رقص رواية للكاتب السعودي معجب الزهراني
آخر تحديث GMT12:42:50
 السعودية اليوم -

"رقص" رواية للكاتب السعودي معجب الزهراني

 السعودية اليوم -

 السعودية اليوم - "رقص" رواية للكاتب السعودي معجب الزهراني

الرياض ـ وكالات

تتأسس هذه القراءة لرواية 'رقص' للأكاديمي والروائي والشاعر معجب الزهراني على فرضية تستحضر ما وقع وما يقع من تحولات أو تطورات في مجال الكتابة الروائية بالعربية السعودية ( والنقاد السعوديون مختلفون بصددهما. أشير هنا إلى ما ورد في 'المجلة الثقافية' من اختلافات وتباينات بخصوص إن كانت الرواية في هذا البلد العربي تعيش حالة تحول أم حالة تطور أم تُراوح بينهما( عبد الله الغدامي ،علي القرشي ،سلطان القحطاني ،محمد العباس، حسين المناصرة، عبد الرحمن حبيب) أو ما عبر عنه الدكتور معجب الزهراني نفسه في مقالة له بعنوان 'الطفرة الروائية ومفارقاتها' (بجريدة الرياض، العدد 14941، 21 ماي 2009) أو ما وصفته الروائية الجزائرية احلام مستغانمي بتسونامي الرواية السعودية. وهي تطورات وتحولات عمت الرواية السعودية المعاصرة وقدمت مقترحات جادة على أصعدة السرد والتخييل واللغة. فالفن الروائي السعودي، ومن خلال مؤشرات النقد والنقاد يسير في اتجاه أفضل، بل إنه شرع في الاستجابة لحاجات القارئ المحلي من خلال الاحتفاء بمكنون ذاكرة الأمكنة وما تشي به من مخزونات اجتماعية وثقافية تشكل، على الدوام، أبعاداً معرفية حيث يمكن للكاتب السعودي أن يدمجها في محكياته التخييلية أو التمثيلية لاسيما حينما ترتبط الرواية بأوطوبيوغرافيا الشخصيات والأمكنة مغذية بذلك سرودا تروم الهوية الفردية والجماعية معا، ومحاورة أنساق الرومانيسك الكونية سعيا لصياغة نكهة روائية محلية تفرج عن قدرات تكلمية هائلة . وإذا استعرنا من معجب الزهراني عبارته، سنقول إن الكتابة الروائية، في العربية السعودية ،تمثل ظاهرة أدبية- ثقافية تلفت النظر وتثير التساؤل لأكثر من عامل : 1. من حيث الإنتاج : تكاثر الأعمال - تنوع أعمار الروائيات والروائيين - تنوع التوجهات الجمالية والفكرية. 2. من حيث التلقي : احتلال الكتابة الروائية مركز الجدل في الأوساط الثقافية كثرة الحوارات والندوات... 3. من حيث المستوى الأكاديمي : انصباب الكثير من رسائل الماستر وأطروحات الدكتوراة على هذا الجنس الأدبي لجدته وجاذبيته وغناه التيمي وارتباطه بمشاكل مجتمع ينوس بين البداوة والتحضر. لهذا أضحى من الممكن الحديث عن ذاكرة خصبة للرواية في هذا البلد العربي، يمكن عرضها من خلال أربع حقب تقريبية : ـ رواية الخمسينات والستينات أو الرواية الواقعية مع كل من حامد دمنهوري وإبراهيم الناصر . ـ رواية الثمانينات ويمثلها على وجه الخصوص عبد العزيز مشري عبر ما عرف برواية الريف. ـ رواية التسعينات أو الرواية التجريبية في عالم غير ودود، وتمثلها البدايات الأولى للروائية الكبيرة رجاء عالم. ـ رواية ما بعد التسعينات إلى ألآن، ومن أهم خصائص السياق الذي نشأت فيه : - تصدع مجمل البنى التقليدية للحياة والثقافة، إما بفعل عوامل تاريخية أو تقدم في التقنية. - بروز الذات الفردية في ارتباط قوي بنشوء المدن والحواضر الجديدة. - شيوع الرؤية النقدية للذات والآخر والعالم بفضل تطور الوعي وتنوع وسائل التواصل التي أنهت، جزئيا، بعضا من أمجاد الرقابة الرسمية. 2- أهمية رواية 'رقص' لمعجب الزهراني : في هذا السياق وبمحاذاته تبلورت الكتابات النقدية والأدبية لمعجب الزهراني . فرواية 'رقص' تستمد أهميتها من إندراجها ضمن الحقبة الرابعة مع ارتباط خفي بالمرحلة الأولى . وتعليل ذلك أن هذه الرواية الأولى لصاحبها راكمت من مكونات الرومانيسك ما جعلها امتدادا، في الآن نفسه ،لسرود الخمسينات والستينات، وتعبيرا عن تحولات عميقة مست بنية مجتمع الجزيرة، ثقافته وقيمه وكيانه. ففيها نجد : ـ إجراءات سردية وأسلوبية متنوعة ـ انفتاحا على نصوص وخطابات ووسائط كالفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والعمران والشعر كنوع من الإجراءات التناصية التي تخدم استراتيجيات رواية 'رقص' من الناحيتين التلفظية والدلالية . في مثل هذه الحالة، فإن رواية 'رقص' (وعلى الرغم من كونها الرواية الأولى لصاحبها، مع إمكانية اعتبار الكتب النقدية سجلات سردية من نوع آخر لكنها تعتبر سلفا لهذه الرواية) نص أدبي يحث حثاً قوياً على تلقيه لما ينتجه من دلالات ليست أحادية ولا مستقرة، كونها تغطي سياقاتٍ متنوعةٍ ذاتيةٍ واجتماعيةٍ وإيديولوجيةٍ ينهل منها الكاتب جزءا كبيرا من مواد الرومانيسك في رواية 'رقص'. وهاتان الخاصيتان، من بين خصائص أخرى، تمتلكان منطقهما ومعقوليتهما في الكتابة، عند معجب الزهراني، بحكم ما يتميز به من رصيد ثقافي وفكري وجمالي شديد التنوع، الأمر الذي يمنح نصه السردي شكلا وبناء تصويريا متميزين.ولكون السيرة السردية، عند الزهراني، هي ثمرة روافد متعددة لغوية وفكرية، فإننا نلاحظ أن العملية التخييلية، في رواية 'رقص'، تتحول إلى مَحْضَنٍ للفكر والمعرفة والسؤال في كل الأنساق المغلقة والشمولية. وإذا علمنا أن الرواية رغم كونها ممارسة تخييلية فإنها ليست معفاة من مسؤولية تقديم عالم كما لو أنه حادث بالفعل، وهي تنجز ذلك من خلال البطل بما أنه يعيش ويفكر ويشعر ويتكلم أي باعتباره ذاتا، أمكننا القول بأن فهم الاقتراحات التي يقدمها السرد المعاصر، خاصة النصوص العميقة الموصولة بالتجربة الإنسانية، يتطلب قراءة تنظر للسرد باعتباره شكلا من المعرفة، وتبوئه المكانة التي يستحقها في تمثيل ما لا تستطيع اللغة التعبير عنه. وهذا الأفق الذي يرسي فَهْماً للسرد على أساس فلسفي وتأويلي هو الذي يؤطر هذه القراءة ويشكل خلفية لفرضيتها العامة. ولفهم الاشتغال التخييلي الذي ينجزه معجب الزهراني وأثره في شعرية هذا النص واقتراحاته الجمالية وإمكاناته على الحض على التأويل وممارسة التفكير النقدي، تلزم الإشارة إلى أحداث تميز المتن السردي، وهي التي تتصل بعلاقة التناقض بين أحلام الإنسان وطموحاته وقيود المجتمع بكل سلطاته التقليدية والحديثة . فسعيد هو بطل الرواية أو راويها، والمجتمع المشار إليه هو المجتمع السعودي وما يعرفه من صراع، مرة معلنا، ومرات مبطنا بين تيارين متناقضين. سعيد هو مثقف ثوري من ذلك النوع الذي أفرزته ظروف الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وقد حملته ثوريته إلى السجن ليقضي فيه سبعة أعوام لا يدري عنه أبوه وأمه وبقية أفراد أسرته شيئاً. وهل هو على قيد الحياة أو ذهب إلى جوار ربه، وعندما خرج من السجن عاد إلى قريته في مفاجأة غير متوقعة فقد تجمع أبناء القرية والقرى المجاورة لتحية الثوري العائد بأعجوبة من حيث لا يعود الراحلون من ذلك المكان 'العنيف المعتم النتن' وقد أعاد الاستقبال الحافل الثقة إلى نفسه وإلى دوره النضالي إلاَّ أن شيئاً ما كان قد تغير في داخله ودفع به إلى أن يتجه إلى عالم التجارة والبحث عن طريق جديد للنضال لا يجعله يظهر في قلب المشهد. وقد بدا بعد تلك التجربة المُرّة أكثر ذكاء ووعياً وإدراكاً لما يدور في محيطه العربي والعالمي. ثانيا: التشكيل الخطابي للهوية السردية في علاقته بالتاريخ والمكان: وفي معالجتنا لمفهوم الهوية السردية استندنا إلى أعمال بول ريكور، خاصة مفهوم الهوية السردية.الهوية السردية، لدى بول ريكور، هي نوع من الهوية يكتسبه الناس من خلال وساطة الوظيفة السردية (ص.295). ولذلك ذهب إلى أن 'الشخص حين نفهمه كشخصية في قصة، ليس بكيان مختلف عن تجاربه. على العكس من ذلك فإن الشخص يتمتع بنظام الهوية الدينامي نفسه الخاص بالقصة المحكية. إن الرواية تبني هوية الشخصية التي نستطيع أن نسميها هويتها السردية، وذلك حين تبني هوية القصة المحكية. وهذا الأمر هو ما تضطلع به الحبكة السردية في رواية 'رقص' حيث تنسج وقائع وأحداثا خاصةً بـ'سعيد' ضمن أفق سردي تكشف عن صورة مغايرة تضيء ما خلفته أحداث مضت على شخصيته، وكيف أنها حولته من شخص كاره للسلطة ساع إلى التشويش عليها، إلى شخص نادم على ما فعل، قرر أن يقطع الصلة بماضيه من خلال الانخراط في مشروع لا يمت بصلة للمشروع الذي قاده إلى غياهب السجن والمعاناة. والسارد، في رقص، أثناء سرده لحياة سعيد وما اكتنفها من حماس واندفاع، في البداية، وما تميزت به من إقبال على الحياة وملذاتها، بعد الخروج من السجن، إنما كان يسعى إلى تمثيل الزمانية الفردية من خلال استدراكات المخيلة. هذا الأمر هو ما يجعلنا نقول إن رواية 'رقص' قد جعلت من الحياة الواقعية لسعيد (في الماضي) إوالية للتخييل. فالسرد إذاً هو الأرضية التي تعترك عليها مختلف الفروع والاختصاصات، بل إن السرد هو تطوير للعلاقة التلازمية بين خيال السارد وزمانية سعيد. ومن هنا يتم تحبيك الوجود التاريخي، أو التاريخ الثقافي لسعيد والجماعة التي آمن بأفكارها ونفذ أوامرها. ففي رواية 'رقص' هناك استنطاق للماضي (التاريخ)، وتأكيد على أهميته كمادة يمكن تفكيكها ومحاورتها وهتك أسرارها من منظور وعي ذاتي، كل ذلك من أجل تحبيك ماضي سعيد (المادة التاريخية) في قالب روائي، تستوي داخله هوية جزئية صغيرة قابلة لإثبات وجودها ومنازعة هوية مركزية مهيمنة. ولعل هذا النوع من التحبيك لا يقتصر على هذا النص، بل يجد صداه في كثير من النصوص الروائية السعودية لكل من تركي الحمد في معظم رواياته (ثلاثية 'أطياف الأزقة المهجورة''، (العدامة، الشميسي، الكراديب)، ومحمود تراوي (ميمونة، يا أخضر يا عود)، عواض العصيمي (قفص)، وأحمد أبو دهمان (الحزام (بالفرنسية)، وعبد الحفيظ الشمري (فيضة الرعد، جرف الخفايا)). وتبدو أهمية رواية 'رقص' في إعادة الاعتبار للحكي كفعالية إبداعية أولى بعدما تضاءل دوره في الحساسية الروائية الجديدة العربية. فبالقياس إلى البناء الشذري الذي يشكل قاسما مشتركا بين كتاب تلك الحساسية، تأخذ الدينامية السردية خصوصيتها في هذه الرواية من نظام سيميائي محدد الاشتغال، يتميز بالمزج الخلاق بين المكون الروائي الذي ينهض على الحقيقة الافتراضية التخييلية، وتشير إليه الرواية من خلال التعيين التجنيسي الذي يحمله غلافها، والمكون السيرذاتي المؤسس على الرؤية الاستعادية لحقيقة مطابقة للواقع الذي كانته الذات الساردة في الماضي، ومن تجلياته داخل الرواية الوُرودُ القوي للأفعال الدالة على التذكر والاستعادة والإشارة المباشرة للحياة الفردية وتاريخها. وإذا كان لأفعال التذكر من دلالة فهي التأسيس لمقومات الحكي السيرذاتي لأنها 'تقوم دليلا على أن زمن الحكاية هو زمن مستعاد أو مسترجع، حادث في العالم قبل حدوثه في النص، فالذاكرة هي خزان الماضي، الذي تنتقل منه الأحداث إلى الخطاب لتثبت فيه نهائيا بواسطة اللغة'. وبموازاة مع الرؤية الاستعادية التي يضطلع بإنجازها صوت الناظم الداخلي، تنبثق رؤيات تزامنية تخلق الإيهام بالمحايثة، خاصة ما يتعلق بالمشاهد والأمكنة التي تحرك فيها سعيد، وهذا ما يعطي للسارد بضمير المتكلم دورا مركزيا في هذه الرواية. كما أن المسافة بين الحلم والحقيقة، بين الروحي والمادي تفسح المجال لظهور وضعيات يغمرها الحب والسخرية، كعلاقة سعيد بأبيه ومشاركته إياه تحقير الشرطي الذي جاء من أجل القبض على سعيد أو علاقته بمن يحتكرون الحقيقة (أصحاب السلطات الدينية أو الدنيوية أو الكنوزيولوجية) ويفرضون شروط تداولها وينبذون من يعارضها أو يشكك فيها. ومعلوم أن الانصهار بين هذين الخطابين في النسيج اللغوي والسردي للرواية يحقق لها القدرة التكلمية، بحيث يتراسل فيها اللجوء إلى استدعاء الماضي من أجل تشييد الهوية الذاتية سرديا بالمعضلة الجماعية التي تحيل على علاقات التفاعل بين هذه الذات والعالم. فاللجوء إلى تأصيل الكيان الفردي لسعيد يظل مشروعا غير قابل للتحقق على النحو الأفضل إذا لم يستند إلى تأصيل للكيان الجماعي، إما جماعته الصغيرة أو الكبيرة (القبيلة أو الأمة). وذلك لأن الإنسان، كما أكد على ذلك ميخائيل باختين، لا يمكن أن يعيش إلا في التواصل، وذاته لا تتوضح على النحو الأفضل إلا في العلاقة بالآخرين الذين يحتك بهم ويصادفهم في الواقع الخارجي الذي ينشد فيه آماله ويلاحق فيه حقيقته المؤرقة. بهذا المعنى، فالرواية وهي تلقي بالبطل في مواجهة عالم لغزي وغريب يشكل مسرحا للدسائس والصراعات والعداوات لا تشخص الزمان المروي فيها وحسب، بل تغدو أكثر إفصاحا عن الزمن الراهن وما يبطنه من معاني الصراع والعبث واللاجدوى. وهذا ما يمنحها بعدا فكريا ويجعل الزمان المروي فيها موضوعة أساسية في بنائها العام. ومن مفارقات رواية 'رقص' على مستوى علاقة هويتها السردية بعنصر المكان، أننا لا نجد الطبخة الوجدانية والأخلاقية التي طالما ميزت التخييل العربي في علاقته بألأمكنة الغريبة، ليس هناك صدمة ولا أحكام مسبقة، ولكن هناك لجوء وإنشداد ورغبة في الإقامة الأبدية، وذلك في مقابل نوستالجية مقلوبة في علاقة الشخصية المحورية بأمكنتها الأولى (القرية مثلا) عندما عبرت مدام ليوتو عن الشاب بطل الرواية بتساؤلها أفلاح هو أم طالب؟ لم تكن لتبتعد عن التوصيف الدقيق كثيراً، فهذا الالتباس لا يأتي عند مدام ليوتو فقط بل عند البطل ذاته فهو لا يرى في نفسه الطالب المبتعث بل المهاجر، ومثل هذه الرؤية سمحت له بأن يستدعي ذاكرة السفر وأن يستعرض سيرة المهاجر الأول من قريته، كما حدت به إلى أن يبجل السفر كما يبجل الرقص. كذلك فإن صفة المهاجر تمنحنا دلالة أكثر عمقاً من صورة الطالب المشغول بالدراسة ونزوات الشباب. المهاجر هنا يأخذ حلمه معه ويسكنه وطنه البديل.. يكون حميماً مع ذلك الوطن، لذا فإنه وجد في 'رويان' قريته البديلة التي تتمتع بمزايا قريته الأصلية على مستوى الطبيعة غير أنها تفوقها بمزايا أخرى كالحرية والطقس الاجتماعي المفتوح. من هنا جاءت محبة المكان طاغية، فهو يقول 'الحقيقة إنني أحببت هذا البيت الحجري الأنيق وتعلّقت بالأشجار كلها'. أيضا هناك أمر آخر لا بد من الإشارة إليه وهو أن أبطال النص لم يتعرضوا لصدمة الحضارة ولا توجسوا من فوارق باريس مقارنة بالقرية، وأعتقد أن وراء تجاوز هذا الأمر هو أن السفر إلى تلك المدينة جاء بدافع الشغف. كذلك يبدو أن أبطال النص لديهم إحساس بجفوة المكان المحلي، وعليه فقد لعبت باريس دور البديل المرهف المناسب. وعلينا أن نرصد حضور المكان الباريسي في ذاكرة أبطال الرواية على مستوى أزمنة مختلفة، لكن الغرام هو الغرام بالمكان . ربما تلك الأمكنة لا تمسها رياح التغيير بسهولة لذا فإنّ شواهدها تظل رفيقة الذاكرة وهذا ما كان لسعيد وصاحبه في الرواية. فليس هناك موسم للهجرة لا إلى الجنوب ولا إلى الشمال، ولكن هناك سفر دائم، حيث الهوية ليست 'علبة شديدة الإحكام'، وليست تحيزا مكانيا، ولكنها تعبئة فضائية نفسية، فحيث توجد الحرية والطقس الاجتماعي المفتوح توجد إقامة سعيد. - خلاصة وتركيب : لا شك أن الروائي السعودي معجب الزهراني أنتج في 'رقص' رواية متوترة تدلل على واقع محلي وعربي مرهق، وتشخص ملامحه بقوة في حبكة تفوح بعبق التاريخ والعشق والجمال. وإذا كانت الرواية تستند في إنجاز ذلك التمثيل إلى بطل سارد يبدو كما لو أنه ينوب عن المؤلف في نقد جور الزمان وتسلطه على أهل الرأي والمعرفة، فإنها بذلك تبنين أبعادها الواقعية وفق نسق خاص. فما يُحدِّثُ به البطل الروائي يشي بتميزه في لغة تتمرد على اللغة التقريرية المباشرة، وتقف على مسافة منها. فهي لغة تحتشد كثافة ومجازات وتفيض صورا ومعاني ودلالات كما لو أن الزمان الذي جار بهذه الشخصية وتسلط عليها وسعى إلى إسكاتها لا يمكن الاحتجاج عليه إلا بلغة ليست منه، لأنها تتغذى بالخيال الذي هو كشف وإظهار واتصال بنور إلهي ينفذ إلى الكون فيجعله جليا في وجوده، بينا في مرآته الصقيلة. لذلك كله، تأخذ شخصية سعيد وجودا خاصا تتدخل اللغة في تحديد عناصره ومقوماته. وبما أن الرواية تنجز حفرا عميقا في الذاكرة الفردية والجماعية لقبائل وجهات وهوامش ومراكز، بالعربية السعودية، وتنفتح على مرجعيات نصية متعددة، كما تستثمر آليات سردية مختلفة تعكس حوارها مع التجارب الروائية الكونية فإن ذلك كله يؤكد أن التعامل معها من منطلق الإمكانات التخييلية والسردية التي تحققت لها بالانفتاح على النص االأوطوبيو-تخييلي لا يعني أنها تتحرك في دائرة ما يقرره ذلك النص. وما قيمة الرواية إذا لم تجرؤ على زحزحة اليقينيات المزعومة ومساءلتها بهدف تجديد المعرفة بها. ومعجب الزهراني لا يمنح الرواية تركيبها الخاص وحسب، بل، ومخلصا دائما للخلق والإبداع، لا يكف عن تطوير لغة سردية خاصة به ولا يضارعه فيها أحد. فمفرداتها مصقولة بعناية فائقة وصورها ثمرة اشتغال يمتزج فيها التشكيل التجريدي والسرد الواقعي والفانتازيا. وهذا ما مكنه من توسيع أفق الرواية لاحتضان وجوه رسمت ملامحها وقسماتها بمهارة فنية، لكأنها أكثر انتماء لزماننا هذا. بهذا المعنى تفتح رواية 'رقص' إمكانات متعددة لإعادة قراءة وقائع وأحداث وتواريخ وممارسات، كما تنجز استبصارات عميقة في شخصية سعيد عبر استدراكات المخيلة.

alsaudiatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رقص رواية للكاتب السعودي معجب الزهراني رقص رواية للكاتب السعودي معجب الزهراني



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 09:30 2016 الأربعاء ,11 أيار / مايو

لازم يكون عندنا أمل

GMT 05:34 2020 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

"قبعات التباعد" سمحت بعودة الدراسة في الصين

GMT 11:29 2020 الخميس ,05 آذار/ مارس

أعمال من مجموعة «نجد» تعرض في دبي 9 الجاري

GMT 14:43 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح من أجل محاربة الأرق عن طريق الوجبات الخفيفة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab