مقاتلون إسلاميون في غاو
الجزائر ـ حسين بوصالح
وصل رئيس وزراء مالي ديانغو سيسيكو، الأحد، إلى الجزائر، في زيارة عمل تستمر يومين، بدعوة من الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال، لمناقشة تطورات الوضع في مالي، وشن فرنسا حربًا على الجماعات الإسلامية المسلحة في مدن الشمال المالي، في الوقت الذي لاتزال الجزائر تسعى
للتوافق السلمي بين حكومة بماكو والجماعات الأزوادية المتمردة، و تحذر من تداعيات الحرب على دول المنطقة.
واستقبل الوزير الأول عبد المالك سلال وأعضاء من الحكومة الجزائرية، سيسوكو لدى وصوله إلى مطار هوراي بومدين الدولي، يرافقه وفد يضم رئيس الوزراء المالي ووزراء الدفاع الوطني والإدارة الإقليمية والتجهيز والنقل، إلى جانب مسؤولين مدنيين وعسكريين رفيعي المستوى.
وأصدر مكتب الوزير الأول بيانًا أوضح فيه أن زيارة المؤول المالي تندرج في إطار المشاورات السياسية المنتظمة بين البلدين، وأنَّها ستسمح باستعراض حالة التعاون الثنائي، وآفاق تعزيزه وتوسيعه، كما ستكون فرصة للطرفين لتبادل وجهات النظر بشأن الوضع في شمال مالي، والجهود الجارية لتسوية الأزمة المتعددة الأبعاد، التي يواجهها هذا البلد. وذلك حسبما ذكرت "وكالة الأنباء الجزائرية".
وفي سياق متصل، حذَّر تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" الدول الإفريقية والأوروبية التي قرّرت المشاركة في الحرب الحالية شمال مالي، وذلك من خلال بث كلمة مصورة لأمير التنظيم عبد المالك دروكدال، المعروف بأبو مصعب عبد الودود، السبت، حذّر فيها الدول الإفريقية والأوروبية التي قررت المشاركة في الحرب الحالية في شمال مالي، وخاطب دروكدال في الشريط المصور الرئيس الفرنسي، ومجمل قادة دول الساحل، قائلاً "القاعدة مستعدة للسلم إن أرادوه، وستلبي رغبتهم في الحرب إذا طلبوها، و ستعمل على إطالة أمد الحرب الحالية، من أجل تعميق الجراح، وتكبيد الدول المشاركة أكبر خسارة"، متعهدًا بـ"جعل الصحراء مقبرة لجنود التحالف".
كذلك أعلن الناطق باسم حركة "أنصار الدين" المسلحة سنده ولد بوعمامة في حديث لـ"الشروق اليومي" الجزائرية أنَّ "القوات الفرنسية حاولت قصف مواقع الحركة في مدينة منكا الحدودية مع النيجر بالطائرات، وقصفت مسجد المدينة، وقتلت امرأة كانت في محيط المسجد، وتصدت الجماعة بالمدفعيات المضادة للطائرات، وتمكنا من إسقاط مروحية فرنسية"، مضيفًا أن الحركة لا تتوقع نزول القوات الفرنسية إلى الأرض"، واصفًا القوات الفرنسية بـ"الجبانة، التي لا تستطيع الهجوم إلا من الجو".
كما هدد القيادي في حركة "أنصار الدين" خلال تصريحاته بـ"قبر عساكرهم"، مضيفًا "إن إمكانات الحركة عسكريًا قوية، فهناك كميات كبيرة من السلاح والذخيرة مخزنة في مدينتي كيدال وتمبكتو"، داعيًا المسلمين في العالم الإسلامي لـ"نصرة إخوانهم في شمال مالي، والدفاع عن الدين الحنيف"، مؤكدًا أن "الجزائر هي المستهدفة من هذه الحرب".
ميدانيًا، خسرت القوات الفرنسية في حادثة المروحية العسكرية ضابطًا طيارًا، وأعلن رئيس أركان الجيوش الفرنسية الأميرال إدوار غيار أن "العملية التي تشنها قواته في مالي قد شهدت مقتل ضابط فرنسي، خلال غارة شنتها مروحيته على رتل للإرهابيين في وسط مالي، كانوا يزحفون باتجاه الجنوب، بعد استيلائهم على مدينة كونا في وسط مالي، والتي استعاد جيش مالي السيطرة عليها في ما بعد".
وأوضح المسؤول العسكري الفرنسي أن "العملية الجارية في مالي تديرها على المستوى التكتيكي قيادة عمليات مقرها مالي، أما على المستوى الاستراتيجي، فإن قيادة العمليات مقرها باريس، إلى جانب وزير الدفاع ورئيس الجمهورية الفرنسية".
وفي سياق متصل، أكد مركز "أنتجلنس أو" المتخصص في الدراسات العسكرية أن الجزائر وفرنسا فتحتا خط اتصال مباشر للتنسيق وتبادل المعلومات بشأن الوضع في منطقة الساحل الإفريقي، وتطورات الأزمة المالي. وقال تقرير أعده المركز المقرب من "البنتاغون" أن قادة عسكريين وأمنيين في دول غربية مترددون في تزويد الجيش المالي بالأسلحة والذخائر، بعد أن إندحر في مواجهة الفصائل المسلحة المقربة من "القاعدة" في إقليم أزواد، و تراجع مخلفًا وراءه عشرات الأطنان من المعدات العسكرية والذخائر، التي وقعت في أيدي الجماعات "الإرهابية" المتشددة في الشمال، وأنهم قد أوصوا حكوماتهم بتقديم دعم ميداني مباشر على الأرض، للتصدي للفصائل المسلحة السلفية وحركة "أنصار الدين".
وكانت الجزائر قد حذرت من تطورات الوضع الأمني في مالي، بعد اندلاع الحرب مع الجماعات "الإرهابية"، حيث أكدت دعمها للحوار السياسي بين الأطراف المتنازعة، بحثًا عن تسوية سياسية تنعي الصراع الدائر، ولكنها لم تستبعد الوسائل الأخرى للحل، بغية اتقاء العواقب الوخيمة للحرب الدائرة في مالي على دول المنطقة.
جاء ذلك خلال تصريحات الوزير الأول للجزائر عبد المالك سلال، التي أعلنها عقب الاجتماع الثلاثي مع رئيسي حكومتي ليبيا و تونس، الذي عقد السبت في ليبيا، حيث أبرز سلال التداعيات الوخيمة للحرب قائلاً "لابد أن نكون حذرين، لأن التحديات التي تواجهها المنطقة ليست بالأمر الهين".
فيما أكد البيان الختامي للاجتماع أن "الجزائر وتونس وليبيا تعبّر عن انشغالها العميق بالوضع السائد في منطقة الساحل، وتداعياته الخطيرة على أمن واستقرار الدول الثلاث، في ضوء الأحداث الخطيرة التي قامت بها مجموعة إرهابية في جنوب مالي"، كما أدان البيان التصرفات التي تقوم بها حركة "أنصار الدين" في مالي، وأعلن كذلك عن دعم الدول الثلاث الكامل لجمهورية مالي حكومة وشعبًا، وضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة في مالي، عبر تشجيع الحوار بين مختلف مكونات المجتمع المالي، بما يحفظ سيادته ووحدة أراضيه، وفي إطار الشرعية الدولية، في ضوء قرار مجلس الأمن رقم 2085.
ومن جانبه، يرى الدبلوماسي ووزير الإعلام الجزائري الأسبق عبد العزيز رحابي أن "الوضع قد انفلت من اليد الجزائرية، التي حاولت قدر الإمكان إيجاد سبل التفاوض لحل سلمي، يجنب المنطقة حربًا بعيدة الأمد"، مضيفًا أن "الجزائر لن تدخل الحرب بجيشها، لكنها ستعمل على حماية حدودها"، مشددًا على "خطورة نزوح اللاجئين بأعداد كبيرة نحو الدولة الأكثر قوة وحماية، وهي الجزائر طبعًا، الأمر الذي سينعكس سلبًا على أمن واقتصاد البلاد، في ظلّ خطر تسلل جماعات إرهابية لضرب منشآت و قواعد اقتصادية وأمنية في الصحراء الجزائرية".
أما المحلل السياسي والخبير الأمني أحمد عظيمي، فقد أكد في تصريح لـ"العرب اليوم" أن "فرنسا اختارت الحرب الاستباقية لأسباب عدة، منها وضع العديد من الأطراف أمام الأمر الواقع، بما فيها الجزائر، التي لا زالت تسعى للحل السلمي، وأن دخول فرنسا الحرب من وراءه جرّ جيش الإكواس، والضغط على مجموعة دول غرب إفريقيا لدخول حرب عصابات، لمنع تحرك الجماعات المسلحة نحو الجنوب"، وأضاف عظيمي أن "الحرب ستأخذ منعرجًا آخرًا لصالح الجماعات المسلحة، التي تعتمد على سلاح قويّ وحرب عصابات، مقابل جيش إفريقي غير مدرب على مثل هذه الحروب، بالإضافة إلى العدد غير الكافي من الجنود، الذي يقدر بـ3300 جنديًا في مساحة جغرافية تقارب مليون كيلومتر مربع، وهذا أمر شبه مستحيل".
و بينما تدور الحرب التي بدأتها فرنسا في مدن الشمال المالي ضد الجماعات المسلحة، تبقى الجزائر أمام تهديد ارتفاع أعداد النازحين إليها، وانعكاسات الحرب الوخيمة علي البلاد، فيما أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة تتقاسم مع فرنسا الأهداف نفسها فيما يخص مالي. فقد بات أكيدًا أن الجزائر هي البلد الأكثر تضررًا من تبعات هذه الحرب، وأنها ستسدد فاتورة إنسانية ثقيلة، حيث يرتقب نزوح موجات هائلة للنازحين الماليين نحو الجزائر، وما لذلك من تداعيات أمنية وعسكرية واقتصادية على البلاد، في الوقت الذي بررت فرنسا دخولها الحرب بأنه جاء استجابة لمطالب الحكومة المالية، التي وجهت نداء استغاثة لباريس، في انتظار وصول قوات "إكواس"، التي تراهن عليها الدول الكبرى لمواجهة حرب العصابات مع الجماعات المسلحة.
أرسل تعليقك