غزة - العرب اليوم
"مهنتنا لها دور جديد وفعال لحل القضايا المجتمعية الأسرية والإصلاح ومناهضة العنف خاصة قضايا المرأة"، تقول (المختارة) والناشطة المجتمعية فاتن حرب . وتضيف أنها لاقت دعماً من محيط العائلة خاصة الزوج والأبناء للعمل كمختارة. تشجيعٌ ودعٌ ربما لم تحظ به المختارة الأخرى سمية الحنفي، التي اختارت هذه المهنة أيضاً. المختارتان من بين خمس مختارات يمارسن المهنة في قطاع غزة، استطعن أن يُسطرن أسماءهن في "جمعية مخاتير فلسطين"، بعد نجاحات لافتة لهن في حل نزاعات وخلافات أًسرية خاصة تلك المتعلقة بالمرأة والرجل.
بدايةُ شاقة ورفض
يغلب الطابع العشائري والأعراف الموروثة في حل قضايا النزاعات المجتمعية في قطاع غزة، وتستعين المحاكم والشرطة برجال الإصلاح الذين يُطلق عليهم اسم "المخاتير" لحل النزاعات المستعصية. ناشطات مجتمعيات استطعن قبل عامين كسر الحاجز الذي تربع عليه المُختار الرجل لعقود مضت، لكنها وفق المختارة فاتن حرب "كانت بداية رفضٍ بشكلٍ شرس عند نزولنا الميدان كمختارات تخللها تهكم واستخفاف كبير بنا".
واللافت أن المختارة فاتن ليست متقدمة في السن، وهي حاصلة على تعليم جامعي. بينما المختارة سمية أم أحمد، فتشير أنها واعظة ومُحفظة قرآن كريم، إلى جانب نشاطها الاجتماعي. وتقول إنها وجميع المختارات تلقين دورات تدريبية في حل النزاعات بالطرق القانونية والعشائرية بالتعاون مع مراكز المرأة. وشددت الحنفي على بدايتها التي وصفتها "بالشاقة" والتي لم تخل من عبارات "السخرية والرفض وعدم التقبل والتقليل من قُدراتنا".
قضايا المرأة والنزاعات المجتمعية تفاقمت بشكل كبير جراء الحروب الثلاث الأخيرة على قطاع غزة، فضلاً عن الأزمات المتلاحقة والمتراكمة نتيجة الحصار والبطالة والفقر. وللمرأة في غزة، وفق المختارة فاتن، خصوصية كبيرة في الإفصاح عن قضاياها ومشاكلها خاصة الزوجية. "ويعجز المخاتير في حلها بشكل كبير، لأنها لا تستطيع البوح بأسرارها حتى للمقربين لها، لكننا كنساء أقرب إليها ونفهم بعضنا ونحافظ على خصوصيتها، ونكون طوق النجاة لها في حل المشاكل". وعن الدور الذي تقوم به المختارات تقول المختارة فاتن" قضايا المرأة بأنواعها ونزاع الميراث والطلاق والحضانة ونحن مكملين لدور المختار ولا نتدخل في قضايا الدم".
النجاح اللافت الذي حققته المختارات الخمس في غزة دفع الرجال والمخاتير ورجال الشرطة إلى الاستعانة بهن في حل قضايا الخلافات الزوجية والميراث. ومن القصص المثيرة التي روتها المختارة سمية وأوضحت كيف استطاعت اختراق حاجز المجتمع البدوي لحل نزاع بدوي مع زوجته مع أنه رفض بشكل كبير التعاطي معها في البداية. إلا أن مهنه المختارة ما زالت غريبة ومستهجنة عند البعض، وكثير من المواطنين لم يسمع بوجود مهنه مختارات.
وفي لقاء جمع المختارات والمخاتير يقول مدير المشاريع في المركز الفلسطيني لحل النزاعات عبد المنعم الطهراوي "نجاح النسوة الواضح في حل النزاعات جعل من دورهن مطلباً مؤسسياً ومجتمعياً للتدخل في قضايا يعجز الرجل عن التدخل بها". وتضيف المختارة أم أحمد "الشرطة والرجال يتجهون لنا بشكل متزايد للاحتكام عندنا في قضايا نزاعات ومشاكل المرأة".
وتؤكد المختارات أن مهنة المختارة "مهنة تطوعية بحته لا نتقاضى عليها أي أجر، بل تكلفنا المزيد من الجهد والمال والعناء الشديد على حساب أسرتنا وبيتنا".
لكنها وسيلة وفق تعبيرهن لتعزيز دور المرأة وانتشالها من مستنقع الظلم والتسلط. وتؤكد المختارة فاتن أن "دورنا يتجه إلى النظر لقضايا ومشاكل تتعرض لها المرأة تحت ضغوطات وإخضاع المجتمع لها بل ومساومتها في أحيان كثيرة على حقوقها، وهذا ما شعرنا به في السنوات الماضية. ونحن نعزز دورنا للحفاظ على دعم حق المرأة والنهوض بها".
لكن ما تطمح إليه المختارات هو "وقوف المؤسسات الأهلية والمجتمعية والحكومية بجانبنا ودعمنا لوجستياً ومادياً لنستطيع حل القضايا المجتمعية". وتطمح المختارة فاتن لأن تمثل المرأة في منصب سياسي "من أجل الحصول على كافة حقوق المرأة ليعلو صوتها، بصفتها صاحبة قضية تفخر بفلسطينيتها".