فن السخرية في أدب الجاحظ كتاب اختار نصوصه وقدم إليها أحمد عكيدي تضمن بعضا من نصوص أديب العرب الأكبر والذي امتازت كتاباته بالنقد الساخر للسلوكيات الاجتماعية الخاطئة مستندا في ذلك إلى ما أوتي من براعة وسعة خيال.
ويرى الباحث عكيدي في مقدمة الكتاب أن فن السخرية في الأدب من الموضوعات الطريفة التي يروح بها الأديب عن نفسه وعن مجتمعه وغرضه من ذلك هو النقد أولا والإضحاك ثانيا مبينا أن الأديب الساخر يكون متعاليا بنفسه ولا يأبه بمن حوله.
ويبين عكيدي أن الجاحظ هو عمر بن بحر بن محبوب الكناني ابو عثمان كبير أئمة الأدب ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة ولد في البصرة عام 780 ميلادية ومات فيها عام 869 ويعد من كبار مثقفي عصره ووصل ولعه بالكتب والقراءة لدرجة أنها تسببت بموته عندما وقعت على صدره مجلدات فقتلته.
ويوضح عكيدي أن الجاحظ الذي أولع بالمزاح دافع عنه ونفر من المتزمتين الوقورين حتى قال أبو بحر “ولو استعمل الناس الرصانة في كل حال والجد في كل مقال لكان السفه خيرا لهم والباطل محضا أرد عليهم ولكن لكل شيء قدر ولكل حال شكل فالضحك في موضعه كالبكاء في موضعه”.
ويرى عكيدي أن الجاحظ اعتمد على إبراز الصورة كما يراها الرائي وكما يرسمها المصور الماهر فكان يخرجها لوحات فنية بارعة لا يغادر من مقوماتها شيئا في دقة ملاحظة وخصوبة خيال لا تكلف فيها ولا تصنع ولا مبالغة وكان مستشفا الحركات الشعورية متغلغلا في الخفايا النفسية مستنبطا للإحساسات الخفية متأثرا ببيئته وبما اطلع عليه من كتب وثقافات.
كما اطلع الجاحظ وفق ما جاء في الكتاب على آداب الفرس وحكمة الهند وفلسفة اليونان ففصح لسانه ووضح بيانه وغزر علمه وقويت حجته وسلم منطقه وعظم علمه بعجائب المخلوقات وطبائع الكائنات.
وأشار عكيدي إلى أن الجاحظ تعدى المعرفة إلى التجربة والاستنباط ولم يكن يكتفي بالكتب يأخذ منها والأستاذة يرتشف من علومهم بل كان يغشى سوق المربد في البصرة يتلقف الكتب مشافهة من الأعراب ويحضر مجالس الادباء والشعراء ويسمع إشعارهم ومحاوراتهم و يتأمل ويوازن ويقارن وكان له في النقاش والجدل والمناظرة باع طويل.
وجاء في الكتاب أن الجاحظ ربط في واقعيته بين الأدب والحياة فرسم صورة صادقة لها يصورها كما يراها ويحسها بحرية لا حدود لها من هنا كتب لأدبه الخلود.
ووفق عكيدي فإن الجاحظ خلق من السخرية فنا أدبيا وطيد الأركان بقدرته على التصرف في فنونها وتنويع أشكالها وضروبها وكان يقدر على السخرية ويوفيها حقها فكان حلو الحديث بارع التصوير دقيق المقارنة حاضر البديهة.
كتب الجاحظ في البخل والنفاق والتطفل والإهمال والكذب والمبالغة والادعاء والخوف والجبن والقصور العقلي وعندما غاص في باطن البخيل صور للقارئء دواخله ومسببات بخله بأسلوب فني ذي أسس.
كتابات الجاحظ تدل على أن القصة القصيرة جدا هي من ابتكاراته وهو أول من كتبها وليس للعصر الحديث علاقة بإيجادها حيث تجلت في كثير من كتاباته مثل قصة “مبادلة” و”صدقت” و”قرب الحج” و”جهد جهيد” و”علامة” و”لا أدري” وغير ذلك الكثير.
يذكر أن للجاحظ مؤلفات منها الحيوان والبيان والتبيين وسحر البيان والبخلاء والمحاسن والأضداد والتبصر بالتجارة ومؤلفات أخرى عديدة.
أرسل تعليقك