القيادي السلفي التونسي حسن بريك
تونس ـ أزهار الجربوعي
قررت المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة، مساء الأربعاء، الإفراج عن القيادي السلفي حسن بريك، في حين دعا وزير الشؤون الدينية إلى "تحييد المساجد عن التغول السياسي، وتحرير الخطب الدينية حتى تهتم بمشاكل الأمة"، في الوقت الذي تواصل فيه الجماعات "المتشددة دينيًا" انتهاكاتها حيث أقدم مجهولون على حرق مقام
صوفي، متعمدين حماية مصاحف القرآن من النيران، وهو ما يشير إلى أيادي "التيار السلفي"، وسط توقعات بعض المحللين بأن تكون السنة الجديدة "دموية"، وبخاصة بعد عقب الكشف عن خلية إرهابية تعمل تحت غطاء تنظيم "القاعدة".
وقضت المحكمة التونسية بإطلاق سراح كل من القيادي السلفي الناطق باسم تيار "أنصار الشريعة" حسن بريك، إلى جانب اثنين من أتباعه عادل الحناشي ووسام بربوش بعد مثولهم، مساء الأربعاء، أمام الدائرة الجناحية الثامنة بالمحكمة، فيما أشار محامي المتهمين الثلاثة إلى أن المحكمة حددت تاريخ 16كانون الثاني /يناير 2013 للتصريح بالحكم فيما تم إبقاء المتهمين في حالة سراح، وبخاصة أن مفعول بطاقة الإيداع ينتهي مفعوله الأربعاء.
ويواجه المتهمون المعتقلون على خلفية الاعتداء على السفارة الأميركية في 14 أيلول/سبتمبر الماضي، تهمًا تتعلق بحمل السكان على مهاجمة بعضهم البعض بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والثلب بالتراب التونسي وذلك على خلفية المكالمات الهاتفية الصادرة بين المتهمين الثلاثة في واقعة خطبة الزعيم السلفي الفار أبو عياض في جامع الفتح.
وفي سياق متصل، دعا وزير الشؤون الدينية التونسي نور الدين الخادمي، مساء الأربعاء، من تحت قبة البرلمان إلى "ضرورة تحييد المساجد مع المحافظة على دورهم الديني وحمايتهم من التغول السياسي، مشددًا على "دور المساجد في الاهتمام بقضايا الأمة الإسلامية ومشاكل المؤمنين".
من جانبه، توقع الخبير في الحركات السلفية التونسية والقيادي في "الحزب الجمهوري" ناجي جلول، في تصريح خاص إلى "العرب اليوم"، أن يكون العام الجديد "دمويًا" بامتياز، متنبئًا بتمركز جهاديي مالي في تونس بعد التلميح باستهدافهم دوليًا، وأضاف أن عملية القصرين التي كشفت التنظيم الإرهابي المسلح الذي قتل أحد الضباط التونسي، خير دليل على ذلك، مشددًا على أن الخطر الأكبر يكمن في عدم سيطرة وزارة الداخلية على الوضع لأنها تجهل حتى الآن عدد العناصر الإرهابية ومكان وجودهم وبخاصة حجم الخطر الذي يمثلونه على أمن البلاد وكميات السلاح المتوفرة لديهم .
ويرى محللون إلى جانب شق كبير من المعارضة أن حركة النهضة الإسلامية هي المسؤول الأول عن تغول التيار السلفي المتشدد في البلاد حتى تظهر نفسها في شكل الحل الأمثل والنموذج الأفضل للحكم الإسلامي المعتدل الذي يختار الوسطية وينبذ التطرف، إلَّا أن العديد من المختصين في الفكر السلفي أكدوا أن حركة النهضة تشترك في الجذور الفكرية مع هذا التيار وهو ما جعل رئيس الحكومة الحالية وأمين عام حركة النهضة الإسلامية الحاكمة يدعو إلى تبني نظام الخلافة الراشدة السادسة في خطاب مع أنصاره خلال حملته الانتخابية، رغم أن الحركة اعتبرت ذلك مجرد زلَّة لسان وسعت إلى تبريرها وتكذيبها على الفور.
وقد سربت جريدة "النهار" الجزائرية أخيرًا تقريرًا، أعده خبراء أمنيون يحمل حركة النهضة مسؤولية هذا النشاط السلفي الآخذ في التوسّع حاليًا في تونس وكذا طموحها في الانتقال إلى البلدان المغاربية الأخرى، من خلال التكتل الذي يتم التحضير له بين الجبهتين، وبخاصة عقب منح الاعتماد لـ3أحزاب سلفية، تطالب كلّها بالخلافة الإسلامية وتنبذ الأنظمة الديمقراطية.
وأشار التقرير إلى أن هذه الحركات السلفية ذات التوجّه الجهادي، أصبحت اليوم تحكم سيطرتها على أكثر من 10 % من المساجد في تونس، الأمر الذي يعطيها الفرصة لنشر فكرها الوهّابي الذي وصفه التقرير بـ"المتطرّف"، مشيرًا إلى أن القاعدة الشعبية لهذا الفصيل قد توسعت داخل البلاد لتناهز عتبة الـ 60 ألفًا، منهم 10 آلاف عنصر يتمركز غالبيتهم في ضواحي العاصمة تونس ومدن القيروان وجندوبة وماطر ومنزل بورڤيبة وبنزرت.
وبعد أن ودعت تونس سنة 2012 على وقع استنفار أمني وحالة من الترقب بعد الكشف عن خلية إرهابية تطلق على نفسها "كتائب عقبة بن نافع" على علاقة بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، في حين تواصل عناصر الأمن حملاتها الأمنية بحثًا عن بقايا التنظيم المسلح، أكدت الجزائر عزمها على مساندة جارتها تونس في مجال مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود المشتركة بينهما، وقد اتفق الطرفين التونسي والجزائري خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية إلى تونس، على إرسال عناصر من الشرطة التونسية إلى الجزائر مطلع العام الحالي لتلقي تدريبات خاصة في مدارس للشرطة.
وصرّح الوزير الجزائري، في السياق ذاته، أنه سيتم تدريب وإعداد عناصر الشرطة التونسيين في مختلف المجالات بما فيها مكافحة الإرهاب، كما أعلن أن وفدًا أمنيًا تونسيًا بقيادة مدير الأمن التونسي سيقوم في القريب العاجل بزيارة مرتقبة إلى الجزائر بهدف إجراء محادثات مع مدير عام الأمن الجزائري.
إلى ذلك، استقبلت تونس العام الجديد على الإيقاع نفسه، فقد تم الاعتداء بالحرق ليلة الأربعاء على أحد المقامات الصوفية الشهيرة الذي يدعى "سيدي علي الحشاني" في محافظة بنزرت شمال البلاد وقد اكتشف المواطنون وأعوان الحماية المدنية والجيش الوطني الذي تعاضدوا لإطفاء الحريق إلى حدود ساعات الصباح الأولى ، أن عملية الحرق كانت متعمدة وتشير إلى أصابع التيار السلفي بعد أن تم إبعاد مصاحف القرآن، وهذه الواقعة الثانية من نوعها بعد حرق مقام "السيدة المنوبية"، حيث يعتبر السلفيون المقامات الصوفية كفرًا وشركًا بوحدانية الله.
كما شهدت منطقة حي النسيم في دوار هيشر شمال البلاد، ليلة الاحتفال برأس السنة صدامات مسلحة بين مجموعة من شباب المنطقة وعناصر من التيار السلفي وقع التدخل فيها بالغاز المسيل للدموع من قبل أعوان الحرس الوطني، بعد أن عمد مجموعة من السلفيين إلى مهاجمة شبان كانوا بصدد شرب الخمر،إلا أن التيار السلفي يرى نفسه ضحية حملات التشويه المفبرك التي يقودها الإعلام إلى جانب اتهام بقايا النظام السابق بحياكة المؤامرات ضدهم عبر استحداث سلفيين مزورين، على حد قولهم لزرع الفتنة وتشويه صورة أبناء التيار، مستشهدين بأحداث السفارة الأميركية، ويرون أن مجموعة من المندسين هم من أقدموا على حرق السفارة في حين تم الإيقاع بأتباعهم لمحاكمتهم والتخلص منهم.
ورغم أن حركة "النهضة" ما انفكت تحذر من التعصب الديني والتطرف، مؤكدة أن الدولة وحدها من يحق لها احتكار العنف الشرعي، إلا أن زعيمها راشد الغنوشي ما انفك يدافع عن التيار السلفي الذين "يذكرونه بشبابه"، على حد قوله، معبرًا عن إيمانه بفكر المؤامرة الذي يجعل بقايا النظام السابق وحدهم المسؤولين عن محاولة الزج بحركة النهضة الإسلامية في صراع مفبرك مع إخوانها السلفيين، من أجل حرق البلاد وإفشال التجربة الديمقراطية التونسية كما يقول الغنوشي، وهو ما جعل قوى المعارضة تتهمه بالتستر على هذه الحركات وتقويتها ، في محاولة لجعل الأمن القضية الكبرى للتمويه عن المطالب الرئيسية للشعب في التشغيل والتنمية ومكافحة الفقر والحيف الإجتماعي، ليبقى السؤال الأصعب مطروحًا منذ انتخابات 23 تشرين الثاني/يناير 2012 ، هل أن حكومة النهضة متهمة أم مستهدفة؟
أرسل تعليقك