الكويت ـ وكالات
أكد الباحث في التراث الكويتي الدكتور يعقوب الغنيم ان للجراد تاريخا حافلا عند اهل الكويت قديما اذ كان يغزو البلاد قديما في فترات متقاربة مشيرا الى ان الجراد الصغير (الدبا) قلب نهار الكويت ليلا في شهر مايو من عام 1890. وقال الغنيم لوكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم انه في خريف عام 1929 غزت اسراب الجراد الكويت على شكل أعمدة كثيفة طويلة تضرب من الأرض لتصل الى عنان السماء فحجبت ضوء الشمس وحولت النهار الى ظلام. ولفت حسب ما ورد في الروايات الى أن أمطارا غزيرة هطلت على الكويت في خريف ذلك العام واستمرت حتى فصل الشتاء أعقبها غزو أسراب ضخمة من الجراد قيل انها كانت تلتهم كل ما في طريقها من نباتات خضراء وملابس قطنية وجلود بلا تمييز وقضت على المزارع. وأضاف ان اسراب الجراد كانت تأتي من جهة شرق الخليج العربي لتهاجم المحاصيل والاهالي نهارا وبعد غروب الشمس تسكن عن الحركة وتلجأ الى الاشجار مبينا ان الامور ازدادت سوءا حينما وصلت مجاميع صغار الجراد (كانت تسمى باللهجة المحلية الدبا) الزاحفة الى البيوت واتلفت الملابس والطعام وقرب الماء والجلود وسقطت في الابار وجعلت رائحتها نتنة. وذكر ان من المراجع المهمة في تاريخ الكويت التي وثقت هذه الحادثة كتاب (أربعون عاما في الكويت) لفيوليت ديكسون زوجة المعتمد البريطاني في الكويت التي ذكرت فيه انه "في عام 1929 كانت تلك أول تجربة لي مع هذه الكائنات وهي تجربة لن أنساها ولقد رأيت السماء تحجبها أسراب الجراد الطائر وقد اختفت الشمس وكأنها قد كسفت تقريبا وكانت أسراب الجراد تتساقط في شوارع الكويت وفي كل مكان وقد شارك طفلاي سعود وزهرة بقية اطفال الكويت في التقاط بعض منه لأكله وقد استمتعا بمذاق الجراد". واشار الغنيم الى ان المعتمد البريطاني في الكويت هارولد ريتشارد باتريك ديكسون ذكر ايضا الجراد والدبا في مذكراته حيث قال "تميز ربيع وخريف عام 1929 بفخامة وكثرة أسراب الجراد التي اكتسحت الساحل الشمالي الشرقي للجزيرة العربية وسببت هذه الاسراب أضرارا كبيرة للرعي خاصة في الجزء الجنوبي الغربي من الكويت.. وتميز ربيع 1930 بظهور (الدبى) واضطر سكان مدينة الكويت للدخول في حرب حقيقية معه لانقاذ ما يمكن انقاذه من ممتلكاتهم". واضاف الغنيم ان ذكر الجراد ورد في مذكرات الرحالة السويسري جون لويس بوركهارت عام 1811 حينما غزا الجراد مناطق في شبه الجزيرة العربية والتهم المزروعات ووصلت أسراب الجراد الى المساكن الخاصة وخربت حتى جلود قرب الماء مبينا ان بوركهارت قال ان اسراب الجراد تأتي انذاك من جهة الشرق كل خمس الى سبع سنوات وان اهل الجزيرة اعتادوا اكله وهناك حوانيت لبيعه. وقال الغنيم ان الامريكان العاملين في المستشفى الامريكاني سنة 1944 صوروا الجراد قرب المستشفى بالأبيض والاسود وكان منتشرا في كل مكان حيث كسا الارض كلها ومازالت الصور موثقة في الكتب. وعن صيرورة الحياة اليومية للجراد قال الغنيم ان الجرادة الانثى تحفر حفرة في الأرض الرطبة لتبيض فيها حيث يخرج من بطنها جراب البيض الذي يندفن داخل هذه الحفرة الضيقة ثم تترك الجرادة بيضها وتطير وبعد حوالي ثلاثة اسابيع يفقس البيض داخل الحفرة وتخرج منه الحوريات. وأوضح أن هذه الحوريات حسب تسلسل أطوارها تسمى بالعربية الفصحى حين الفقس سروة ثم دبى أو دبا ثم غوغاء ثم خيفان ثم كتفان ثم جراد وصغار الجراد مبينا أن الذي يؤكل منها فقط هو الجراد وليس صغاره. وذكر أن أهل الكويت كانوا يكافحون الدبا الزاحف على مزارعهم بطرق بدائية مثل حفر الخنادق حول المزارع التي تمتلىء فيما بعد بأعداد هائلة من الدبا أو بضرب الصفائح المعدنية لتخرج أصواتا تطرد الدبا عن مزارعهم وبعضهم غطى مزرعته بألواح الصفيح الأملس أو بأوراق القصدير الملساء حتى ينزلق عندما يصعد عليها بحيث يسقط داخل الخندق المحفور حول المزرعة فيسهل القضاء عليه. وأشار الى أن اهل الكويت كانوا يخرجون في آخر الليل قرابة الفجر لصيد الجراد حيث يكون ساكنا ونائما على الأشجار والشجيرات والحشائش فيجمعونه وكان بعضهم يقلع الشجيرة من منبتها ويفرغ الجراد في اكياس من الخيش منسوجة من الوبر او الصوف ثم يحملونه الى البيوت للسلق ثم وضعه فوق الأسطح ليخزن في صناديق خشب او اكياس والبعض يذهبون به الى السوق ويبيعونه مسلوقا. وبين الغنيم ان اهل البادية وغيرهم كانوا يجلبون اعدادا كبيرة من الأكياس الخيش المملوءة بالجراد لبيعها في سوق الصفاة حيا فيشتريه اهل الكويت ويطبخونه داخل قدور كبيرة من الماء المغلي مع قليل من الملح حيث تفرغ فيها أكياس الجراد الحي والميت معا وعندما ينضج يؤكل بعضه ويجفف المتبقي ويحفظ في أكياس خاصة كغذاء متوافر طوال السنة او يبيعونه في سوق الصفاة ب(الأوقية) وتقدر بكيلو جرامين وربع. وعن أفضل أنواع الجراد أشار الغنيم الى (المكن) وهي الانثى الممتلئة من العشب ويكون (المحاح الاصفر) في ذيلها وهي المادة المغذية والمفيدة مبينا أن أنثى الجراد تسمى عند أهل البادية (دمونة) وجمعها (دمون) وعند أهل الحاضرة (مكنة) وجمعها (مكن) ولونها بني فاتح وهي سمينة وفي بطنها البيض الذي يجعل مذاقها لذيذا وشهيا أما الذكر فيميل لونه الى الاصفر ويسمى عند أهل البادية (زعيري) وعند أهل الحاضرة (عصفور) حيث يشبه لون طير العصفور. وذكر الغنيم ان عرب الجزيرة قالوا في كلماتهم المأثورة عن الجراد "اذا جاد (ظهر) الجراد كب (اسكب) الدواء واذا جاء الفقع (الكمأ) صر (احفظ) الدواء" موضحا أن الجراد عند اهل الجزيزه طعام جيد وصحي ولا يسبب أي مرض للجسم وبالتالي فإن الإنسان لا يحتاج الى حفظ الدواء. وأشار الى أن كتاب (تاريخ الكويت) للشيخ المرحوم عبدالعزيز الرشيد أورد أبيات من قصيدة الشيخ خالد العدساني عن الجراد تصف أسرابه القادمة بأنها كالسيل الذي يملأ كل مكان.