مواطنون سوريون وسط أنقاض أحد المساجد في حلب
لندن ـ سليم كرم
يزداد الغموض الذي يحيط بمصير الحرب الأهلية في سورية يومًا بعد يوم، فمع اقتراب مرور العام الثاني على اندلاع الشرارة الأولى لها، يقول خبراء السياسة الدولية أن الحرب الأهلية التي تشهدها سورية في الوقت الراهن ليس لها مثيل، وليس لها نموذج يمكن تشبيهها به أو قياسها عليه، ولهذا السبب، فإنه من المستحيل
التنبؤ بما سيحدث للمنطقة ككل، في أعقاب انهيار الحكومة السورية.
وترسم التقارير الواردة من داخل سورية صورة متجهمة لطرفي النزاع في هذه الحرب الأهلية. وفي حلب، يقول مراسل صحيفة "الغارديان" البريطانية "إن المعارضة المسلحة تعيش حالة من الانقسام الدائم في المدينة، حيث باتت أعمال النهب والسلب أمرًا مألوفًا، كما أن المتنافسين في المدينة يتكاثرون". بينما في دمشق، يعيش الأسد وحاشيته حالة من التدهور والتراجع المستمر. و تشير بعض التقارير إلى أن الرئيس بشار الأسد نفسه يعيش حالة من "العزلة والخوف"، كما أنه يختفي دائمًا عن الأنظار، ولا يتجرأ على الظهور الخارجي، فضلاً عن أن القدرات العملية لقواته العسكرية في تراجع مستمر، وذلك في الوقت الذي تشير فيه الدلائل على أن روسيا تنأى الآن بنفسها عن الأسد، بل وربما تتخلى عن سورية ككل.
و بينما تشير أغلب الاحتمالات والتوقعات أن نهاية الحكومة السورية إلى حد ما باتت أمرًا حتميًا لا مفر منه، عاجلاً أو آجلاً، يبرز على السطح السؤال الأهم في هذه المرحلة، ما الذي سيحدث بعد سقوط الحكومة السورية؟.
ومهما حاول الجميع من خبراء ومحللين وصحافيين التنبؤ بما سوف يحدث، والإجابة على هذا السؤال، فإنهم لن يتمكنوا من تقديم التصور الحقيقي والصحيح لما سوف يترتب على ذلك من آثار. حيث تقول صحيفة "غارديان" أن الوسائل والأساليب التي عادة ما تستخدم في تحليل وتفسير المواقف المقعدة لأي صراعات سياسية، بما في ذلك التنبؤ من خلال التشابه والتناظر التاريخي، لتفسير الأوضاع الراهنة، غالبا ما تكون مضللة إلى حد بعيد، وهو ما سبق وأن حذرت منه المدونة التابعة لـ"مركز دراسات الحروب" في "كلية لندن".
والواقع أن ما يحدث في الشرق الأوسط لا يشبه بأي حال من الأحوال ما كان يحدث في البلقان خلال فترة التسعينات، ولا وجه للشبه بين ما يحدث في مصر وبين الثورة الإسلامية في إيران. كما يمكن القول كذلك بأن المتخصصين في الدراسات السوفيتية قد فشلوا في اكتشاف انهيار الاتحاد السوفيتي قبل وقوعه، وهو ما ينطبق أيضًا على المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط، الذين لم يفشلوا فحسب في توقع الثورات العربية الراهنة، وإنما فشلوا أيضًا في استخدام نموذجي الثورة في كل من تونس ومصر لتصور ما يمكن أن يحدث من تحولات بالنسبة للثوارات العربية الأخرى.
كذلك لا يمكن لأحد أن يدعي أن سورية بعد سقوط الأسد في ظل التواترات الاجتماعية والطائفية التي تعم سورية سوف تشبه ليبيا في أحوالها بعد سقوط القذافي، أو العراق في مرحلة ما بعد سقوط صدام. وما من شك في أن الصراعات وما يعقبها من مراحل إنما تسفر عن أوضاع بائسة، أو عدم استقرار، و إن اختلفت في شكلها تبعًا لظروف كل بلد.
وما يمكن قوله أن السمة والظاهرة السائدة والمهيمنة الآن هي قيام شكل مختلف من الإسلام السياسي، على يد "جماعة الإخوان المسلمين"، باعتبارها ظاهرة دولية. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يصعب التعميم في هذا الشأن، لاختلاف مظاهر كيان "الأخوان المسلمين" من مكان لاخر، فعلى سبيل المثال، فإن "حماس" في قطاع غزة تشكلت من خلال تجربة النضال المسلح، كما أن "جماعة الأخوان المسلمين" في مصر تشكلت من خلال تاريخها الخاص بها.
وفيما يتعلق بمصر، يقول مايكل وحيد في عدد تشرين الثاني/نوفمبر من مجلة "فورين بوليسي": "إن صنع القرار تحت قيادة الرئيس محمد مرسي يتم بأسلوب ما يسمى بـ"الكمين"، وهو نهج يفتقد إلى الإجماع أو التشاور. وعلى الرغم من أن النهج في حد ذاته لا يناهض الديموقراطية، إلا أنه يعتمد على مفهوم خاص ومميز، يقول بأن الفائز هو من يتولى كل السياسات، كما يعتمد على تشويه سمعة المعارضة السياسية". و يضيف "إن الفوز بالانتخابات وفقًا لهذا المنظور يمنح الفائز حق الحكم من دون رقابة من الخاسر في تلك الانتخابات".
أما الظاهرة الثانية فهي تتمثل في انتشار مبدأ الفعالية السياسية النشطة في دول الخليج العربي، وبالتحديد في كل من قطر والسعودية، وهو المبدأ الذي ينتهج أساليب نشطة، الهدف منها تحقيق أغراض سياسية وتغيرات اجتماعية. و يمكن القول بأن محاور النفوذ القطرية في المنطقة المتمثلة في المال والمساعدات الرسمية وغير الرسمية، قد أصبحت أحد السمات الرئيسية التي تتسم بها الثورات العربية، وقد ظهر ذلك جليًا في ليبيا وسورية على وجه الخصوص. والواضح أن الدوافع القطرية في دعم الثورات العربية كما يتردد في الكواليس، إنما هي محاولة من جانب الملوك العرب في أن يكونوا بأنفسهم داخل المطبخ، لا على قائمة الطعام، بهدف حماية أنفسهم وأنظمتهم من أي تهديدات داخلية.
أما الظاهرة الثالثة، فهي تتشابك مع الظاهرة الثانية، وربما كانت هي الأكثر خطورة، وهي استمرار تصاعد الصراع السني الشيعي الطائفي، الذي يعم المنطقة. وتبدو مصر وقطر وتركيا المحاور الأساسية الممثلة للنفوذ السني في المنطقة، في مواجهة العزلة المتزايدة للنظام الإيراني، الذي تبدو محاولاته في توطيد نفوذه الشيعي في المنطقة عبر التحالف مع "حزب الله" الشيعي في لبنان والأسرة العلوية الشيعية الحاكمة في سورية في خطر.
أما عن مصير الثورات العربية، فالمتشائمون يتحدثون الآن عما يسمى بـ"الشتاء العربي"، مقارنة بما كان يسمى من قبل بثورات "الربيع العربي"، إلا أن أستاذة السياسية الأميركية شيري بيرمان ترى أن هذا التشاؤم في غير محله، وأن التجارب الديموقراطية التي شهدها القرن الماضي شهدت مثل هذه التحولات.
أما الظاهرة الأخيرة، والتي لم تظهر ملامحها بعد، فهي تأثير كافة تلك التحولات والتغيرات التي تشهدها المنطقة على إسرائيل، في ظل عدم الاستقرار الذي تشهده شبه جزيرة سيناء ولبنان وسورية والأردن، وفي ظل انخفاض اهتمام أوباما بالعملية السلمية، على نحو يمكن أن يؤدي إلى ضياع فرصة إقامة دولة فلسطينية.
وأخيرًا وإذا ما كان هناك درسًا يمكن أن تقدمه الثورات العربية، فهو أنه لا ينبغي أن نمعن في دراسة الواقع العربي وتحدياته، ولا التعلق بأفكار وتجارب الماضي، ولا التكهن بمستقبل في علم الغيب.
أرسل تعليقك