القاهرة - العرب اليوم
من الأفلام التسجيلية عن الجرائم الغامضة، إلى أفضل أفلام الجريمة من نوعية القاتل المتسلسل أو الذباح إلى كل ما تفتق عنه ذهن الأسطورة ألفريد هيتشكوك والراحل ويس كريفن، من الواضح أن أفلام الجريمة غطت كل الزوايا الممكنة، وحتى غير المتوقعة في هذا التصنيف السينمائي.
ثم أتى التلفزيون وتناول الجريمة بمسلسلات أخذتها إلى أبعاد أخرى، من الذكاء الجنائي في حل الجرائم متمثلاً في CSI، وغيره، إلى الثغرات القانونية في نظام العدالة الأميركي، متمثلاً في «القانون والنظام». حتماً عندما نسمع أو نقرأ عن فيلم يتناول حياة مجرم، يجب في هذه المرحلة أن يكون استثنائياً.
نقول ذلك بمناسبة طرح فيلم Extremely Wicked Shockingly Evil and Vile، وهذا ليس أطول عنوان لفيلم سينمائي، لكن قد يكون الأطول بالنسبة لصنف الجريمة.
يتناول الفيلم الذي بدأ عرضه في الصالات المحلية، بالإضافة إلى نتفليكس، القصة الحقيقية للمجرم الأميركي الشهير تيد بندي، الذي ارتكب أكثر من 30 جريمة قتل في عقدي الستينات والسبعينات.
يبدأ الفيلم من منظور متعاطف مع رجل طيب، يحاول كسب ود صديقته الأم العازبة التي تعيش مع طفلتها، ثم يتحول إلى سيرك في المحكمة نجمه مجرم ذكي يطرد محاميه ويترافع بنفسه لإثبات براءته. رغم أن الفيلم يحاول كسب المنظورين، وينجح إلى حد ما لكنه يفقد التوازن في أحيان أخرى ويبقى ناقصاً.
يتجنب الفيلم بشكل كامل استغلال عامل العنف المتمثل في سلسلة الجرائم البشعة التي ارتكبها بندي، ويركز أكثر على علاقته مع ليز كلويبفر (ليل كولينز) صديقته التي لم يفكر بندي في إيذائها، والتي يقتبس الفيلم قصته من كتابها بعنوان The Phantom Prince.
تمتع بندي وهو طالب حقوق وقتها بوسامة رهيبة، إلى درجة أنه لم يكن بحاجة إلى النظر إلى الفتيات، فهن ينجذبن إليه تلقائياً بمجرد مروره بجانبهن في الشوارع أو الحانات. وعندما تعرف بندي إلى ليز لم يلتفت إلى وجود ابنتها في حياتها، وقرر العيش معها وخططا للزواج، وكان ذلك بين عامي 1970 و1974، وهي فترة شهدت موجة جرائم قتل غير عادية بحق شابات صغيرات في مدينة سياتل.
بعد انتقاله للعيش معها، ألقي القبض على بندي بتهمة الاختطاف لكن ليز لم تصدق ذلك لأن رفيقها يشبه المجرم حسب الشهود، وليس هو المجرم بالضرورة. يحكم بالسجن على بندي في يوتا عام 1976، لكنه يهرب مرتين. ويلقى القبض عليه في فلوريدا، ويحاكم بتهمة القتل، وأثناء المحاكمة يقرر إقصاء محاميه وتمثيل نفسه.
من السهل تصديق وقائع الفيلم، خصوصاً أن الوسيم زاك إيفرون يؤدي دور بندي، وهو ذلك الشاب الجذاب من أفلام ديزني High School Musical الشهيرة، وربما هذا أول دور بهذا المستوى من الجدية والظلامية بالنسبة لإيفرون.
يتصادف وجود الفيلم على نتفليكس مع فيلم تسجيلي من أربعة أجزاء للمخرج نفسه، وهو جو برلنغر، عن الموضوع نفسه بالضبط بعنوان حوارات مع قاتل: أشرطة تيد بندي. يعطي برلنغر فيلمه لمسات مصقولة أكثر من الأفلام التسجيلية، وهو أسلوب أنسب للصيغة الروائية، ويدعم الجوانب الفنية من العمل على رأسها التصوير، وهو من تنفيذ براندون تروست الذي كان أيضاً خلف العدسة في «هل من الممكن أن تسامحني» العام الماضي.
تنطلق نجومية بندي أمام الإعلام في قاعة المحكمة، ومعها يعيد إيفرون إطلاق نجوميته في هذا الدور الاستثنائي. يتمتع بندي بثقة رهيبة في نفسه، ويسلك طريق أي مجرم وقف على المنصة قبله ويصرّ على إنكار كل التهم بثبات عجيب، حتى وهو يرى كل الأدلة تشير إليه.
يكسب بندي ود كارول آن بوون (كاي سكوديلاريو)، وهي صديقة قديمة تقع في حبه إلى درجة أنها تحمل منه، رغم عدم مغادرته أروقة المحكمة. يحاول بندي التواصل مع ليز التي تختفي طفلتها من الفيلم بشكل غريب! والأغرب أن الفيلم لا يجيب عن سؤال كيف نجت ليز من جرائم بندي، عندما وقعت الأخريات ضحايا؟ بكلمات أخرى، هذا الفيلم يخلو من التفسير النفسي لشخصية بندي.
رغم ذلك الفيلم لا يفقد القصة، خصوصاً أن برلنغر يتنقل بشكل حيوي بين الجانبين التسجيلي والدراما، وتمكن من استخراج أداء جيد من إيفرون على وجه الخصوص. ولو قارنا فيلمه هذا بفيلم الدراما الوحيد الذي صنعه منذ 19 عاماً، بعنوان «بلير ويتش 2: كتاب الظلال»، وهو كارثة بكل المقاييس، سنجد أنه تحسن كثيراً هذه المرة.
سرد القصة من وجهة نظر ليز يجمّل القاتل إلى حد ما، لأنها لا تريد تصديق ما تراه وهي رواية تناقض المذكور في نشرات الأخبار وما اتفق عليه القضاء. وما يعزز هذا الاتجاه تجنب برلنغر تصوير العنف. لكننا بهذا الشكل نرى بندي مخادعاً وليس قاتلاً، أي كأن هناك محاولات أنسنة لمجرم قتل بريئات لأسباب إباحية، حسب اعترافاته لاحقاً.
لا نقول إن الفيلم يعظم بندي، وربما ليست للمخرج نية مشبوهة، خصوصاً أنه تناول القصة خارج إطار هذا الفيلم من قبل. لكن هذا المنظور التعاطفي قد يسبب حالة تشتت في ذهن المشاهد، لأن برلنغر مهتم أكثر بقصة بندي المخادع أكثر من المجرم، وفي الحالتين لا يوفر أي تفسيرات لسلوك شخصيته.
حتى عندما يصل الفيلم لمرحلة السيرك في المحكمة، ويستدعي المتهم الذي يترافع بنفسه عن نفسه صديقته الحامل منه كشاهد وسط تهكم القاضي إدوارد كوارت (جون مالكوفيتش) والحضور، فإن المشهد برمته ليس جديداً، وإنما سجل عام من محكمة أميركية.
يذكر أن بندي أعدم على الكرسي الكهربائي في فلوريدا منذ 30 عاماً، وبعد نهاية الفيلم نرى فيديو أرشيفياً لمحاكمته، ونسمع حرفياً العبارات نفسها التي قيلت في قاعة المحكمة في مشاهد الفيلم السابقة للنهاية، ما يعني أن برلنغر يريد تعزيز الجانب التسجيلي من الفيلم ليتساوى مع الدراما. مرة أخرى، الفيلم جيد لكنه لا يقدم جديداً.
قد يهمك ايضا:
احتفالية في مكتبة الإسكندرية لإطلاق كتاب " أحمد زويل العالم والإنسان"