الإكوادور دولة تشغل رقعة من مساحة قارة أميركا اللاتينية المطلة على شواطئ المحيط الأطلسي. من الناحية التاريخية تستند «إكوادور» إلى تراث بالإسبانية منذ أن اجتاحتها فلول المستعمرين الإسبان في عام 1533. كانوا يبحثون يومها عن الذهب فلم يجدوه فتركوها مستعمرة تابعة، إلى أن حررها «سيمون دي بور» في ثلاثينات القرن التاسع عشر. بدلاً من الذهب «الأصفر» الإبريز.. حظيت «إكوادور» بثروة نفطية من الذهب «الأسود» أوصلتها إلى عضوية منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك). لكن «إكوادور» ظلت تتميز أيضاً بنوع ثالث من الثروة ويجسّدها الذهب «الأخضر» كما قد نسميه. وهو «الغطاء النباتي» بالغ الكثافة والثراء متمثلاً في مساحات شاسعة من الغابات المدارية وشبه الاستوائية التي تشقها روافد نهر «الأمازون».. حيث تشكل جزءاً حيوياً وعضوياً من الغابات المطيرة (Rain Forests) وخاصة في منطقة «ياسوني» التي يطلق عليها اختصاصيو البيئة الكوكبية وصف «الحديقة» أو «المتنزه» الذي لا يزال يحتفظ في رأيهم بنقاء الفطرة التي تعود إلى بدء الخليقة وتكوين البيئة الكوكبية. ومن ثم فالمنطقة المذكورة ظلت تشكل شرياناً من شرايين رئة كوكبنا بحكم ما تبعث به من غاز الأوكسجين في أجواء الكوكب وهو ما يستلزمه استمرار الحياة. هكذا ظلت «ياسوني» قرة عين أنصار البيئة ودعاة حفظ موارد كوكبنا من التلوث أو العبث أو الاندثار.. ولذلك فقد كانت خطة الحفظ بمعنى الصوْن التي طمحت «إكوادور» إلى تطبيقها في منطقة «الأمازون» التابعة لها تمثل مشروعاً رائداً وتصّوراً طموحاً على نحو ما كتب «جوناثان واتس» في رسالة مؤسفة حقاً بعث بها إلى جريدة «الغارديان» اللندنية وبادرت إلى نشرها (عدد 15/8/2013) وحمل عنوانها خبراً مؤسفاً بحق يقول: الإكوادور توافق على الحفر لاستخراج النفط من «حدائق ياسوني» الواقعة في غابات الأمازون المطيرة. هي خطوة يصفها مقال «الغارديان» بأنها تمثل «ضربة» قاصمة بل مدمّرة لجموع الناشطين (من علماء وساسة ومفكرين) ممن ظلوا يحاولون إنقاذ واحدة من أهم مناطق التنوع الأحيائي في العالم من مصير التغيير والتلوث. والأخطر أن هذه المبادرة من شأنها أن تقتل آمال أنصار المناخ والبيئة في أن تشكل «الإكوادور» نموذجاً لدول أخرى من حيث مقاومة إغراء الثروات المتأنية عن استخراج ركازات الوقود الأحفوري مع ترك هذه الركازات في مواقعها الأزلية تحت سطح الأرض. المهم أن بدا المشهد الحالي أقرب إلى فصول الدراما فعلى شاشات التلفزيون في العاصمة «كيتو»، ظهر رئيس إكوادور «رافاييل كوريا» وعلى وجهه مزيج من الغضب والحزن يقول في مرارة لا تخفى: لقد خيّب العالم آمالنا.. لهذا قمت اليوم بتوقيع مرسوم رئاسي يقضي بتجميد صندوق الإنفاق على «ياسوني» وبهذا انتهت مبادرة حفظها. بعدها علق المراقبون على هذا المشهد موضحين أنه كان واحداً من أصعب القرارات التي اتخذها رئيس البلاد. وقد اضطر الرجل لذلك بسبب تقاعس الأطراف العالمية المعنية عن مد يد العون المالي بما يساعد «إكوادور» على تنفيذ سياسة الحفظ البيئي وصون منطقة التنوع البيولوجي في غابات «الأمازون».. وهو ما اضطر «كيتو» إلى إلغاء مبادرة الحفظ. وبدلاً منها قررت «إكوادور» السماح بالتنقيب عن النفط في المنطقة. بعد أن كانت قد وعدت منذ عام 2007 بترك المخزون النفطي في مكانه في باطن الأرض. وكان هذا معناه، كما تضيف رسالة «الغارديان» أيضاً، الحيلولة دون تسرب 400 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي المحيط بكوكب الأرض.. فيما كانت خطة الحفظ تكلف نحو 7.2 مليارات دولار، وكان مقرراً أن يتم تجميع المبلغ من أطراف دولية شتى بحلول عام 2023. على الطرف الآخر من المعادلة.. تضيف الجريدة الإنجليزية قائلة: الرئيس «كوريا» عليه ديون واجبة السداد. و«إكوادور» غير قادرة على الوصول إلى أسواق التمويل الدولية.. (ومن ثم) فقد تعيّن عليها أن تستغل نفطها ولو في مناطق «الأمازون».