الجهاد الأنثوي

باتت الهجمات الانتحارية التي تنفذها الفتيات في شمال نيجيريا ظاهرة آخذة في الازدياد. ورغم أنه لا تتبناها أي جهة في غالب الأحيان، فهي تحمل توقيع جماعة "بوكو حرام" المتطرفة.

للمزيد: كيف يتم استقطاب النساء في التنظيمات الجهادية وماهو دورهن فيها؟

في 22 من الشهر الحالي، فجرت طفلة تبلغ من العمر 7 سنوات نفسها فقتلت سبعة أشخاص بمدينة بوتيسكوم، شمال شرق نيجيريا. وقبلها بأسبوع، نفذت انتحارية عملية أخرى مماثلة في محطة حافلات في داماتورو، الواقعة أيضا في الشمال، وكانت حصيلتها سبعة قتلى وعشرات الجرحى. وفي 10 كانون الثاني/ يناير، فجرت فتاة تبلغ 10 أعوام نفسها بسوق بمدينة داماتورو وأوقعت 20 قتيلا و18 جريحا.

وتبدو هذه القائمة مرشحة لأن تطول، فقد صارت النساء سلاح الحرب الجديد لجماعة بوكو حرام. كل أسبوع تقريبا تقوم نساء، وأغلبهن في سن الطفولة أو المراهقة، بزرع الموت.

ويعود أول هجوم نفذته امرأة إلى 8 حزيران/ يونيو 2014 في ولاية غومبي وتضاعف منذ ذلك الوقت عدد الهجمات من هذا النوع والتي يبدو أنها صارت الإستراتيجية الجديدة للجماعة المتطرفة.

نساء لزعزعة الأمن

يقول إيمانويل إيغاه، مدير شركة "فوبوس إنترناشيونال" الاستشارية والمختص في نيجيريا "كنا نتوقع أن يكون استخدام النساء في القتال مؤقتا لكنه أصبح إستراتيجية لدى جماعة بوكو حرام لزعزعة الأمن" ويضيف "فالنساء على ما يبدو لا يجلبن انتباه الجيش ورجال الأمن".

النساء يرتدين الحجاب في أغلب ولايات شمال نيجيريا حيث يتم تطبيق الشريعة الإسلامية، وبالتالي يمكن أن يخفين بسهولة القنابل، ففي  تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قتلت امرأتان 45 شخصا في سوق مايدوجوري عاصمة ولاية بورنو. وكانت إحداهما، وهي تبلغ من العمر 20 عاما، أخفت القنبلة في ظهرها متظاهرة بأنها تحمل طفلا، كما هي العادة في نيجيريا.

بوكو حرام" تدشن الممارسة في أفريقيا"

إن كانت ظاهرة مشاركة المرأة في القتال ليست جديدة، فإن استخدامها كقنابل بشرية تعتبر ظاهرة فريدة. فتواجدت انتحاريات في صفوف "نمور التاميل" في سيرلنكا وفي معارك الانفصاليين من حزب العمال الكردستاني في تركيا وفي النزاع في الشيشان حيث هاجمت "الأرامل السود" المصالح الروسية في القوقاز انتقاما لموت أفراد من أسرهن. لكن يبقى الهجوم الانتحاري في أغلب الأحيان من فعل الرجال.

أما "في أفريقيا فهي ظاهرة فريدة "، هذا ما تؤكده فاطمة لاحنيت، الباحثة في معهد "فن الحكم" وصاحبة تقرير"النساء الانتحاريات أو الجهاد الأنثوي"، والتي شاركت النساء في الحملة التي قامت بها جبهة التحرير الوطني خلال معركة الجزائر سنة 1950.

وفي أوغندا وجنوب أفريقيا وسيراليون وقع استخدام النساء أيضا كأدوات للترهيب، إلا أنهن كن مقاتلات خططن لمعارك تهدف للتحرير، ما هو مختلف في نيجيريا.

اعتداءات مقابل الطعام والسكن

للمزيد: نيجيريا: عشرات النسوة اللاتي كن رهائن لدى "بوكو حرام" يروين تفاصيل مروعة

كيف يمكن أن نتخيل أن طفلة تبلغ من العمر 7 سنوات لم تكن مجبرة على تفجير نفسها، أو أنه لم يقع تفجيرها عن بعد؟

بين هذه القنابل البشرية يوجد الكثير من أطفال الشوارع، يتابع إيمانويل إيغاه "إلى جانب الفقر وتعدد الزوجات، يوجد في شمال نيجيريا الكثير من الأطفال الذين لا تستطيع أسرهم رعايتهم. تستقطب هذه الجماعة العديد منهم وتطلب منهم مقابل السكن والأكل مهمات معينة".

شهادات بعض الناجين تفيد من جهة أخرى باحتجاز النساء واستخدامهن قسرا في المعارك. تقول فتاة تبلغ 19 عاما احتجزتها بوكو حرام لثلاثة أشهر عام 2013 ، وفقا لهيومن رايتس ووتش "لقد طلبوا مني أن أحمل الذخيرة وأستلقي على العشب وسط المعركة، فكانوا يتزودون بالذخائر فيما كان القتال مستمرا". وقد روت هذه الرهينة السابقة أنها تلقت أوامر بذبح أحد عناصر مليشيا أخرى "كنت أرتجف، لم أقدر على فعل ذلك، لكن زوجة قائد المعسكر أخذت مني السكين وقتلته."

في تموز/ يوليو أعلن المتحدث باسم الجيش النيجيري أن جماعة "بوكو حرام" أنشأت فرعا نسائيا يضم المئات. ولهؤلاء الأعضاء حسب إيمانويل إيغاه مهمتان: التجسس واستقطاب زوجات للمقاتلين.

ويمكن اعتبار الدوافع وراء العمليات الانتحارية متعددة، فهناك من النساء من يعتنقن الفكر المتطرف، وهناك أرامل المقاتلين مقتنعات بمبدأ الشهادة في "سبيل الله"، أما أرامل المدنيين فتدفعهن الرغبة في الانتقام والتهرب من العار وضغط المجتمع أو بكل بساطة الخصاصة "وبالتالي يجدن في الانضمام لجماعة بوكو حرام المقابل المالي ليغطين هذه الاحتياجات"، وفق إيمانويل ديغاه الذي يتابع أن أول انتحاري هاجم مقر قيادة الشرطة في أبوجا عام 2011 تلقى مقابل ذلك نحو 2400 دولار.

يخشى مراقبون أن تستمر هذه الممارسات، "فطالما استمر الصراع الاقتصادي والإقليمي في شمال نيجيريا ستستمر هذه الظاهرة" حسب فاطمة لاحنيت. وتضيف الباحثة أن "بوكو حرام تسعى إلى ارتكاب عمليات إرهابية تبث الرعب وتخلق الصدمة. إذ يوجد تناقض في أن تقوم منابع الحياة بزرع الموت" مذكرة بأن النساء في المجتمعات المسلمة لا تزلن رمزا للأمومة ويدين لهن الرجال بالحياة وبالاحترام.