لعل جائزة بوليتزر الأمريكية الشهيرة لم تعمد هذا العام لمفاجأة النقاد عندما أعلنت فوز رواية "ليس" بجائزة الرواية وإنما شكل هذا الإعلان مفاجأة لمؤلف الرواية اندرو جرير الذي قال إنه لا يكاد يصدق تتويجه بهذه الجائزة.
فكثير من النقاد في الصحافة الثقافية الأمريكية والغربية عموما أشادوا من قبل بهذه الرواية ومن ثم فإن إعلان فوزها بجائزة بوليتزرمساء أمس الأول الاثنين لا يشكل مفاجأة لهم وإن أصر المؤلف اندرو جرير على التعبير عن شعور عارم بالمفاجأة حتى بدا أنه لن يصدق فوزه حتى يتسلم الجائزة رسميا في احتفالية تقام في شهر مايو المقبل.
والرواية الفائزة تحمل اسم بطلها "أرثر ليس"؛ الذي يقف على حافة ال50 عاما واختار له المؤلف أن يكون بدوره من كتاب القصة فيما تجتاحه مشاعر بالإهانة والإذلال والإحباط سواء على مستوى الحياة أو العمل.
وبصرف النظر عن أبعاد حسية تقبلها الثقافة الغربية رغم تحفظات ثقافات أخرى في العالم تنظر لمثل هذه الأبعاد باعتبارها غير سوية، عمد جرير البالغ من العمر 47 عاما وهو ابن سان فرانسيسكو إلى رسم ملامح نفسية بطله بصورة توميء لآلام المثقفين والمبدعين عبر إضاءة مكثفة لمعاناة "آرثر ليس" الذي لا يقبل الدعوات لحضور فعاليات ثقافية وأدبية إلا على مضض وإن كان لا يكف عن الترحال وجولات مفعمة بروح الملهاة والمآساة معا وجامعة ما بين مواقف مضحكة وهزلية وأخرى حادة ومريرة.
وهكذا يتجول بطل الرواية الفائزة بأهم الجوائز الثقافية الأمريكية هذا العام ويشد الرحال بين نيويورك وباريس وبرلين والمغرب وجنوب الهند وكيوتو في اليابان، فيما يلاحظ الناقد كريستوفر بوكلي في جريدة "نيويورك تايمز" أن الأجواء القاتمة والسوداوية التي تخيم أحيانا على صفحات هذه الرواية لم تحل دون شعور القاريء بالمتعة.
فقد نجح الكاتب اندرو شين جرير في إبداع رواية تنبض عبر 263 صفحة بمشاعر إنسانية ومواقف طريفة وأحيانا مبهجة رغم مشاعر المرارة التي تجتاح بطل روايته وقد "تتولد هذه المواقف الطريفة بل والمبهجة أحيانا من قلب مآساة "أرثر ليس" وذاته المعطوبة في ترحاله حول العالم غربا وشرقا".
ومن هنا ذهب بوكلي إلى أن الرواية واحدة من أكثر الروايات والقصص المفعمة بالمشاعر الإنسانية واللحظات الطريفة والمفارقات التي قرأها على مدى سنوات.
وللقاص والروائي الأمريكي اندرو جرير 6 أعمال أدبية من بينها قصص وروايات لفتت الأنظار من قبل مثل "اعترافات ماكس تيفولي"، و"حكاية زواج"، غير أنه أعرب فور الإعلان عن فوز "ليس" بجائزة بوليتزر هذا العام عن شعور عارم بالدهشة.
ورغم شعوره بالدهشة لفوز رواية "ليس" بجائزة بوليتزر، فإنها لفتت الأنظار منذ أن صدرت في منتصف العام الماضي وتناولها نقاد باهتمام في الصحافة الأمريكية كما اختارتها صحيفة "واشنطن بوست" ضمن قائمة أفضل 10 كتب لعام 2017 وكذلك فعلت صحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل".
ومع ذلك، قال اندرو جرير، في تدوينة على "تويتر"، "لا أحد يشعر بالمفاجأة والدهشة أكثر مني بعد الإعلان عن فوزي بجائزة بوليتزر.. أكاد لا أصدق"، فيما لم يغفل شعوره بالارتياح حيال القيمة المادية للجائزة، فضلا عن الطفرة المتوقعة في مبيعات هذه الرواية وغيرها من أعماله بعد أن توج بأهم جائزة ثقافية في الولايات المتحدة.
وإذا كان من الطبيعي أن تكون الرواية المتوجة بجائزة بوليتزر هذا العام والتي كان بطلها من الأدباء حافلة بإشارات حول المنتديات الأدبية والأوساط الثقافية وحتى تقنيات الكتابة وما يعرف بالورش الإبداعية، فإن جوائز بوليتزر التي تحمل شعار "التفوق في الصحافة" وتوصف أحيانا بأنها "أوسكار الصحافة" لا يعد الأدب يتيما تماما على مائدتها.
وفيما يترقب الصحفيون كل عام نتائج الإعلان عن هذه الجوائز التي تحمل اسم الصحفي الأمريكي جوزيف بوليتزر ويرجع تاريخها إلى عام 1917 وتوصف بأنها من أعرق التكريمات في مجال الصحافة على مستوى العالم، فإن النقاد بدورهم ينتظرون كل عام إعلان اسم الرواية التي فازت بالجائزة.
ومن ثم فإن لجوائز بوليتزر التي تمنحها جامعة كولومبيا فى نيويورك أهميتها في الحياة الثقافية الأمريكية والرواية الفائزة تقفز بسرعة لصدارة قوائم المبيعات..وهى جائزة تترقبها دوما دوائر صناعة النشر، حتى أن حجبها عام 2012 آثار صدمة في الأوساط الأدبية ودور النشر الأمريكية.
وإذا كانت جوائز البوليتزر الأكاديمية الأمريكية فى الأدب لا ترقى لمصاف جوائز نوبل، فإن البوليتزر التى تجاوزت عامها المائة لا تقل أهمية عن جوائز المان بوكر البريطانية وتمهد الطريق أمام الفائز ليصبح نجما عالميا وهو ما يتوقع حدوثه مع مؤلف رواية "ليس" كما ماحدث مع روائيين وشعراء أمريكيين سبق وأن فازوا بهذه الجائزة التى تجعل صاحبها مسموع الكلمة فى وسائل الإعلام بقدر ما تحقق لأعماله من رواج كبير داخل الولايات المتحدة والدول الناطقة بالإنجليزية.
وفي العام الماضي كان فوز المبدع الليبي هشام مطر بجائزة بوليتزر في أدب السيرة الذاتية عن روايته "العودة" حدثا هاما للإبداع العربي ككل بقدر ما يمثل فرصة للاطلاع على عالم هذا الكاتب والروائي الذي عاش شطرا من سنوات الصبا في مصر.
وتتوزع جوائز البوليتزر بين مجالات الصحافة والرواية والشعر والموسيقى والمسرح والتاريخ والسيرة الذاتية والعلوم العامة، فيما يبلغ مجموع فئات الجائزة 21 فئة وهي في المقام الأول تستهدف الأعمال الصحفية المميزة وتخصص لها 14 جائزة دون أن تغفل الأعمال التي تدخل في حقل الإبداعات الأدبية والفنية والإنسانية كجائزة الموسيقى التي فاز بها هذا العام الأمريكي كندريك لامار البالغ من العمر 30 عاما وهو أول مغني "راب" يفوز بهذه الجائزة.
وفي الشعر فاز بالجائزة ديوان "نصف ضوء" للشاعر فرانك بيدارت، وفي المسرح فازت مارتينا ماجوك البالغة من العمر 33 عاما عن نصها المسرحي "ثمن الحياة" الذي تتناول فيه الإرادة الإنسانية في مواجهة الإعاقات.
أما جائزة السيرة الذاتية فكانت من نصيب كتاب "حرائق البراري.. الأحلام الأمريكية للورا اينجالس وايلدر"، بقلم كارولين فراسر، وفي التاريخ فاز جاك دافيس عن كتاب "الخليج: صنع بحر أمريكي" وهو كتاب يتعلق بخليج المكسيك.
ومنذ الإعلان عن جوائز بوليتزر في الصحافة لهذا العام تتوالى صور الفرحة بين الصحفيين الفائزين بالجائزة التي توصف بأنها الأهم على مستوى العالم، كما تتوالى أسماء الصحفيين ومؤسساتهم مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست ورويترز التي فازت بجائزتين إحداهما للتغطية الدولية والأخرى للتصوير الصحفي عن مجموعة صور حول مأساة أقلية الروهينجا المسلمة في ميانمار وفرار بعض أبناء هذه الأقلية لبنجلاديش.
ونالت صحيفتا نيويورك تايمز وواشنطن بوست جائزة التغطية المحلية مناصفة لجهدهما الصحفي في التحقيقات المتعلقة بمزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كما حصلت نيويورك تايمز على جائزة "الخدمة العامة" مناصفة مع مجلة "نيويوركر" لتغطيتهما الصحفية المتعلقة بمزاعم تحرش نسبت للمنتج السينمائي الأمريكي هارفي واينستين.
وفازت جريدة واشنطن بوست بجائزة "التغطية الاستقصائية" عن موضوع يتعلق أيضا بمزاعم تحرش نسبت لمرشح في ولاية آلاباما لمجلس الشيوخ، فيما تحرص اللجنة المانحة للجوائز الصحفية على الإعلاء من قيمتي المهنية والمسؤولية الأخلاقية.
غير أن فوز اندرو جرير، وهو أديب معروف إلى حد كبير في الولايات المتحدة والغرب، بجائزة بوليتزر للرواية هذا العام ينفي صفة المفاجأة عن هذه الجائزة باستثناء الفائز ذاته الذي لا يعرف أحد ما الذي يمكن أن يفعله لو طرقت جائزة نوبل للآداب بابه ذات عام!
أرسل تعليقك