برازيليا ـ د.ب.أ
يرفع لويس فان غال حاجبيه ويحرك فمه بشكل هزلي ويقول «إنني وحش الحفل»، واستخدم المدير الفني للمنتخب الهولندي لكرة القدم اللغة الألمانية في هذا القول ليشير إلى عثوره على جوهرة أخرى عندما كان مديرا فنيا لبايرن ميونيخ.
وكان المعنى الذي قصده فان غال بالطبع هو «حيوان الحفل»، ذلك المصطلح الذي يطلق على الشخص يعشق ارتياد الحفلات كثيرا ويحرص على هذا في كل وقت ولكنه استخدم كلمة غير دقيقة في الألمانية لتتحول اللفظة إلى «وحش» بدلا من «حيوان»، ورغم هذا فإن ما قاله، «وحش الحفل» يتماشى معه بشكل جيد للغاية لأنه يشير إلى أن الناس ينقسمون إلى من يحبه ومن يكرهه.
وكانت لدى فان غال، 62 عاما، العديد من الأسباب ليحتفل على مدار مسيرته التدريبية بعدما حصد العديد من الالقاب مع فرق أياكس أمستردام الهولندي وبرشلونة الإسباني وبايرن ميونيخ الألماني.
ولكنه كان أيضا «وحشا غريبا» إلى حد ما في بعض الأمور، لأنه شخص لا يُحتمل في تعامله مع زملائه ولاعبيه وأيضا الصحافيين، لأنه يتعامل كما لو كان لا يزال مدربا للياقة البدنية في مركز للتدريبات البدنية، كما يرى فان جال أن الصحافيين غير مؤهلين بشكل أساسي.
وسأل فان غال مراسلا ذات مرة قائلا «هل أكون أنا هذا الشخص البارع أم يكون أنت أيها الغبي؟»، وحتى زوجته الثانية، تروس، اعترفت بأنها «فزعت منه بعض الشيء» عندما التقيا للمرة الأولى ولكنها تغلبت على هذا الخوف سريعا.
وأسس فان غال شهرته من خلال عمله مع فريق أياكس، رعا فريق الشباب بالنادي وعزز قدراته وصنع فريقا رائعا للنادي من مجموعة لاعبين شبان تتراوح أعمارهم بين 18 و22 عاما ونال بهذا الفريق إعجاب الجميع في أوروبا وفاز معه بكل الألقاب.
وسأل فان غال عشرات الآلاف من المشجعين في العاصمة الهولندية أمستردام عام 1995 قائلا «من هو الأفضل في أمستردام ؟» وانتظر منهم أن تكون الإجابة باسمه ولكن الإجابة كانت «أياكس»، ليكرر السؤال بشكل آخر قائلا «من هو الأفضل في بلدنا، والأفضل في أوروبا؟» ليبرهن على أن التواضع صفة لم يعرفها المدرب، المولود في أمستردام، على مدار حياته ولكنه يقترب خطوة وراء الأخرى ليكون أسطورة.
ورغم هذا، أعقب فان غال مسيرته الناجحة مع أياكس بفترة إخفاق مع برشلونة إضافة لفترة إخفاق بعدها بسنوات قليلة مع بايرن ميونيخ الألماني كما عاد فان غال لتدريب برشلونة أيضا وعاد للعمل في برشلونة كما عاد للعمل مع أياكس كمدير تقني ولكن الأمور لم تكن على ما يرام.
وعلى مدار سنوات، لم يترك أسطورة كرة القدم الهولندي يوهان كرويف أي فرصة يستطيع فيها توجيه الانتقادات العنيفة والاتهامات إلى خصمه اللدود فان غال وخاصة عندما عاد فان جال للعمل مع أياكس.
وفي أحلك الفترات في مسيرته، أظهر فان جال الوجه الآخر لشخصيته المحبة للانتصارات والمبتهجة حيث كان يتسم بالغضب العارم الذي يؤدي لاحمرار وجهه بشكل ملحوظ وتضخم عنقه حتى في مواجهة المنتقدين المعتدلين، وكانت هذه السمات في شخصيته سببا في كثيرة الرسوم الكارتونية التي تجسد هذه العبقرية غير المفهومة.
وألقى فان غال بكلمة أسطورية في وداعه برشلونة قائلاً: «حققت مع أياكس في ست سنوات أكثر مما يمكنني تحقيقه مع برشلونة في مائة عام».
ولكن فان غال استعاد عظمته في الفترة من 2005 حتى 2009 وذلك في ألكمار، مدينة الجبن الهولندي، التي أنهى فيها مسيرته الكروية متوسطة المستوى كلاعب في 1987، حيث قاد إيه زد ألكمار للفوز بلقب الدوري الهولندي وأيضا لتقديم عروض رائعة.
ولكن هذا كله لم يمح فشله الذريع في فترته الأولى كمدير فني للمنتخب الهولندي وذلك بين عامي 2000 و2002 عندما فشل حتى في قيادة الفريق لبلوغ نهائيات كأس العالم 2002 بكوريا الجنوبية واليابان.
وبعد خروج المنتخب الهولندي المؤلم من الدور الأول لبطولة كأس الأمم الأوروبية الماضية دون الحصول على أي نقطة من مبارياته الثلاث في الدور الأول حيث خسرها جميعا تولى فان جال مسؤولية الفريق ويأمل حاليا في إنقاذ الكبرياء الهولندي من خلال قيادته الفريق على الأقل إلى المربع الذهبي لبطولة كأس العالم 2014 بالبرازيل، وهو الطموح الذي ارتفع عقب مسيرته الرائعة في الدور الأول، وفوزه بالنقاطِ التسع من 3 مباريات، من ضمنها المباراة الأولى الأسطورية ضد المنتخب الإسباني، والفوز بنتيجة 5-1.
وبعد عشر سنوات من خروجه مع الفريق صفر اليدين من تصفيات مونديال 2002، بدا فان جال مدربا مختلفا لدى عودته إلى تدريب المنتخب الهولندي حيث أصبح أكثر هدوءا وأقل توترا حتى عندما تعرض للانتقادات بسبب العروض فاترة المستوى لفريقه في التصفيات، وهو مؤشر للسبب في قوة مسيرة الفريق تحت إدارته.
وقال فان غال «بعد البطولة الأوروبية، كان عليّ أن أعيد بناء وتدعيم الفريق بلاعبين شبان، وهذا دائما صعب».
ويمتلك فان غال إمكانيات لا يمكن التشكيك فيها فيما يتعلق بالنواحي الخططية وتطوير المواهب وتقديم كرة هجومية وحديثة وجذابة، لأنه يعتبر عبقريا.
ولا يتفق أسلوب فان غال مع كرة القدم القائمة على إنفاق الملايين لجلب أبرز النجوم أصحاب الأسماء الرنانة لأن من يخفق في الانخراط بالفريق والمشاركة في تطبيق خطط الأداء الجماعي التي يضعها يخرج سريعا من حساباته.
ولا يرى فان غال أن كرة القدم تمثل رياضة فقط وإنما يرى فيها علمًا كما يحرص على وضع خطط تشمل أدق التفاصيل. وإذا اصطدم أي شخص بالجانب الخاطئ لفان غال، فإنه يقع في مشكلة حقيقية.
وعانى فان غال من وفاة زوجته الأولى متأثرة بمرض السرطان، حيث اعتبر فان غال هذا هزيمة له على المستوى الشخصي. وظل فان غال لسنوات يشرف بمفرده على تنشئة ابنتيه.
ولا يشعر فان جال بالسعادة للدور التقليدي الذي يلعبه المدير الفني للمنتخب الهولندي، ويرغب فان غال في بناء منتخب ثابت ودائم ولكنه لا يستطيع فعل هذا من خلا معسكرين تدريبيين فقط لأن هدفه هو الكرة الشاملة التي تعتمد على السيطرة الشاملة، ولذلك، لن تكون مفاجأة أن يعود للعمل بالتدريب مع الأندية عقب انتهاء مسيرته مع المنتخب الهولندي في المونديال البرازيلي، وقبل ذلك الفوز به وتحقيق أكبر إنجاز في تاريخ المنتخب البرتقالي.