاهرها المختلفة والتي تزحف نحو المنزل من كل جانب لتساهم في صناعة أجواء تتجاوز المألوف، وتحوّله الى ينبوع دهشة.
هنا نلمس تلك الأشياء - رغبة او فضولاً - لاكتشاف أحد أسرار حقيقتها والذي يبهر الأنظار ويحرك الأحاسيس والعواطف... وذلك من أجل أن ندرك تلك التفاصيل الصغيرة والخفية أحياناً، والتي تستطيع ان تنقل المشهد الزخرفي بإغماضة عين من واقع الى آخر...
وإذا لم تكن المرايا والثريات طارئة على المشهد الداخلي، فهي هنا الى جانب بعض المشغولات التي تزين الستائر وحواف الوسائد وأغطية المقاعد وفنون زينة الموائد، تكتسب ملامح مختلفة... يبدو وكأنها ولادة جديدة لها ولأدوارها في هذه الأجواء المدهشة، بتطريزاتها المشوقة.
وظائف تلك الأشياء الصغيرة جداً قياساً بعناصر الداخل من أثاث مميز وأكسسوارات لافتة، لا يقل دورها ابداً عن أي قطعة أثاث فخمة او نادرة مهما اختلف توقيع مبتكريها من فنانين، حرفيين او مصممين ذوي شهرة واسعة.
انها النبض الذي يشعل الأجواء بحيوية متجددة ويمنح الأماكن هوية مميزة وخصوصية متفردة تجعل من فضاءات الأماكن أرضية تستوطنها الأحلام الجميلة.
ولعل ما يجعل هذه المبتكرات البديعة بتصاميمها الفذة، تتفوق في أحيان كثيرة على نفسها، تلك المرونة والتناغم في تزاوج المواد وتكاملها. فهذه التركيبات المنوعة والفريدة، تتبدى فيها مهارة نادرة في مزج المواد بأحجامها وألوانها وأشكالها: نجد الريش مشبوكاً بخيوط حريرية ملونة، والخرز الغريب الى جانب الأحجار الكريمة، فتتولد منها قطعاً تكتنز كل السحر والجاذبية.
أما مجوهرات المنزل فتنطلق من تصاميم صغيرة ثمينة مشغولة بدقة، لتصل الى أشياء أخرى تأخذ أحجاماً وأشكالاً ملحوظة... مجردة أو بالغة الوضوح.
وما يمكن ملاحظته في هذا المشهد الذي تتدفق أضواؤه وانعكاساته، بريقه ومؤثراته، تلك اللمسة الأنثوية التي تمنح المكان رقة لا تضاهى. فهذه المجوهرات، وفي لحظة ما، تحول المشهد الداخلي الى «أنثى»، بكل سحرها وجاذبيتها وإغرائها. على أن المسألة تبدو في نهاية الأمر وكأنها امتداد طبيعي للحياة نفسها، بكل تنويعاتها وأنماطها وطرزها وأساليبها... مسألة تعكس اختلاف الأذواق والرغبات.
قد يهمك أيضًا