يبدأ الدكتور محمد حسن عبدالله كتابه "الحب في التراث العربي"، بالحديث النبوي: "الأرواح جنود مجندة ، ما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف".
ويقول الباحث أحمد عزيز زريعة؛ أحد تلاميذ الدكتورمحمد حسن عبد الله، في قراءة نقدية لهذا الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى منذ ربع قرن: إن الحب هو جوهر الحياة، وسر السعادة، أصل العلاقة بين البشرِ، أرواح الديانات السماوية كلها وبغيتها التي أرسلَت من أجله، وهو أغلى ما يمكن أن يمنحه الإنسان في حياته، فالحب عقيدة راقية.
ومن الأسباب التي دفعت المؤلف لكتابة كتابه أنه يرى أن الحب شديد الإغراء، والتأليف فيه سهل الانزلاق، وقد اعتمد على كتب التراث، ولم يتطرق إلى المعاصرين إلا إلماما إنصافا للقدماء وتحريرا لرؤيته من أية أفكار مسبقة، وقد حاول أن يحقق التوازن بين الجدية والترفيه، وبين الجهامة والمداعبة وذلك حسبما يقول ليس إرضاء الناس كافة، فهو غاية لا تدرك؛ إنما لأن ذلك هو الطريق الوحيد لتأليف كتاب عن الحب.
وقد أورد المؤلف عن الأصمعي أنه سأل أعرابية عن العشق، فقالت: "جل والله عن أن يرى، وخفي عن أبصار الورى، فهو في الصدور كامن ككمون النار في الحجر، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى".
ويذكر أيضا أن العرب عرفت الحب في كل العصور، ففي العصر الجاهلي عرف الحب في مستوياته جميعا، الحسية والعذرية، الطبيعية والشاذة، بين الفتيات وبين العشاق من أزواج وزوجات وعواهر، وأشعار امرئ القيس وحده يمكن أن تجد فيها الألوان من الحب على اختلاف مستوياتها.
ويضيف وحين جاء الإسلام لم يك الحب أو العشق من الكلمات المحرمة أو المكروهة، بل كانت تتداول بين الصحابة باللفظ أو المعنى، فعبد الله ابن عمر كان قد اشترى جارية رومية، وقد أحبها حبًا جمًا، فالصحابة بشر، أداؤهم للفرائض وتطلعهم إلى الله لا يعني العجز عن تذوق الجمال أو رفض المباح من متع الدنيا".
وبعد ذلك يؤرخ صاحب الكتاب للأحقاب الزمنية عند العرب حتى انطلق الحب من الشعور الفردي إلى التصور الكوني بداية من الأمويين حتى العباسيين إلى أن انتشر الحب مع اتساع حركة الفتوحات وتنوع مناهل الثقافة العربية والترجمة.
وقد أرخ المؤلف لأصناف شتى من المهتمين بالحب: فقهاء وفلاسفة وأطباء ومنجمين ومصنفين في كل فن، حتى تجار العطارة أوضح تأثيرهم الفعال ببضاعتهم وتركيب وصفات لها تأثير سحري موقد لعواطف الهوى والعشق، فضلا عما أورده عن أخبار الشعراء والقصاصين، فقد كان الحب هو عماد صنعتهم ومحور تجارب أكثرهم. ويختم المؤلف كتابه بقوله "الحب عاطفة جديدة، ومستمرة، تظل في حالة تفاعل ما عاش الإنسان".
وكتاب "الحب في التراث العربي" للدكتور محمد حسن عبدالله جاء في عشرة فصول هي كالآتي على التوالي: من الهامش إلى الصميم، هذا الصنف من المؤلفين، الحب فكرة وسلوك، الحب والجنس، الحب من البداية إلى النهاية، روافد واتفاقات، الحب في الدراسات الموسوعية، قصص الحب، حسيون وعذريون، الطريق إلى رؤية جديدة.
ويقول الباحث أحمد عزيز زريعة إن خلاصة ما يريد أن يقوله شيخنا محمد حسن عبد الله ــ هو أن الحب حضارة، والحب هو الحياة، إذ أنه لا يقل أهمية عن الهواء والماء، وللعرب صلة بالفن القصصي المعبر عن الحب والكواكب، وفي سردهم لتاريخ القبائل البائدة، ويمكن لنا أن نلاحظ الحب بقوة في قصص العذريين وقصص المتصوفة حتى عصر المقامات.
وقد درس المؤلف عدة كتب عربية قديمة تم تأليفها في الحب، منها كتاب "الفرج بعد الشدة" للقاضي التنوخي الذي تضمن بابا كاملا تحت عنوان "في من نالته شدة في هواه"، والكتاب جمع قصص المحبين وما نالهم من الشدائد وكيف فازوا بلذة جمع الشمل بعد الصبر على المكروه.
ونهاية ، فالدكتور محمد حسن عبد الله يقدم مادة كتابه في شكل علمي تاريخي رائق حد الاندهاش، ومازال عطاؤه مستمرا حتى الآن فهو نهر فياض من الإبداع والفكرة فله غمرة فيض من المحبة على ما قدمه للثقافة والمعرفة.
وقد استغرب الباحث أحمد زريعة اختفاء الأفلام الرومانسية القديمة والجميلة وقلة إعادة عرضها، وندرة الأعمال الروائية التي تلتمس في موضوع الحب السامي محورا لها، والمصورة لوجدان أفراد المجتمع والمعالجة لهذه القضية القومية، فالحب حياة وحضارة.
أرسل تعليقك