القاهرة - العرب اليوم
تستمر "سباقات الخيول والجمال" مملكة من السحر والجمال في محافظات صعيد مصر عادات ورياضة منذ مئات السنين، وتتباهى بتنظيمها والفوز بها كبار العائلات والقبائل الصعيدية في مختلف مدن وقرى الأقصر، فهي تأتي تنفيذاً لتعليمات خليفة المؤمنين الإمام عمر بن الخطاب الذي قال "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل".
وتنتشر بمختلف أنحاء محافظات الأقصر وقنا وأسوان، في الربوع الصحراوية مضامير تجهز خصيصاً بصورة سنوية لممارسة كافة أبناء الصعيد لسباقات الفروسية بالخيول والهجن بالجمال، حيث تتوافد "الخيول العربية الأصيلة" التي يقوم أبناء القبائل والعائلات الكبرى بتجهيزها وتدريبها خصيصاً لتلك السباقات التي تقام سنوياً، في كافة الموالد والاحتفالات وأعياد الفطر والأضحى في صورة تشبع رغبات الولع بركوب الخيل والسباق في مضمار صحراوي أو زراعي وسط حضور الآلاف من أبناء الصعيد.
وتأتي كلمة "المرماح" باللهجة الصعيدية بكسر الميم، تعبيراً عن لفظ دارج بين أبناء الصعيد وهو "الرمح" من الركض والجري السريع فلذلك يطلق عليه الصعايدة المرماح أي سباقات الخيول، ويقول الحاج إبراهيم البرنس من أهالي قرية بنبان في مركز دراو محافظة أسوان، إن المرماح كلمة مشتقة من الرمح والجرى وهي كلمة تدل على سرعة الخيول في جريها أثناء السباقات، وبيّن الحاج إبراهي البرنس، إن سباقات الخيول والمرماح تعتبر من أجمل الموروثات الشعبية القديمة توارثته القبائل عبر التاريخ، وتحتفل به المحافظات في ليلة سنوية تقام في عدد من قرى محافظة أسوان وعدد من محافظات الصعيد، مضيفا أن محافظة أسوان تنظم نحو 15 احتفالا سنويا في عدد من القرى منها قرية بنبان.
فيما يقول لطفي العماري ابن منشأة العماري بمحافظة الأقصر، إن الهدف الأسمى من سباقات المرماح هي المحبة والمودة والتعارف بين القبائل العربية بمختلف أنحاء مصر، لتتجمع من مختلف قرى ومراكز ونجوع الصعيد في مناسبة احتفالية وموروث شعبي وفلكلوري وتراثي، وتأكيدا على روح المحبة وصلة الأرحام بين أبناء القبائل الواحدة المنتشرين في مختلف محافظات جنوب الصعيد، ويعتبرها أهل الصعيد وصية الإسلام، مشيرا إلى أنه بدأ أخيرًا في استثمار المرماح لجعله حدثا سياحيا جاذبا للسياحة وخاصة السياحة العربية القادمة من دول الخليج العربي.
وأضاف العماري أنّه "في السابق كان المرماح في عهد القبائل العربية بالسنوات الماضية يتم الاحتفال به لمدة لا تقل عن 15 يوما، ثم تقلصت إلى 3 أيام، ووصلت إلى يومين فقط في بعض القرى، وتبدأ الاستعدادات لليلة المرماح قبل حلولها بشهر كامل يوما، ويتم توجيه الدعوة لأبناء القبائل العربية في مختلف محافظات ونجوع وقرى جنوب الصعيد من محافظات "قنا والأقصر وأسوان"، ويبدأ تمهيد طريق السباق في أحد الدروب الصحراوية بالمواصفات الملائمة للسباق، ويمتد مضمار السباق لعدد من الكيلو مترات حسب كل محافظة وقرية، ويتم تجريفه ونصب الخيام ونقاط المشاهدة فيه بالتعاون مع مديرية الشباب والرياضة وإدارة الحماية المدنية ومرفق الإسعاف والشرطة بكل محافظة".
وأكّد أن سباقات الخيول في الصعيد من العادات الساحرة لقلوب أهل الجنوب وله عشاقه ومريديه في كل صوب وحدب، فيبدأ الإعداد للمرماح عبر نصب كافة التجهيزات من سرادقات للضيوف وكبار العائلات التي ستحضر فعاليات السباقات وخلال الأيام الأخيرة للتجهيز، يصل إلى مضمار المرماح كافة البائعين للكبار والصغار، فمنهم من يبيع مستلزمات خاصة بالخيول كالسروج واللجام والزينة لظهور الخيل، وبائعي الشاي والقهوة وكذلك بائعي الحلوى والبالونات للأطفال، والمأكولات والمشروبات المختلفة لتلبية احتياجات المشاركين بالمرماح.
أما عن البطل الأول في المرماح وهي "الخيول" فيتم إعدادها للسباقات بطبيعة خاصة ومأكولات معينة ومحددة لمدة شهور قبل بدء المرماح، وتنقل في سيارات مغطاة بوسائل تحميها وتقيها المسافات الطويلة والطقس الحار صيفاً، ومن أبرز أسماء الخيول في سباقات الصعيد حسبما يقول الحاج علي حسين ابن محافظة قنا، هي "رعد، القصبجي، هرقل، عنتر، أسمر سمار، الناظر، أبو تريكة، الحضري، الفرعون، البطل، الهواري، الشبح، القصبجي، الطائر، الصخرة"، مؤكداً اختيار اسم كل حصان من قبل فارسه الذي يمتطيه في السباقات.
وأفاد الحاج علي حسين، بأن أسماء الخيول تختلف فيما بينها حسب القوة التي عليها الحصان فهناك من يطلق مسميات لاعبي كرة القدم وأخرى أسماء لخيول عربية في العصور السابقة، فاسم الحصان أبو تريكة يعني الحريف في التلاعب بخصومة من المنافسين، ويستطيع أن يقوم بهزيمتهم في أي لحظة، واسم الحضري لأنه حصان عالٍ ويمتاز بالقوة وأن منافسيه يجدون صعوبة في هزيمته، واسم عنتر يعود لبطولات وأمجاد عنتر بن شداد، واسم رعد يعود لقوته في صعق المنافسين في السباقات المختلفة، مشدداً على أن صاحب الخيل يهتم بصورة كبيرة بالطعام ويقدم لها أجود الأغلال من القمح والشعير، والفول ويسعى للاهتمام بالنظافة الشخصية لها حتى يظهر بالشكل الأمثل عن الذهاب إلى المرماح والتنافس، فيما يقول النوبي مصطفى ابن مدينة قنا "أنا ليا سنين بركب الخيول، ولا أترك مرماح في الصعيد، وغالباً يتم عملها في مولد سيدي عبد الرحيم القنائي ومولد السنجق في مركز دشنا، والخيل عند الصعيد فيه اعتقاد بالتفاؤل والتشاؤم، وإحنا دايما نردد عبارة الخيل معقودة دايما بنواصيها، بمعنى أن الحصان اللي بيكسب بنشعر بنوع من التفاؤل على صاحبه، وإلى بيخسر يجلب الشر والتعاسة على أهله، وهذا معتقد عند الصعايدة"، مضيفًا أنّ "المرماح عادة صعيدية موجودة من زمان، والسباق بيكون عبارة عن السرعة من الجانبين يقف كل شخص ومعه الجواد في نقطة تحرك ومعه عصا بيده، يبدأن التحرك ويحاول كلا المتنافسان أن يصل إلى المكان الذي تحرك منه منافسه، والفائز هو الذي يصل أولا، وقبل التحرك عليهما وضع نقطة التحية للمزمار الذي يحييهما، والذي يصل أولا يكون الفائز وتتم تحية حصانه قبل الفارس للرقص على الأغاني الصعيدي.
ويبدأ السباق عادة بعد صلاة العصر حيث يخرج الشباب وقد امتطوا صهوة خيولهم للذهاب إلى ساحة المرماح تعلو وجوههم علياء التفاخر والعزة، ويتوافدون من جميع القرى والنجوع بالمحافظات المجاورة لحضور السباق يرتدون الزي الصعيد "الجلباب والشال الكشمير"، للتسابق فيما بينهم يحصل الفائز على نوط الشجاعة والفروسية والتفاخر بين قبيلته وبين القبائل الأخرى التي تتجمع في منطقة صحراوية بجوار منطقة الصعايدة شمال المحافظة، ويقف المزمار البلدي يشجو بأغاني ذئاب الجبل والضوء الشارد، وبعدها يبدأ السباق ويتجمع محبو وعشاق المرماح، وبعد أن يبدأ السباق يحاول كل خيال أن يظهر براعته في التحكم بالعصا وجواده الذي يزينه بالسرج واللجام وزينة الخيول، التي كان العرب يزينون بها خيولهم في حروبهم ضد الفرس والتي ظهرت في فيلم الناصر صلاح الدين، عناصر تقييم الفارس والخيل التقطيع عند دخول الخيل إلى حلقة المرماح بعد سماعة المزمار البلدي، وإجادته الرقص على نغمات المزمار البلدي، وهناك خيول تملك العديد من المهارات وأخرى لا تمتلكها، أما الحاج محمد المطعني ابن محافظة الأقصر، فيؤكد أن الفائز في المرماح يتم تكريمه براية خضراء وتهتف له عائلته وأنصاره بين القبائل وهو نوع من التفاخر بين العائلات وتغمره السعادة، ويقوم بتكريم الحصان بإعطائه أفضل الأطعمة نظير مجهوده في السباق وحصوله على المركز الأول، وتظل العائلة التي ينتمي لها الفائز تتفاخر به لحين عودة المرماح مرة أخرى ويستطيع جواد آخر أن يخطف منه الراية الخضراء.
وأشار محمد المطعني، إلى أنه يتم منح الفائز كأس المرماح ويحتفظ بها للعام القادم، حيث يكون للسباق طقوس وشروط خاصة لا تحددها لجان تنظيمية كباقي السباقات، ولكن يتم الاتفاق عليها فيما بين الخيالة المتسابقين، ويشمل النزال بين اثنين متسابقين من نفس المحافظة أو من محافظات وقرى أخرى، وكذلك السباق الجماعي لكافة الخيول من مختلف المحافظات التي حضرت إليه، وكان في الماضي يتبع أسلوب "الطارد والمطرود" بمعنى أن يقطع المتسابقين المشوار ذهاباً وإياباً والفائز في الشوطين كان يطلق عليه الرابح بامتياز، إذا نجح في أن يغمد منافسه بطرف جريدة نخيل يمسكها في يده كأنها حربة في راية خضراء في الأرض ويعود منتصراً، أما عن المواعيد السنوية الثابتة ولا تتغير في سباقات الخيول والمرماح، فهي أبرزها مناسبات سنوية مثل بداية الأشهر الحرم التي تبدأ معها إقامة المرماح في مختلف الساحات، وكذلك احتفالات المحافظات بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً في أعياد الفطر والأضحى وعاشوراء وخلافها من المناسبات الدينية التي يتجمع فيها المتسابقون وكبار العائلات لتنظيم السباقات المختلفة.
وفي محافظة الأقصر تنظم سباقات الخيول في عدد كبير من المناسبات والموالد لأولياء الله الصالحين وآل بيت رسول الله، ومنها مولد سيدي أبو الحجاج الأقصري، ومولد الشيخ زعبوط في البر الغربي، ومولد قرية العشي ومولد الشيخ حسن الدح ومولد الشيخ فضيل، وفي قنا يتم الاحتفال بالمرماح في مولد سيدي عبد الرحيم القنائي في وسط المدينة، ومولد سيدي السنجق في دشنا، وفي محافظة أسوان يحتفلون بالموالد بسباقات المرماح وكذلك تنظمها القبائل العربية والنوبية بكل مكان.
ويقول سيد عربي أحد المتسابقين أنه ينتظر سنوياً مولد سيدي عبد الرحيم القنائي للمشاركة فيه، لكونه تقليد قديم من أيام الأجداد والآباء، ويحرص سنويا على المشاركة في أغلب الاحتفالات التي تقام على أرض المدينة في الساحات العامة وخلف ساحة سيدي عبد الرحيم القنائي، وكذلك عدد من الموالد والذكريات السنوية في الأقصر وأسوان، وأن المولد الأكبر والذي تنظم فيه سباقات بكل مكان في الصعيد، هو مع إعلان دار الإفتاء المصرية، أول أيام شهر ربيع الأول كل عام، تنطلق الاحتفالات والتقاليد الخاصة في مدن الأقصر في مولد الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.