لندن ـ العرب اليوم
يعاني المجتمع العالمي كما تعاني غالبية دول العالم من انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات، وتعاظمت خطورة هذه الظاهرة حينما انتشرت بين المراهقين والشباب بعد أن تعقدت ظروف العصر وتشابكت مشكلاته بفعل التطور المذهل في وسائل الاتصال الرقمي التي يسرت الاحتكاك الثقافي بين شعوب العالم، وعمقت من مشكلات الشباب الناجمة عن عدم قدرتهم على التكيف مع التغيرات السريعة والمتلاحقة في كافة مجالات الحياة التي تحيط بهم.
ولقد ترتب على انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات العديد من المخاطر التي أصابت كل من الفرد والمجتمع، وما صاحب هذه المخاطر من أضرار صحية ونفسية واقتصادية واجتماعية، الأمر الذي تطلب ضرورة الاهتمام بكيفية الوقاية من المخدرات من منطلق أن الوقاية خير من العلاج ومن منطلق أن المخدرات أصبحت آفة اجتماعية خطيرة تُقلق المجتمع العالمي بكافة فئاته واتجاهاته وتؤرق جميع أفراده ومؤسساته بدءا من المؤسسات التربوية والجهات الأمنية، ومروراً بعلماء الاجتماع وعلماء النفس ووصولا إلى رجال التربية، وغيرهم من أجل احتوائها والحدّ من مخاطرها.
والوقاية من المخدرات يمكن أن يضطلع بها العديد من مؤسسات المجتمع وتأتي في مقدمتها المؤسسات التربوية التي يمكن أن تؤدي دوراً مهماً في التوعية بمخاطر المخدرات انطلاقاً من التركيز على المحور الوقائي الذي يؤكد على خلق دوافع داخلية لدى الأفراد تمنعهم من الوقوع في تعاطي المخدرات عن طريق وسائط التربية المختلفة، وعلى رأسها المدارس التي يجب أن تبدأ مهامها في عملية الوقاية من المخدرات من خلال المعلومات الصحيحة التي يجب أن يتلقاها الطلاب حول المخدرات وأضرارها على الفرد ومخاطرها على المجتمع، سواء من خلال المقررات الدراسية المناسبة أو من خلال الأنشطة المدرسية اللاصفية، أو من خلال أدوار المعلم والأخصائي الاجتماعي باعتبارهم نماذج أو قدوة للتلاميذ، أو من خلال إبلاغ المسؤولين بأي ظاهرة سلبية تتعلق بتعاطي الطلاب للمواد المخدرة، أو أي مؤشر لاحتمال وقوع الطلاب فريسة لهذه الظاهرة من خلال دورها الوقائي القائم على إنماء الوعي الثقافي تجاه ظاهرة المخدرات.
ومن هذا المنطلق تأتي فكرة هذه الورقة لتوضيح الدور الذي يمكن أن تقوم به المدارس تجاه تحصين أبنائها ووقايتهم من المخاطر المتعلقة بالمخدرات، لتكون محاولة تضاف إلى محاولات من سبقونا في تنبيه القيادات التربوية لضرورة مضاعفة جهود الوقاية داخل المؤسسات التربوية بصفة عامة والمدرسية بصفة خاصة. نسعى أيضا إلى تقديم قاعدة معرفية قد تفيد مصممي المناهج الدراسية وواضعي برامج الأنشطة الطلابية، والمعلمين في تفعيل الدور الوقائي للمدرسة لحماية الطلاب من المخدرات، وذلك من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: مفهوم المخدرات، وأضرارها، والنظريات المفسرة لتعاطي المخدرات.
المحور الثاني: مفهوم التربية الوقائية، وأهدافها، وأهم مداخل تحقيقها.
المحور الثالث: دور المدرسة في تفعيل التربية الوقائية لحماية الطلاب من المخدرات (دور المعلم، دور المناهج الدراسية، دور الأنشطة المدرسية، دور الإدارة المدرسية، ودور المرشد الطلابي).
وقد اعتمدت الورقة في منهجيتها على المنهج الوصفي الوثائقي، ومنهج التحليل الفلسفي. وفى إطار هذه المنهجية تم الاعتماد على المتاح من الأدبيات في مجال المخدرات ومخاطرها والأطر النظرية المفسرة لتعاطيها وكيفية الوقاية منها، بغرض معالجتنا للموضوع برؤية بحثية تعتمد على البحث الكيفي بعيدة عن البحث الإمبريقي.
المحور الأول: مفهوم المخدرات، وأضرارها، وبعض النظريات المفسرة لتعاطيها
أولاً: مفهوم المخدرات Drugs
المعنى اللغوي:
الخدر هو الظلمة، والخادر: هو الكسلان، والخدر من الشراب والدواء: هو فتور وضعف يعتري الشارب، ويقال: خدر العضو إذا استرخى فلا يطيق الحركة، وكل ما منع بصرك عن شيء وحجبه عنه فقد أخدره (ابن منظور، 1987: 232).
وفي المعنى اللغوي أيضاً: خدر أي استتر ومنه خدرت المرأة أي استترت ولزمت بيتها. وخدر من الشراب أي عراه فتور واسترخاء. ومنه المخدر وهي المادة التي تسبب في الإنسان والحيوان فقدان الوعي بدرجات متفاوتة (مجمع اللغة العربية، 2008: 228).
ويشمل المعنى اللغوي لكلمة مخدر كل ما يؤدي بالشخص إلى النعاس أو النوم، أو يفقده عقله ووعيه وإحساسه بالألم والزمن والمسافة، ويفقده القدرة على التمييز. فالمخدر في اللغة مشتق من الفعلِ خدر، ويدور لفظ الخدر حول معاني الضعف والكسل والفتور أو الستر (هلال، 2009: 123). فيقال المرأة خدّرها أهلها بمعنى ستروها وصانوها من الامتهان، أيّ أن الخدر هو ما يسترُ الجهاز العصبي عن فعله ونشاطه المعتاد. (المهندي،2013: 131)
المعنى الاصطلاحي:
المخدر هو كلُ ما يؤثرُ على العقلِ فيخرجه عن طبيعته المميزة المدركة الحاكمة العاقلة، ويترتب على الاستمرار في تعاطيه الإدمان فيصبحُ الشخص أسيراً له. وتعرف المخدرات أيضا بأنها المواد التي تخدر الإنسان، وتفقده وعيه، وتغيبه عن إدراكه (مطاوع، 2010: 44).
المعنى القانوني للمخدرات:
هي مجموعة من المواد التي تسبب الإدمان وترهق الجهاز العصبي، ويحظر تداولها أو زراعتها أو صنعها إلا لأغراض يحددها القانون. ولا يستعملها إلا من يُرخّص له بذلك (إبراهيم،2009: 46). كما تعرف بأنها مجموعة من المواد التي تسمم الجهاز العصبي، ويحظر تداولها أو زراعتها أو وصفها إلا لأغراض يحددها القانون، ولا تستعمل إلا بواسطة من يرخص له بذلك وتشمل الأفيون، وعقاقير الهلوسة والكوكايين والمنشطات وغيرها (سلامة، 2007: 125).
المعنى الطبي للمخدرات:
هي كل مادة ذات خواص معينة تؤثر على متعاطيها، وتجعله مدمنًا عليها لا إرادياً، سواء كانت نباتية أو كيميائية أو مركبة، باستثناء تعاطيها لغرض العلاج من بعض الأمراض حسب إشراف طبي وتشكل ضررًا على المتعاطي، سواء كان هذا الضرر نفسيًا أو صحيًا أو اجتماعيًا (الدويبي، 2004: 45).
وتعرف المخدرات بأنها “كل مادة خام أو مستحضر يحتوي على عناصر مسكنة أو منبهة، من شأنها إذا استخدمت في غير الأغراض الطبية المخصصة لها، وبقدر الحاجة إليها دون مشورة طبية، أن تؤدي إلى حالة من التعود أو الإدمان (معاذ،2015: 185).
ويمكن أن نقدم تعريفاً شاملاً للمخدرات كما يلي: “كل مادة طبيعية أو اصطناعية يترتب على تعاطيها إحداث تغيير في المزاج أو الإدراك أو الشعور، ويساء استخدامها بحيث تلحق أضراراً واضحة لكلٍ من الفرد والمجتمع.
ثانياً: الأضرار الناجمة عن تعاطي المخدرات
لا تقف أزمة المخدرات عند آثارها المباشرة على المدمنين وأسرهم فحسب، وإنما تمتد تداعياتها إلى باقي أفراد المجتمع، وتكمن خطورة ظاهرة المخدرات في استهدافها لفئة الشباب مما ينعكس سلبا في كافة النواحي المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فتؤثر على برامج التنمية وتهدد كيان المجتمع وأمنه من خلال تأثير المخدرات السلبية على عقول الشباب وتدمير طاقاتهم الإنتاجية ودعم حلقات التخلف والفقر والمرض في المجتمع (الطحاوي، 2006: 11).
ويمثل تعاطي المخدرات مشكلة اجتماعية خطيرة باتت تهدد أمن المجتمع وسلامته، وتنعكس آثارها على المجتمع في كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية. وعادة يقوم المتعاطي أو المدمن بشراء المواد المخدرة من قوت أسرته تاركاً أسرته للجوع والحرمان الأمر الذي قد يؤدي بأفراد أسرته إلى السرقة والتسول، كما قد يؤدي بزوجته إلى الانحراف لتحصل على قوتها. كما يؤدي التعاطي إلى حرمان الأبناء من التعليم أو الحصول على العلاج أو المسكن الملائم وذلك لما يسببه المتعاطي من استنزاف لموارد الأسرة المالية، هذا بالإضافة إلى اهتزاز النموذج الأبوي أمام الأبناء والذي قد يتمثل في إهمالهم وعدم تقديرهم للمسؤولية التي تنعكس على أسلوب تنشئة الأطفال في الأسرة (عبد اللطيف، 2008: 214).
أما أضرار المخدرات من الناحية الخلقية فهي كثيرة، فغالبا ما نرى المدمن وهو يترنح ويهذي وينجدل على الأرض في قارعة الطريق فيصيبه الأذى وهذا يذهب بكرامة الشخص وشرفه (سلامة، 2007: 136). وتعد المخدرات كذلك سبباً لكثير من الأمراض الاجتماعية كالرشوة والسرقة والانحرافات الخلقية التي تعكر صفو النظام العام عن طريق العنف والفظاظة وإتلاف الممتلكات والخيانة والسرقة وغيرها من الأمراض الاجتماعية التي تتفشى في المجتمع. كما أن تعاطي المخدرات يجعل المتعاطي غير متمالك لقواه العقلية والجسدية مما يؤدي إلى ارتكاب الجرائم للحصول على المال الذي يشتري به المادة المخدرة، فهو يسرق المال حتى من اقرب الناس. كما يقوم بالاختلاس والتزوير بالتحايل على الآخرين للحصول على المال مما يشكل خطراً على أمن المجتمع وسلامته (عيسى، 2006: 31).
أما عن أضرار المخدرات من الناحية الاقتصادية، فقد وصفها تقرير الأمم المتحدة (UNITED NATIONS,2012) حين أشار إلى أن مشكلة المخدرات تهدد بتقويض الكيان الاقتصادي لبعض دول العالم النامي. فالتأثير الاقتصادي لتعاطي المخدرات لا ينعكس على إنتاجية الفرد المتعاطي ودخله فحسب باعتبار أنه يضطر إلى صرف جزء كبير من دخله من أجل الحصول على العقاقير المخدرة وتعاطيها، بل إن الأثر الاقتصادي السلبي لتعاطي المخدرات ينعكس أيضًا على اقتصاد الدولة حيث الحاجة لتمويل الأجهزة المتخصصة في مكافحة المخدرات من شرطة ومحاكم وسجون ومراكز بحوث جنائية وطبية، وكذلك إنشاء عيادات طبية ونفسية ومستشفيات متخصصة وكل ذلك يكلف الكثير من الأموال ويهدر العديد من الطاقات البشرية.
ومما يزيد من المخاطر الاقتصادية الناجمة عن المخدرات أنها تذهب بأموال من يتعاطونها، فتسوء وضعيتهم المالية. ولا يقتصر الأمر على انخفاض إنتاج الفرد المتعاطي للمخدرات في عمله فحسب، بل ينخفض إنتاج المجتمع وتتقلص جهود التنمية، فتعاطي المخدرات يمثل عبئاً كبيراً على الدخل القومي. فهناك خسارة مادية اقتصادية تتمثل فيما يتحصل عليه المشتغلون بعلاج ومكافحة المشكلة وفي النفقات الباهظة التي تستهلكها عمليات الوقاية والعلاج والمكافحة والمؤسسات التي تسهر عليها. هذه النفقات كان من الممكن أن تُوجه لخدمة جهود التنمية الاقتصادية ولاجتماعية.
ثالثاً: بعض النظريات المفسرة لتعاطي المخدرات وإدمانها
حاولت بعض النظريات تفسير ظاهرة تعاطي المخدرات أو إدمانها، ويتضح ذلك من خلال تناول التفسيرات الاجتماعية، والبيولوجية والنفسية لظاهرة تعاطي المخدرات:
1- التفسير الاجتماعي لتعاطي المخدرات:
يعد تعاطي المخدرات سلوكاً منحرفاً نظراً لخروجه عن المعايير الاجتماعية. وترى معظم الدراسات التي حاولت تحليل المشاكل الاجتماعية أن الأفراد الذين يرفضون معايير الجماعة الكبرى يحاولون تكوين جماعات فرعية تضم رفاقهم في تعاطي المخدرات.
وحينما تتكون هذه الجماعات ويحقق الفرد فيها إشباعاً لحاجاته الاجتماعية، يصبح من العسير استعادة توافقه مع المجتمع الأكبر. ولقد تعددت وجهات النظر الاجتماعية والتفسيرات التي تناولت بالتحليل هذه الظاهرة، فالاتجاه الوظيفي ركز في تفسيره لمشكلة تعاطي المخدرات على إبراز ما قد يصيب البناء الاجتماعي من اضطرابات وتناقضات، وما يمارسه من ضغوط على أفراده تدفعهم في نهاية الأمر إلى اللجوء لتعاطي المخدرات، حيث يرى الوظيفيون أنه عندما تفقد مؤسسات المجتمع سيطرتها على أفرادها خلال فترات التغير السريع ينتشر تعاطي المخدرات بينهم (يونس، 2008: 188). كما ذهب علماء اجتماع آخرون إلى أن البنية الاجتماعية للأسرة تلعب دوراً مهماً في الدفع باتجاه تعاطي المخدرات. فقد أشارت العديد من الدراسات إلى وجود علاقة قوية بين عدم استقرار العلاقات الأسرية وبين احتمال تعاطي الفرد للمخدرات، فاضطراب العلاقات بين الأبوين يقود إلى احتمال تعاطي الابن للمخدرات، ولعل من أهم النظريات المفسرة للمخدرات وفقا لهذا المنظور ما يلي:
نظرية التفكك الاجتماعي Social disintegration Theory
يرى أصحاب هذه النظرية أن التفكك الاجتماعي يعد أحد الأسباب الرئيسة لتعاطي المخدرات من منطلق أن الاضطراب في البناء الاجتماعي والقصور في الأداء الوظيفي يؤدي إلى الانحراف وتعاطي المخدرات. ويعتقد أصحاب هذه النظرية أن معظم “الجماعات الأولية “تحمل بين طيات تنظيمها ما يحض على ارتكاب السلوك الانحرافي. فتباين المعايير والقيم بين الجماعات في المجتمع الحديث يعد نوعاً من التفكك الاجتماعي يتمخض عنه ظروف سكانية سيئة تؤدي إلى الانحراف وتعاطي المخدرات. ولعل هذا يفسر أن المناطق المهمشة بالمدن تعد مراكز للانحراف وتعاطي المخدرات لأنها مناطق تفكك اجتماعي، حيث لا يخضع المجتمع المحلي للضغوط الملزمة له اجتماعيا، وتضعف رقابته على أعضائه مما ينتج عنه الكثير من السلبيات والانحرافات التي ينجم عنها تعاطي المخدرات لدى الأفراد (عكاشة، 2002: 54).
نظرية التعلم الاجتماعي Social Learning Theory
تذهب نظرية التعلم الاجتماعي إلى أن الجماعات المرجعية لها دور كبير في بلورة السلوك الاجتماعي. فسلوكيات الإنسان هي سلوكيات متعلمة من الآخرين عن طريق المحاكاة والاختلاط. فالطفل يتعلم كيف يأكل وكيف ينام بواسطة المرجعية التي تحتضنه وهي (الأسرة). والأفراد يتعلمون السلوكيات المنحرفة كما يتعلمون المهن والحرف، إذ يتخذ الفرد لنفسه مثلاً يحذو حذوه بحيث يحاول تقليده في السلوكيات والمهارات الضرورية للمساهمة في الحياة الاجتماعية. كما نؤكد على ظاهرة الاندماج التي تعني ضرورة اندماج الشخص مع الجماعة كشرط لمبدأ المحافظة الذي بمقتضاه يتعلم الفرد السلوك من الجماعة المرجعية (345:1974 Haskel). ولذلك تفسر نظرية التعلم الاجتماعي تعاطي المخدرات والإدمان على أنه سلوك متعلم ناتج عن مخالطة المتعاطي لجماعة (المتعاطين)، فيستمر الفرد في التعاطي ليشعر بالانتماء إلى الجماعة، كما أن جماعة المتعاطين تدعم هذا السلوك لتشعر بأن المتعاطي أحد أعضائها الذين تربطهم رابطة خاصة وهي سلوك تعاطي المخدرات.
نظرية الصراع Conflict theory
يرى أصحاب هذه النظرية أن استخدام المخدرات ينتج عن تصارع القيم بين أصحاب القوة (الثروة) وأولئك الذين يفتقرون إليها، وهو الأمر الذي يؤدي إلى زيادة حدة التناقضات الطبقية من ناحية وغياب العدالة الاجتماعية من ناحية أخرى. ويهتم أصحاب هذا المنظور بالأسباب التي أدت إلى المشكلة وليس بمظاهرها، ويفترضون أن تعاطي المخدرات لن يقل إلا إذا وجد المجتمع العادل الذي لا توجد فيه اضطهادات أو استغلال تنتج عنه العديد من الصراعات (Coleman,1984: 270). وبناءً على ذلك، ترى نظرية الصراع أن المتعاطين هم من شرائح اجتماعية متماثلة دخلوا في صراع مع شرائح أخرى، فينصرفون لتعاطي المخدرات وإدمانها، وهذه الصراعات قد يكون منبعها الجنس، أو العرق، أو الدين، أو غيرها.
نظرية التغير الاجتماعي social change theory
يرى أصحاب هذه النظرية أن الحياة قائمة على مبدأ الدينامية، التي تعني التغير المستمر. وعلى المستوى المجتمعي، يُقصد بالتغير الاجتماعي انتقال المجتمع من (المجتمع التقليدي) إلى المجتمع الحديث (المجتمع الصناعي). وتربط النظرية بين الجوانب المادية والجوانب اللامادية في عمليات التغير، حيث يكون من المفترض أن يسير الجانبان جنبا إلى جنب حتى لا تكون هناك فجوة كبيرة بينهما تنبئ بوقوع مشكلات اجتماعية. ومن هذا المنطلق فسرت نظرية التغير الاجتماعي تعاطي المخدرات وإدمانها تفسيراً واسع النطاق ليشمل المجتمعات التي تتعرض للتغير الاجتماعي السريع الذي ينجم عنه ما يسمى باللامعيارية التي تعني غياب المعايير الاجتماعية، وانعدام القواعد المسؤولة عن توجيه سلوك الأفراد، وتنظيم أنشطتهم في إطار النظام الاجتماعي القائم (Fabrizio, 2008).
2- التفسير النفسي لظاهرة تعاطي المخدرات:
يرى أصحاب هذا الاتجاه أن تعاطي المخدرات يرتبط باضطرابات الشخصية دون أن تكون هذه الاضطراب مصحوبة بأية أعراض مرضية عقلية. ويتمثل الإدمان بهذه الصورة في المبالغة في تعاطي المخدر حتى يبطل فعل مراكز الكف في الجهاز العصبي المركزي، فيقوم الفرد بعمل أشياء وأمور خارجة عن القيم والتقاليد الاجتماعية السائدة (أبو النيل وآخرون، 2007: 53). فتعاطي المخدرات وفقاً للتفسير النفسي يحدث نتيجة إحباط معنوي لا يقوى الفرد على مواجهة آثاره النفسية بحل واقعي مناسب سواء أكان ذلك نتيجة لضخامة الإحباط أو عدم القدرة على احتمال الإحباط والأغلب أن يكون ذلك مزيجاً من العاملين معا، فتؤدي نتائج الإحباط إلى توتر يؤدي إلى النكوص وظهور أنماط من السلوك تميز مراحل الطفولة خلاصاً من الموقف المحبط. ولذا فإن التعاطي ما هو إلا عملية هروبية تعني تدمير جانب من جوانب المشاعر ومن الأنا الذي يخبئ هذه المشاعر أي تزوير الواقع النفسي وإنكاره (المهندي، 2013: 194).
ويشير فوثرجيل (Fothergill, 2008: 193) إلى بعض السمات الشائعة عند أغلب مدمني المخدرات في كونهم متمركزين حول الذات نرجسيين مهتمين فقط بإشباع حاجاتهم الأولية، وهو شكل طفولي من أشكال السلوك الذي يقبل عليه الأطفال فقط دون الكبار. فهم لا يقبلون على الأدوار الناجحة في الحياة ولذلك تراهم فاشلين ضعافا في ممارسة أدوارهم كأزواج وآباء.