كشفت خبير التنمية البشرية، ومدرب عام تنمية بشرية المعتمد من جامعة كندا، إيمان الريس أنَّ هناك العديد من الحلول للتغلب على مشكلة عناد الأطفال،
وأوضحت الريس، في حديث إلى "العرب اليوم"، أنَّ "الطفل يرفض ما يؤمر به، أو يصر على تصرف ما، وهذا ما يسمى بالعناد، ويتميز العناد بالإصرار وعدم التراجع حتى في حال الإكراه، وهو من اضطرابات السلوك الشائعة، وقد يحدث لمدة وجيزة، أو مرحلة عابرة، أو يكون نمطًا متواصلاً، وصفة ثابتة، وسلوكًا وشخصية للطفل".
وأشارت إلى أنه "قد يكون عناد الطفل عبارة عـن رسالة يرسلها لمن في محيطه، تعبر عـن حال معين يمر به، كإحساسه بأنه غير محبوب، أو غير مرغوب فيه، وشعور الطفل بالكبت وتضييق الخناق عليه".
وأضافت "قد يظهر العناد كردِّ فعل من الطفل ضد الاعتماد الزائد على الأم، أو الاعتماد الزائد على المربية أو الخادمة، و من مظاهر العناد عند الطفل التصلب في الرأي، والجمود في التفكير، ما يثير دهشتنا ويصيبنا بالضيق والحرج، فالطفل مثلاً لا يريد أن يستمع لتوجيهات الكبار، ولا يحب أن يفعل إلا ما يريده هو، حتى لو كان ذلك الفعل غير سليم، أو لا يتماشى مع المنطق والعقل".
وبيّنت أنه "من الأمور الأخرى أيضًا التي تدل على عناد الطفل هو رفضه لأمور مهمة، مثل النظافة، وغسل الوجه، والاستحمام، وتناول كوب الحليب، والنوم في الموعد المحدد، فيبدو مقاومًا متشبثًا برأيه، رافضًا توجيهات الكبار، وقد يكون هذا الأمر مقبولاً في مرحلة الحضانة، لكنه غير مقبول في مراحل العمر التالية للطفل".
ولفتت إلى أنه "قد يفسر بعض الآباء والأمهات هذا العناد على أنه دليل قوة شخصية الطفل، والحقيقة أنَّ هذا الفهم خاطئ، لأنَّ أسلوب العناد غير السوي يعبر عن ممارسات سلبية تبعد الطفل عن التفاعل الاجتماعي السليم، فليس العناد تعبيرًا عن احترام الذات بقدر ما هو أسلوب يعبر عن المشاكسة".
وأردفت "يرتبط العناد بالقسوة والعدوانية، فنلاحظ أنَّ بعض الأطفال الذين يتصفون بالعناد تبدو عليهم ميول عدوانية، وكذلك بعض القسوة، ويتجلى ذلك في بعض تصرفاتهم، فنراهم يمزقون الملابس، ويحطمون التحف الغالية، أو يعتدون على الحيوانات، أو يستخدمون الأقلام استخدامًا سيئًا، فيشوهون بها الجدران في المنزل أو المدرسة، وهذه التصرفات الغريبة قد تجعل الطفل يشعر بالقوة ويفخر بنفسه".
وكشفت الريس أنَّ "للعناد مرحلة أولى، وهي حينما يتمكن الطفل من المشي والكلام قبل سن الثلاثة أعوام من العمر، أو بعد العامين الأوليين، وذلك نتيجة لشعوره بالاستقلالية، ونتيجة لنمو تصوراته الذهنية، فيرتبط العناد بما يجول في رأسه من خيال ورغبات، أما المرحلة الثانية فهي العناد في مرحلة المراهقة، الذي يأتي العناد تعبيرًا للانفصال عن الوالدين، ولكن عمومًا ومع مرور الوقت يكتشف الطفل أن العناد والتحدي ليسا هما الطريق السوي لتحقيق المطالب".
وأبرزت أنَّ "هناك عناد مستحب وغير مستحب، فهناك عناد الإرادة وهو أن يتحدى الطفل نفسه لإعلاء إرادته، وفي هذا الحال يجب أن يُشجَّع ويُدعَّم ، فقد نرى الطفل يُصر على تكرار محاولته، كأن يصر على محاولة إصلاح لعبة، وإذا فشل يصيح مصرًا على تكرار محاولته".
وأكّدت أنَّ "البعد عن إرغام الطفل على الطاعة من أهم طرق معالجة العناد، إذ يمكن أن نغض الطرف عنه، ونستجيب لما يريد هذا الطفل، ما دام تحقيق رغبته لن يأتي بضرر"، لافتة إلى أنَّ "هناك العناد الأكثر وعيًا، بتصميم الطفل على رغبته، وذلك قد يؤدي إلى مشاكل، كأن يصر الطفل على استكمال مشاهدة التلفاز، على الرغم من محاولة إقناع أمه له بالنوم، حتى يتمكن من الاستيقاظ صباحًا للذهاب إلى المدرسة، وفي هذا الحال يفضل إشغال الطفل بشيء آخر، والتمويه عليه إذا كان صغيرًا، ومناقشته والتفاهم معه إذا كان كبيرًا".
وتابعت "هناك العناد مع النفس، وهنا الطفل يعاند نفسه، ويعذبها، فيرفض الطعام وهو جائع، على الرغم من محاولات أمه وطلبها إليه تناول الطعام، وهو يظن بفعله هذا أنه يعذب نفسه بالتَّضوُّر جوعًا، والحل هنا هو الحوار الدافئ المقنع غير المؤجل، من أنجح الأساليب عند ظهور موقف العناد، حيث أنَّ إرجاء الحوار إلى وقت لاحق يُشعر الطفل أنه قد ربح المعركة دون وجه حق".
وبيّنت الريس أنَّ "هناك العناد الفسيولوجي، وهو يظهر نتيجة بعض الإصابات العضوية للدماغ، مثل أنواع التخلف العقلي، إذ يمكن أن يظهر الطفل معها في مظهر المعاند السلبي".
وشدّدت على أنه "ينبغي ألا نقابل مقاومة الطفل بمقاومة مضادة، لكن علينا أن نتفاهم معه ونحرص على إقناعه، ونشجعه حتى يتدبر الأمر، ويفهم كيف يتصرف في كل أموره بصورة سليمة ومنطقية، كما يجب الابتعاد عن أساليب الحماية الزائدة والتدليل المفرط، فهذه الأساليب تعوِّد الطفل على أسلوب المخالفة".
وأوضحت أنَّ "من طرق العلاج أيضًا عدم إرغام الطفل على القيام بسلوكيات معينة في الأكل أو الملبس، أو مراعاة أصول الذوق واللياقة (الإتيكيت)، فهذا الخضوع المتكلف قد يدفع الطفل للخروج عليه ويقوده للتمرد على أصوله وحيثياته، كما يجب عدم تفضيل الأم أو الأب لأحد الأبناء أو البنات، فإن ذلك التفضيل يكون في غالب الأحيان سببًا في عناد الطفل".
واستطردت "تنمية تبادل الآراء بين الأطفال يشعر الطفل بالقيادة حينًا والتبعية حينًا آخر"، مشيرة إلى أنه "اتفق علماء التربية على أنَّ التربية الفعالة هي أفضل طريقة للتعامل مع العناد ومنعه، فضلاً عن أهميّة تجنب استخدام كلمة (لا) بكثرة، فيمكن استخدام أسلوب للنفي، دون اللجوء لهذه الكلمة، فعلى سبيل المثال عند لعب الطفل بطريقة غير مناسبة، يمكنك أن تقول له (توقف عن هذه اللعبة لأنها .....)، ونوضح له سبب طلبنا هذا منه، وذلك حتى لا يشعر بأننا نقمعه".
ولفتت الريس، إلى ضرورة تجنب استخدام الأسئلة التي أجابتها "نعم" أو "لا"، وتوجيه السؤال بصيغة أخرى، فيفضل عدم السؤال بهذه الطريقة "هل تحب أن تشرب عصير؟"، لكن يمكننا أن نسأل بهذه الطريقة "ما نوع العصير الذي تشربه؟".
وشدّدت خبير التنمية البشرية على "الثبات على المبدأ عند التعامل مع الطفل، فالمسموح به اليوم من غير المقبول أن نمنعه غدًا والعكس صحيح"، مبرزة أهمية "الهدوء والحسم، فعلى الأهالي الاحتفاظ بهدوئهم مع الطفل مهما فعل، لأنه حينما تفقد أعصابك معه سوف تتصرف بطريقة قد تندم عليها فيما بعد، أو على الأقل قد ترضخ لما يريده تخلصًا من الموقف الذي تسبب في عصبيتك".
وأكّدت أنَّ "الهدوء لا يمنع الحسم والحزم فما ترفضه لا تقبله تحت الإلحاح أو البكاء"، مبيّنة أنه "قد يظن البعض أن ما طرحناه هنا متأخر بالنسبة لطفله، ولكن هذا غير صحيح، فما تطمح أن تحققه في حياة طفلك تستطيع أن تحصل علية إذا تعاملت معه بطريقة صحيحة".
ونصحت الريس الأهالي بـ"الصبر والمثابرة وعدم الإذعان والخضوع لأوامر الطفل، مهما بلغ به التمادي في سلوكيات العناد، بل عليك مواصلة الإصرار لتعديل سلوكه مهما كلّفك ذلك، من وقت وجهد وطاقة، لأنّك بذلك حرصت على تنمية نمط وشكل شخصيته المستقبلية".
أرسل تعليقك