آثار الدمار في حلب
لندن ـ سليم كرم
أصبحت مدينة حلب في الوقت الراهن كيانًا مشوهًا مجهول المعالم. فلا يمكننا أن نسميها مدينة ولا نستطيع أن نصفها بالأطلال. فالأوضاع مذرية للغاية هناك، إذ انقسمت المدينة، التي كانت في يومٍ من الأيام رمزًا للرواج والازدهار، إلى مناطق تسيطرعلى كل واحدة منها فرقة من المليشيات الصغيرة تحت لواء واحد
وقيادة واحدة أحيانًا، أو تعمل منفردة في أحيانٍ أخرى.
وتحولت المنازل أيضًا، باستثناء عدد قليل منها، إلى مراكز لقيادة المليشيات الثورية ونقاط تمركز لقوات الحكومة التي تقاتل لمصلحة الأسد. إنَّها الحرب الأهلية التي تبتلع سورية وتقترب من القضاء عليها تمامًا والتي جعلت المنازل والمباني تفقد معظم أجزائها، وجعلت الأثاث يبرز من خلف الجدران المنهارة بفعل القصف الصاروخي وتبادل إطلاق النار بين المليشيات المتناحرة. ويستطيع المرء بالكاد أن يتعرف على جزء منها، ولكن بعد جهد كبير يبذله في تذكر لمن كانت هذه الحجرة؟ أو أي جزء من المنزل يقف فيه الآن؟.
ويعيش مقاتلو المليشيات في ظروف غير آدمية على الإطلاق، إذ يكثرون من تناول القهوة التركية، ولا يتناولون سوى وجبة واحدة في اليوم، وهي الظروف المعيشية الصعبة التي يشاركهم فيها المدنيون مع الفارق بين الفئتين، إذ يتمكن المقاتلون من الدفاع عن أنفسهم بما لديهم من سلاح، بينما المدنيون لا يجدون سبيلًاً للنجاة إلا الشجاعة والجرأة على قطع مسافات طويلة في شوارع المدينة وهم في مرمى بنادق القناصة حتى يصلوا إلى أي ملاذ يتلقون فيه الحماية من مقاتلي المليشيات.
ويعاني أهل حلب أيضًا من أسوأ جيران شهدتهم على مدار تاريخها، وهم القناصة، إذ يضطر أي من المدنيين الذين تدفعهم الضرورة إلى النزول إلى الشارع أن يتحلوا باليقظة والحذر وأن يختبئوا في ملاذات آمنة توجد على بعد خطوات من بعضها بعضًا، ليصلوا بأمان إلى المكان الذي يقصدونه حتى أنَّهم في بعض الأحيان يختبئون وراء الستائر حتى يتفادوا الإصابة برصاص القناصة.
إنَّها الحياة في واجهة أكثر من عدو، وفقًا لأحد قادة المليشيات الثورية، إذ يضطر قادة المليشيات إلى قتال القوات الحكومية ليس فقط لإرهابها أو هزيمتها والقضاء عليها والانتصار للثورة، بل أيضًا لتوصيل رسالة إلى باقي المليشيات التي تقاتل إلى جوارهم وهي الرسالة التي تشير إلى أنَّهم ما زالوا نشطين وقادرين على القتال. فالمليشيات درجت منذ فترة على الاستيلاء على بعضها بعضًا والميليشيا الصغيرة تدخل في طاعة الكبيرة، وتكون جزءًا منها والميليشيا التي تضعف أو يقل نشاطها تستولي عليها وتتحكم فيها المليشيات الأكبر.
ومع تعدد جبهات القتال، تخوض ميليشيات الثورة قتالًا من نوع خاص يتسم بالصعوبة والتعقيد على جبهة القناصة الذين يهددون أمن المدنيين ولا تأخذهم شفقة أو رحمة بأي من المدنيين أو المسلحين. إنها الحرب مع المجهول إذ أن مواقع تمركز هؤلاء القتلة غير معروفة ويجد الثوار صعوبة في تحديدها، إلا أنَّهم في النهاية يتمكنون من صيد القناصين واحدًا تلو الآخر. ويبدو الوضع في حلب وكأنَّها أسقطت من حسابات الثورة السورية، إذ أصبحت صيدًا للقوات النظامية والقناصة التابعين لنظام بشار إضافة إلى التشتت الذي تعانيه ميليشيات المقاومة.
أرسل تعليقك