صورة لأحد الانفجارات في سورية
لندن ـ سليم كرم
طالبت سويسرا مجلس الأمن الدولي بـ "إحالة الوضع الحالي في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وذلك في ضوء أعمال الإرهاب وإراقة الدماء المتزايدة في سورية الآن"، في خطوة رأها المحللون أنها تهدف إلى إرسال رسالة واضحة وصريحة إلى الأطراف المعنية كافة، تدعوهم فيها إلى الاحترام الكامل لحقوق الإنسان
الدولية والقانون الدولي الإنساني، ومن شأن هذا التحذير أن يكون له تأثيره المهم والمقنع. وقد قام بدعم الطلب السويسري ما يزيد عن 50 دولة من أنحاء العالم كافة، بما فيها عدد من الدول الخبيرة بانتهاكات حقوق الإنسان مثل شيلي وليبيا، كما قامت كل من بريطانيا وفرنسا بدعم المبادرة، لكن بقية أعضاء مجلس الأمن الدائمين لم ينضموا بعد للمبادرة، حيث عارض وزير الخارجية الروسي المبادرة على أساس أنها مبادرة تأتي "في غير آوانها"، كما أنها ستكون بمثابة عقبة أمام تحقيق الهدف المباشر والصريح والمتمثل في وقف إراقة الدماء، فيما التزمت كل من الصين وأميركا الصمت تجاهها.
وحول مصير هذه المبادرة والعوامل المؤثرة في قرار إحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية وما يمكن أن تسفر عنه، ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن "الخبرات السابقة في هذا المجال محدودة، وأن مجلس الأمن الدولي منذ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، قد أحال قضيتين إلى المحكمة، وقد أسفرت تلك الإحالة عن نتائج متفاوتة، ففي العام 2005 تمت إحالة مسألة السودان في ما يتعلق بالوضع في دارفور، إذ أن هناك خمس ملاحقات قضائية في هذا الشأن، لا تزال معلقة من بينها واحدة ضد الرئيس السوداني عمر البشير، بشأن جرائم تطهير عرقي، ومن غير الواضح بعد ما إذا كانت هذه الإحالة كان لها تأثيرها المقنع والمهم على أرض الواقع، أو أنها قد غيرت الأوضاع السياسية في السودان، فلا يزال البشير على رأس النظام في السودان على الرغم من اضطراره تغيير مسار تنقلاته الدولية، خوفًا من إلقاء القبض عليه"، مضيفة "وبعد ست سنوات، قام مجلس الأمن الدولي للمرة الثانية بإحالة الوضع في ليبيا، وقد أسفرت الإحالة عن اثنتين من الملاحقات القضائية المعلقة حتى الآن، وهناك من يقول إن تأثير قرار الإحالة هنا، كان أكثر أهمية في إسقاط الشرعية عن النظام الليبي، وتمهيد الطريق أمام قرار الأمم المتحدة رقم 1973 الذي يفوض الأمم المتحدة في اتخاذ التدابير اللازمة كافة لحماية المدنيين في ليبيا، ولا يمكن تأكيد أن قرار الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية كان وراء نهاية معمر القذافي".
وتابعت "الغارديان"، "لا يوجد ما يجعلنا نتخيل أن قرار إحالة قضية سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، سيؤدي مباشرة إلى انسحاب بشار الأسد من المشهد السوري، وفي الوقت الذي تتوافر فيه بعض الأدلة والسوابق والمؤشرات التي توحي بأن بعضًا ممن هم في الخطوط الأمامية الآن، سيراجع نفسه أكثر من مرة، قبل أن يقدم على استهداف المدنيين أو التورط في ارتكاب جرائم دولية، إلا أن هؤلاء الذين يوجدون على رأس السلطة، سيكونون أقل ميلاً للتخفيف من أنشطة إراقة الدماء، خوفًا من الملاحقة الجنائية الدولية، وإن أهمية إحالة مجلس الأمن الدولي، قضية سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، ستعتمد على شرعية بشار الأسد ونظامه، وعلى هؤلاء الذين قد يسعون إلى تأييده، وفي حالة توجيه الاتهام إلى الأسد، فإنه يصبح من الصعب على روسيا أن تواصل دعمها له وتحمل مشاق الصدام مع الرأي العام العالمي الذي يطالب بضرورة إصدار أمر بإلقاء القبض على بشار الأسد لمحاكمته جنائيًا، ومن المحتمل أن يثير قرار الإحالة مخاوف كل من روسيا والصين وأميركا أيضًا، لأن قرار الإحالة سيعقبه أمر بالقبض على بشار الأسد، ومن ثم زيادة الضغوط من أجل القيام بعمل عسكري، وستتزايد الضغوط على كل من روسيا والصين، وقد تصل الضغوط إلى حد لا يطاق، وإن مخاوف روسيا الحقيقية ليست في إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية، وإنما في الأحداث المتلاحقة التي ستتوالى وتصل إلى حد صدور قرار من مجلس الأمن يسمح بدرجة ما من الإجراءات العسكرية، وفوق هذا وذاك، فإن قرار الإحالة سيجعل من المحكمة لاعبًا مهمًا في الصراع يستطيع أن يغير الديناميكية السياسية للمشهد في سورية، مثلما حدث خلال فترة التسعينات، عندما قام مجلس الأمن بإنشاء المحكمة الجنائية لمواجهة حالة التراخي إزاء الجرائم والمذابح في يوغسلافيا ورواندا".
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن العدالة الجنائية الدولية أصبحت الخيار التلقائي المناسب في حال انقسام الدول، مثلما كان الحال مع السودان وليبيا، ومن شأن ذلك أن يوجد مشكلات بسبب قصر نظر الحكومات نحو المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من الكيانات الجنائية الدولية، وأنه قد آن الأوان لاتخاذ إجراء في هذا الشأن على أساس أن سبيل المحاكمة الجنائية، يمكن أن يكون هو أكثر السبل جاذبية في حال فشل الإمكانات الأخرى في حل الأزمة السورية، ومع ذلك، فإنه وفي حال تنفيذ المبادرة السويسرية، فإن ذلك سيستدعي قيام مجلس الأمن بالبدء في الإجراءات الجنائية، ولكنه على ما يبدو لن يكون قادرًا لإنهاء تلك الإجراءات، كما ستنشأ قضايا أخرى، ستحتاج إلى التفكير والنظر فيها بإمعان، مثل مكان محاكمة الأسد في سورية؟، أم في مقر المحكمة الجنائية الدولية؟، وهل ستستمر الدول المؤيدة لقرار الإحالة في مساعدة المحكمة في التحقيقات والملاحقات القضائية؟، وهل سيخضع أطراف الصراع كافة للتحقيق والاستجواب والملاحقة القضائية، وهل سيسفر قرار الإحالة إلى انتصار العدالة إلى حد ما؟، ولابد من التأكيد هنا أن إراقة الدماء لن يتوقف في اليوم التالي لقرار الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، وأن ذلك قد يدفع بنظام الأسد إلى عدم الانصياع، إلا أن قرار الإحالة قد يؤدي إلى تغيير توازن عدد من العوامل المؤثرة في طبيعة الصراع ومساره، وفي حالة سورية، فإن المحكمة الجنائية الدولية لن تقدم حلًا سحريًا على المدى القريب، وأن الحل والترياق سيكون على المدى البعيد".
وتخلص الصحيفة إلى القول إن "المبادرة السويسرية ستكون بمثابة مغامرة ضعيفة، ومع ذلك فإن سويسرا ومن يؤيد مبادرتها، إنما يراهن على أن حالة سورية أقرب إلي حالة ليبيا منها إلى حالة السودان".
أرسل تعليقك