أريحا ـ وفا
قضت الطالبات سما السويدي، ولارا عوكل، وفاطمة زغب، ومرام غروف، من طالبات الصفين التاسع والعاشر في مدرسة بنات أريحا الثانوية، يوما مختلفا ليس ككل الأيام في 'طواحين السكر' و'نبشن' بجرأة في تاريخ المكان الواقع في 'قاع الأرض'.
أربعتهن، كما نظيراتهن: ليلى بالي، ولجين حليلة، وازدهار دويدار، وسمر الولجي، وسحر الشويكي، عملن بدون أجر كعاملات نظافة في مصنع السكر المتوقف عن العمل منذ ما يزيد عن 600 عام، ذلك لأنهن من بين مشاركات عديدات في مشروع تعزيز مفاهيم الحكم المحلي، والذي تنفذه إدارة المدرسة للعام الدراسي الحالي.
المصنع والمعروف باسم 'طواحين السكر' يقع في الجزء السفلي من جبل قرنطل وعلى بعد أمتار من تل السطان (أريحا القديمة منذ عشرة آلاف سنة) حيث كانت صناعة السكر من أبرز الأنشطة الاقتصادية الرئيسية السائدة في وادي الأردن خلال فترة العصور الوسطى حسب السجلات التاريخية والأثرية، ومنها ما ذكره المؤرخ ياقوت الحموي عن أريحا ووصفها بأنها مدينة مشهورة بزراعة قصب السكر والتمور عام 1225م، كما تطرق الرحالة الغربي 'بوشارد' عام 1283م إلى عملية إنتاج السكر في مدينة أريحا.
'إن التنقيبات كشفت عن مكونات الموقع، وهي: نظام المياه الخاص بزراعة قصب السكر والمعصرة والأرض الزراعية، وتتكون بقايا المنشآت الصناعية في الموقع من قناة الماء وساحة ومعصرة وطاحونة ومصفاة وفرن ومطبخ وأماكن تخزين'، يقول محمد منصور من مديرية السياحة والآثار بمحافظة أريحا والأغوار، ويضيف: تقع المعصرة على خمسة مدرجات اصطناعية، ويتم تشغيل الطاحونة عن طريق المياه المتدفقة عبر قنوات متصلة بنبعي عين النويعمة وعين الديوك عند السفح الشمالي الشرقي من جبل قرنطل.
ويمر إنتاج السكر بمراحل: زراعة قصب السكر، ثم حصاده وتقطيعه، والهرس والعصر، وغلي العصارة وسكبها في أواني خاصة مفتوحة ومن ثم استخراج بلورات السكر.
ويضيف منصور عثر على مجموعة من المواد تدل على مختلف الأنشطة المتعلقة بإنتاج السكر كأواني الفخارية، وأسرجة مصنوعة من الفخار وأواني مخروطية الشكل تستخدم لتخزين السكر. وهي أوانٍ من الفخار ضيقة من الأسفل ومتسعة من الأعلى، مثقوبة من الأسفل، وتختلف من حيث الحجم والسعة، ووظيفتها تقطير ما يستخلص من عصير القصب، تثبت على جرار فخاريَّة لجمع عصير القصب بعد تصفيته ' دبس السكر'.
ويدل العدد الضخم من كسر الأواني أن الموقع شهد إنتاجا واسع النطاق للسكر، ووجد في المطبخ عدد من التحف النحاسية، كما عثر على قطع معدنية من أبرزها: مقاصل وصفائح معدنية مثقوبة وإبر وخواتم وسلاسل وحلي، بالقرب من الفرن هناك العديد من النفايات الناتجة عن صهر المعادن تشير إلى أن الموقع شهد نشاطات تتعلق بصناعة الحديد.
وتقول منسقة المشروع بالمدرسة ماجدة براهمة، يعود تاريخ الطاحونة إلى الفترة الأيوبية - الصليبية وحتى نهاية الفترة المملوكية، حيث وجد العديد من النقود التي تعود إلى الفترة الأيوبية المبكرة، وترتبط المرحلة الأخيرة من تاريخ المنشأة بالفخار المملوكي.
براهمة أعربت من جانبها عن أسفها لإهمال الطاحونة 'التاريخية' وقالت إن قدومها والطالبات المشاركات في مشروع تعزيز مفاهيم الحكم المحلي، وتشجيعهن على التطوع لتنظيف المكان إنما يعلقن الجرس وأن على الجهات والمؤسسات ذات العلاقة المتابعة وتحمل مسؤولياتها.
وتقول مديرة المدرسة رانة عبد العال: 'إن من أهداف مشروع تعزيز مفاهيم الحكم المحلي، التوعية، وإشراك الطلبة في فهم ومحاولة المساهمة في المجتمع المحلي، وتعميق الانتماء لدى الطالبات من خلال المشاركة الفاعلة، كما أن المشروع يتضمن دعوة وإشراك المؤسسات الأخرى للمشاركة أو لفت انتباها'.
وأعتبر مدير التربية والتعليم بالمحافظة محمد الحواش أن مبادرة المدرسة والطالبات في لفت نظر المجتمع والجهات ذات الاختصاص إلى أهمية وضرورة العناية بموقع مهم كطواحين السكر، شيء مميز، منوها إلى أن وزارة التربية والتعليم تتبنى وتشجع العديد من المشروعات والبرامج والتي تستهدف تنمية شخصية وقدرة الطالب على المشاركة والانخراط بالمجتمع وتعزيز الوسائل اللامنهجية بالتعلم وصقل الطلبة.