تحيي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو " يوم الجمعة القادم اليوم العالمي للإذاعة تحت شعار"الشباب والراديو"، و تحتل الإذاعة المرتبة الأولى بين جميع الوسائل الإعلامية من حيث عدد الأشخاص الذين تصل إليهم في كل أنحاء العالم. ويأتي الاحتفال بهذا اليوم بهدف تسليط الضوء على قوة وأهمية البث الإذاعي في توصيل التعليم والإعلام والترفيه إلى الملايين في جميع أنحاء العالم.
كانت اليونسكو قد وافقت على اعتماد اليوم العالمي للإذاعة في 13 فبراير من كل عام ،وهو اليوم الذي يصادف إطلاق إذاعة الأمم المتحدة عام 1946 خلال المؤتمر العام لليونسكو في دورته 36.
وقد جاءت فكرة الاحتفال بهذا اليوم من قبل الأكاديمية الإسبانية للإذاعة وجرى تقديمها رسميا من قبل الوفد الدائم لإسبانيا لدى اليونسكو في الدورة 187 للمجلس التنفيذي في شهر سبتمبر عام 2011.
وفي عام 2012، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح إقرار اليوم العالمي للإذاعة يوماً عالمياً للأمم المتحدة ترسيخاً له كاحتفال عالمي رئيسي خلال السنوات التالية. ويهدف اليوم العالمي للإذاعة إلى الانتباه إلى مكانة هذه الوسيلة الأساسية للإعلام والاتصال في المشهد الإعلامي المحلي والعالمي والتعاون الدولي بين مختلف الإذاعات في العالم .
وأشارت إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو في رسالتها بهذه المناسبة إلى أن اليوم العالمي للإذاعة يركز بنسخته الرابعة على الشباب والشابات. وفي هذه المناسبة تدعو اليونسكو إلى تعزيز الاندماج الاجتماعي لجيل الشباب دون سن 30 الذين يمثلون أكثر من نصف سكان العالم. ونود أن نؤكد على قدرة الإذاعة على الإسهام في تحقيق هذا الهدف.
وأضافت بوكوفا أن الشباب لا يحظي بتمثيل كاف في وسائل الإعلام، وغالباً ما يتجلى في هذا الاستثناء استبعادهم الاجتماعي أو الاقتصادي أو الديمقراطي. ولا يزال عدد المنتجين الشباب أو الهيئات الإذاعية التي يتولى رئاستها شباب ضئيلاً جداً. كذلك فإن البرامج الإذاعية المخصصة للشباب أو تلك التي يصممها الشباب نادرة جداً ، ويفسر هذا النقص القوالب النمطية العديدة التي تسري في المحتويات التحريرية وعلى الموجات الإذاعية والتي تؤثر في الشباب.
وتوفر الإذاعة السبل لإحداث التغيير، فهي تروج للاندماج والتعليم والثقافة ، وهي منصة للتبادل ينبغي للشباب أن يجدوا فيها مكاناً للمشاركة والتعبير عن أنفسهم. وغالباً ما يعود الفضل إلى الشباب (أي إلى المواطنين الصحافيين أو الصحافيين العاملين لحسابهم الخاص) في تغطية الصحافة العالمية للأحداث الحاصلة في المناطق الحساسة أو الخطيرة، بحسب بوكوفا.
وذكرت بوكوفا أن كثيرين هم الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الإعلام والإذاعة. وبوسعنا أن ننقل أفكاراً أخرى ووجهات نظر مختلفة، وأن نضاعف طاقتنا الجماعية إن قدّمنا لهم دعماً أفضل وأفسحنا لهم مجالاً أوسع للتعبير ، وهذا هو هدف اليوم العالمي للإذاعة لعام 2015 الذي يتماشى مع هدف اليونسكو المتمثل في مكافحة التمييز بجميع أشكاله.
وتتيح الإذاعة أيضاً من خلال نشر المعلومات، خلق شعور بالانتماء الجماعي. فهي تساعد المجتمعات على كسر عزلتها في حالات النزاع المسلح والتوترات السياسية والمحن الإنسانية.
لقد استطاعت الإذاعة منذ البث الأول قبل ما يزيد على 100 عام أن تكون مصدر معلومات قوية لتعبئة التغيير الاجتماعي ونقطة مركزية لحياة المجتمع. ومن بين وسائل الإعلام التي تصل إلى الجمهور على أوسع نطاق في العالم في عصر التقنيات الجديدة لا تزال هذه المنصة أداة اتصال قوية ووسيلة إعلام رخيصة. وقد بدأت تكنولوجيا الإذاعة تحت صيغة "البرق اللاسلكي" ويعود هذا الاختراع إلى اختراع تكنولوجيتي الهاتف والبرق.
ولا تزال الإذاعة منذ نهاية القرن 19، عندما تم تحقيق أول البرامج الإذاعية الناجحة حتى يومنا هذا، وسيلة إعلام هامة أكثر من أي وقت مضى. ومع مجيء التكنولوجيات الجديدة وتلاقي وسائل الإعلام المختلفة، أخذت الإذاعة بالتحول والانتقال إلى منصات بث جديدة مثل الإنترنت ذات النطاق العريض والهواتف الخلوية والصفائح الرقمية. وتلعب الاذاعة دوراً هاماً في الأمن والسلام في ظل فوضى النزاعات والكوارث الإنسانية يسهل إغفال أن جميع المعلومات التي نعتمد عليها تنبع من أرض الواقع.
وغالباً ما يعرض مهنيو الإعلام والمرافقون المحليون أنفسهم لمخاطر جسيمة في أكثر بقاع العالم خطورة وتقلباً. وكثيراً ما تحتل الإذاعة بوصفها الوسيط الإعلامي الأوسع نطاقاً والأكثر متانة مكان الصدارة في هذه الجهود المبذولة لجمع معلومات موثوق بها في أصعب الظروف.
لكن التغير الشديد الذي طرأ على المشهد الإعلامي قد دفع العديد من الصحفيين الدوليين المستقلين إلى السفر إلى هذه المناطق دون الحد الأدنى من الأمن أو الدعم اللازمين من الوكالات والمنظمات التي تعتمد عليهم في الحصول على المعلومات. وكثير منهم شباب يواجهون المخاطر لإثبات جدارتهم في قطاع يزداد تنافساً.
ويكون الوضع أحياناً أكثر خطورة بالنسبة إلى المرافقين المحليين الذين يتولون مهام الترجمة ومساعدة الصحفيين على الصعيد المحلي. إذ كثيراً ما يتعرضون للشبهات والانتقامات دون أية حماية مادية أو قانونية.
وينتمي اليوم أكثر من 1.8 مليار نسمة في العالم أي أكثر من ربع سكان العالم إلى الفئة العمرية المتراوحة بين 10 و24 عاماً. وفي الشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية تبلغ نسبة السكان من هذه الفئة العمرية 40٪ بينما تصل إلى 60٪ في أفريقيا. ومع ذلك فإن مشاركة الشباب منخفضة للغاية في محطات الإذاعة العالمية ، ولم ينتج الشباب إلا جزءاً بسيطاً للغاية من البرامج ، ويعزى ذلك جزئياً إلى الصعوبات التي يواجهها الشباب للعمل في قطاع الإذاعة. وفي الواقع لا تحتفظ أية مؤسسة أو منظمة تقريباً بأية بيانات عن حجم المضمون الإذاعي الذي ينتجه الشباب.
وتحقيقاً لمزيد من الشمولية، يتعين على هيئات البث أن تبذل المزيد من الجهود لتعزيز مشاركة الشباب واندماجهم فيها من خلال المحاور الثلاثة التالية: إذاعة تستهدف المستمعين الشباب وتتناول قضايا الشباب، وتضم لقاءات مع الشباب وشهادات من الشباب ؛ برامج إذاعية تضم شباباً في فريق الإنتاج ونقل الدراية العملية والخبرات المتعلقة بالإنتاج الإذاعي من جيل إلى جيل ؛ إذاعة ينتجها الشباب كمنتجين ومقدمين وصحفيين. فبدون ربط الأجيال لا أمل في تسخير إمكانات الإذاعة كناقل شامل للثقافة والتعليم والإعلام.
وقد برزت في السنوات الـ 10 الأخيرة مجموعة متنوعة من المشاريع الإذاعية الخاصة بالشباب في مختلف أنحاء العالم من بوليفيا إلى بنغلاديش مروراً بنيويورك ونيودلهي ووصولاً إلى كينشاسا وكوالالمبور. وباتت الإذاعات تدرك أهمية إشراك الشباب في العمل الإذاعي. فمن خلال تمكين الشباب من الاضطلاع بدور رائد في مجال البث الإذاعي ، وتوفر الإذاعات فرصاً للحوار وتزيد عدد مستمعيها في صفوف الشباب.
وفي حين أن الشباب لديهم الكثير من الأفكار التي يرغبون في التعبير عنها، فإنهم يفتقرون في الكثير من المجتمعات المحلية إلى المنابر التي تمكنهم من مناقشة التحديات التي يواجهونها والتعبير عن شواغلهم وتبادل تجاربهم مع الآخرين. وفي المجال الإعلامي غالباً ما يشعر الشباب بأن وسائل الإعلام التقليدية تهمل قضاياهم ولا تمثلهم بالطريقة المناسبة. وفي المجتمعات المحلية غالباً ما يشعرون بأنه يتم استبعادهم من النقاشات العامة المتعلقة بالقضايا التي تهمهم.
ومن شأن الإذاعات أن تؤدي دوراً مهماً في عكس هذا الاتجاه عن طريق مساعدة الشباب على تمثيل أنفسهم والتحدث عن المسائل المهمة بالنسبة إليهم. وتصل البرامج الإذاعية إلى أكثر من 95% من سكان العالم. وقد تجاوز عدد سكان العالم عتبة 7 مليارات مع الإشارة إلى أن الأشخاص ما دون سن الثلاثين يمثلون أكثر من نصف هذا العدد ، وهذه الإحصاءات هي دليل على ضرورة أن تبادر هيئات البث الإذاعي إلى إعداد المزيد من البرامج الإذاعية بالتعاون مع الشباب ومن أجلهم.
ويعتبر رئيس الأساقفة دسموند توتو أن "الإذاعة هي أهم الوسائل الإعلامية على الإطلاق في القارة الأفريقية. فهي تزود الناس بالأخبار والمعلومات وتوفر منبراً لمناقشة مختلف القضايا المهمة. والإذاعة هي المكان الذي يتيح لأفراد المجتمعات المحلية التحدث مع الآخرين ومناقشة المسائل التي تهمهم والتوصل إلى حلول لما يواجهونه من مشاكل".
والإذاعات هي وسيلة تمكن الشباب من التحدث عن القضايا الحرجة أو المسائل التي تعتبر من "المحرمات" وتساعدهم على حشد طاقات المجتمعات المحلية من أجل العمل. ويمكن إنتاج البرامج الإذاعية وبثها وتوزيعها بتكلفة معقولة. ولا يستلزم العمل الإذاعي إلا القليل من الخبرات التقنية ويتمتع الشباب عادة بالقدرة على فهم مفاهيم البث الإذاعي واكتساب المهارات اللازمة لتطبيقها بسرعة.
ومع أن الشباب لا يملكون جميعهم بالضرورة جهاز راديو، فإن الكثيرين منهم يتمكنون من الاستماع إلى البرامج الإذاعية التي يحبونها. والهدف من إشراك الشباب في البث الإذاعي لا يتمثل فقط في إعداد جيل جديد من الإذاعيين، ذلك لأن الخبرات التي تكتسب في الإذاعات في سياق أنشطة التواصل والبث يمكن الاستفادة منها في الكثير من مجالات الحياة. فتعلم تقنيات البث وأساليب إجراء البحوث والمقابلات يعزز ثقة الشباب بأنفسهم ويساعدهم على تنمية مهاراتهم في مجال الاتصال والتفكير النقدي. والإذاعة ترافق الناس أينما ذهبوا، وهو أمر يتيح لهم أن يعيشوا تجارب شخصية مميزة وأن يستمعوا إلى مواضيع تهمهم يمكنهم التفكير فيها بمفردهم أو مناقشتها مع الآخرين.
ويتناول الإذاعيون الشباب مجموعة متنوعة من المسائل التي تهمهم، منها ما هو جدي ومنها ما هو مسل. وتتيح أساليب التواصل التي يستخدمونها في العمل الإذاعي فهم المواضيع المطروحة بسهولة. ولا يزال الشباب يشكلون تحدياً بالنسبة للإذاعة. وغالباً ما نسمع الناس يقولون عن إذاعة ما إنها "شبابية"، وذلك لكونها تبث الكثير من الموسيقى الرائجة الموجهة للشباب والمراهقين، وتتفادى المضامين الاجتماعية والسياسية، وتقدم برامج منوعة وغير منتظمة.
لكن الإذاعة الشبابية أو تلك التي تستهدف جمهور الشباب لا تتعارض بالضرورة مع المضامين أو التوجهات ذات الطابع الاجتماعي والسياسي الصريح. كذلك لا تتنافى المضامين أو التوجهات السياسية المثبتة مع الموسيقى أو البرامج الترفيهية. وهذا تحد من أهم التحديات التي تواجهها الإذاعة وأكثرها استفزازاً وغرابة.
إن تمتع إذاعة ما بأرضية راسخة هو من العوامل التي تسهم بلا شك في ضمان تماشي المضامين الاجتماعية والسياسية مع اهتمامات الشباب. فقد أظهرت لنا التجربة أن الإذاعة المتأصلة في مجتمع ما، بوصفها وسيلة إعلامية استقصائية معنية بالجوانب الاجتماعية، تحقق نسبة استماع مرتفعة للغاية بين السكان الذين تتوجه إليهم برامجها وتسهم في تعزيز الروابط بين المجتمع والإذاعة.
إن موضوعات أساسية مثل المساواة بين الجنسين وبخاصة مكافحة العنف ضد المرأة، والمحافظة على الموارد الطبيعية وعلى أراضي المجتمعات المحلية ، والترويج للأعمال الفنية والثقافية ، والدفاع عن الحق في التعليم، كانت ولا تزال تشكل موضوعات تستقطب اهتمام الشباب. وينبغي تشجيع الشباب على المشاركة بشكل مباشر في إعداد البرامج الإذاعية ، كما ينبغي وضع برامج تدريبية موجهة للشباب في المجتمعات المحلية بهدف تقريب الإذاعة من حياتهم اليومية ومن بيئتهم، وتنظيم أنشطة موجهة للشباب تعنى بالمسائل الفنية والثقافية ، وإضافة إلى ذلك تستهدف برامج الإذاعة الشباب بوصفهم مستمعيها ذوي الأولوية فتتضمن برامجنا فقرة يومية تتوجه إلى الشباب بشكل حصري ، في حين تتيح برامج ثقافية وفنية أخرى لشباب ينتمون إلى أحياء ومجتمعات محلية مختلفة القيام بالتبادلات فيما بينهم، شأنها شأن الشبكات الشبابية الرامية إلى تعزيز الأنشطة الثقافية.
ولما كان للشباب دور مهم في قيادة العمل الاعلامي في المستقبل من خلال اعطائهم الفرصة للتعبير عن رأيهم وإخراج طاقاتهم وإبداعاتهم تحت إشراف الرعيل الأول من الإعلاميين, فإننا وسائل الاعلام والمؤسسات الصحفية مدعوة لمنح الصحفيين والاذاعيين من الشباب بشكل خاص مجالا اوسع لاخذ دورهم في المشهد الابداعي وليساهموا في نشر الوعي المجتمعي من خلال هذه الوسيلة الاعلامية الفذة (الراديو). وتبقى الإذاعة الاوسع انتشاراً في العصر الرقمي بفضل الاتصال الدائم للناس عبر الحواسيب والأقمار الصناعية ووسائل التواصل المتحركة.
أرسل تعليقك