جانب من تظاهرات الأنبار
بغداد ـ جعفر النصراوي
أكد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر موافقته على المطالب التي وصفها بـ"المشروعة"، التي يرفعها متظاهرو الأنبار، في حين استثنى من ذلك المطالبات بإلغاء قانون المساءلة والعدالة (اجتثاث البعث سابقًا)، بينما طالب رئيس الوزراء العراقي بتحمل مسؤولياته وعدم التملص منها، محذرًا من ما أسماه
"الربيع العراقي"، فيما دعا رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي القوات المسلحة إلى ضبط النفس، وعدم الانجرار إلى مواجهات مع المتظاهرين، فيما حذر المواطنين من الانسياق وراء دعوات المتطرفين، بتحويلها إلى عصيان مدني، في حين تظاهر المئات من أهالي محافظة كركوك شمال العاصمة بغداد تأييدًا لتظاهرات محافظات نينوى وصلاح الدين الأنبار، التي أطلق عليها "جمعة الصمود".
وقامت قوة من مكافحة الشغب التابعة لقوات الأمن العراقية باحتجاز المصلين في جامع أبي حنيفة النعمان، في منطقة الأعظمية شمال العاصمة بغداد، ومنعتهم من الخروج للتظاهر ضد الحكومة، بعد أدائهم صلاة الجمعة في الجامع.
وقال الصدر في مؤتمر صحافي عقده في كنيسة النجاة في منطقة الكرادة، وسط العاصمة بغداد "إننا إذ نقف الأن في كنيسة النجاة، نهنئ إخواننا المسيحيين لمناسبة أعياد الميلاد، وكذلك لنؤكد أننا والمسيحيين إخوان وشركاء في هذا البلد، ومن واجبنا أن نتكاتف لنحقق الأمن والأمان فيه، فإننا نقف مع مطالب الإخوة المتظاهرين في الأنبار، لأنها مشروعة جميعها، بإستثناء المطلب الخاص بإلغاء قانون المسائلة والعدالة"، مشيرًا إلى أن وفدًا من التيار الصدري سيتوجه إلى محافظة الأنبار، لزيارة المتظاهرين، وموجهًا الاتهام إلى رئيس الوزراء نوري المالكي بالتخلي عن المسؤولية، وإلقائها على عاتق وزرائه، داعيًا إياه إلى الاستجابة لمطالب المتظاهرين، محذرًا من عواقب سياسية مجلس الوزراء العراقي، قائلاً "ربيع العراق مقبل، إذا أبقى المالكي على سياسته".
وفي المقابل، قال المالكي في بيان صدر عن مكتبه، الجمعة، وتلقى "العرب اليوم" نسخة منه إن "العملية السياسية تواجه تحديات كبيرة تستوجب من جميع الكتل السياسية الانتباه والحذر الشديد من الأجندات الخارجية، التي تحاول دفع البلاد لاقتتال طائفي"، مبينًا أن "المصلحة الوطنية تحتم علينا جميعًا التعاون، وتفويت الفرصة على المتربصين بالوحدة التي من دونها ستكون سيادة واستقلال العراق في خطر حقيقي".
ودعا المالكي "القوات المسلحة من الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتفويت الفرصة على المنظمات الإرهابية التي تعمل على جرها لمواجهة مسلحة، أو ضرب المتظاهرين السلميين"، مشددًا على ضرورة "منع تلك المنظمات من اختراق التظاهرات وحرف مسارها السلمي، وتشويه المطالب المشروعة للمواطنين".
وأشاد المالكي "بمواقف علماء الدين، وفي مقدمتهم الشيخ العلامة عبد الملك السعدي، الذي كانت لتوجيهاته ودعواته الوسطية الأثر البالغ في سحب البساط من تحت أقدام المتطرفين والمتربصين بالشر للعراق وشعبه"، مثمنًا "مواقف العشائر الأصيلة التي تصدت لمحاولات الإساءة إلى الدولة ورموزها ومؤسساتها، وتلاحمهم مع أبناء الشعب في مواقع المسؤولية السياسية والأمنية".
وأعرب المالكي عن أمله أن "تستمر عشائرنا كما عودتنا، في مواقفها الوطنية في حماية الأمن والاستقرار"، داعيًا "المواطنين الراغبين في التظاهر الذي كفله الدستور إلى ممارسة حقهم بما يستوجب الالتزام بالقانون، الذي يفرض الحصول على إجازة مسبقة للتظاهر من الجهات المعنية، والتعهد بمسار المظاهرات ومواعيد بداياتها ونهاياتها، وأن يسلم المتظاهرون طلباتهم إلى الحكومات المحلية".
وأكد المالكي أن "مطالب المتظاهرين يجب أن تصنف وفق الجهات المسؤولة والمعنية"، مشيرًا إلى أن "البعض منها يتعلق بالحكومات المحلية والحكومة المركزية والوزارات، والأخرى ترتبط بمجلس النواب والسلطة القضائية".
وطالب المالكي "المواطنين بممارسة حق التظاهر في كل مدينة، وعدم الانجرار إلى دعوات المتطرفين بتحويلها إلى عصيان مدني، وإخراج التظاهرات عن سياقها الدستوري، وبما يخدم الأجندة الخارجية"، محذرًا "من المطالب التي تعبر عن توجهات تهدف إلى نسف العملية السياسية كإلغاء القوانين، وعودة حزب البعث المقبور، وإطلاق سراح الإرهابيين المدانين بقتل الأبرياء، وممارسة العنف والاختطاف".
وناشد المالكي "جميع المتظاهرين بضبط النفس، والتصرف بمسؤولية لحماية الوحدة الوطنية، ومنع الطائفيين والإرهابيين من اختراق صفوفهم، وإطلاق شعارات تستفز مشاعر المكونات الأخرى للشعب العراقي، وتدق إسفين الفتنة الطائفية، التي لو عادت فإنها سوف تحرق الجميع، ولن يستفيد منها سوى أمراء الحرب والإرهاب وزعماء المليشيات".
ولفت المالكي إلى "أننا اليوم على أبواب إجراء انتخابات مجالس المحافظات، والتي تعد الأولى التي سنخوضها وللمرة الأولى في عراق خالٍ من وجود القوات الأجنبية"، مشددًا على ضرورة "انتباه أبناء الشعب إلى محاولات بعض الجهات التي تسعى لاستغلال التظاهرات في سباقها الانتخابي على حساب الوطن والمواطن، ورمي المسؤولية على الآخرين دون وازع ديني أو وطني".
ومن جهتهم، تجمع المئات من أهالي كركوك في ساحة الاحتفالات جنوب المدينة، عقب صلاة موحدة بين السنة والشيعة، أطلقوا عليها "جمعة الصمود"، أسوة بتظاهرات أخرى مماثلة خرجت في نينوى وصلاح الدين والأنبار.
وقال خليل جلال، 38عامًا، وهو أحد المشاركين إن هذه الصلاة جاءت على خلفية دعوة وجهها علماء دين يوم الثلاثاء الماضي تضامنًا مع مطالب متظاهري الأنبار ونينوى وصلاح الدين وضرورة تنفيذها، مشيرًا إلى أن قوات الشرطة فرضت إجراءات أمنية مشددة، وقطعت جميع الطرق المؤدية إلى مكان التظاهر.
وأضاف جلال لـ "العرب اليوم": إن "هذه الصلاة الموحدة تحمل رسالة للحكومة مفادها بضرورة تطبيق مطالب المتظاهرين"، مشددًا على ضرورة "تنفيذ هذه المطالب، وإلا فإن هذه التظاهرات سوف تستمر".
وأوضح جلال أن "تلك المطالب تتضمن إطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات، وإلغاء قانون مكافحة الإرهاب، وإحداث حال من التوازن في الحكومة، وعدم تفرد حزب وجهة بمقدرات البلاد، وإلغاء قانون المسألة والعدالة".
ومن جهة أخرى، قال إمام وخطيب جامع أبي حنيفة النعمان عالم الدين عبد الستار عبد الجبار لـ "العرب اليوم": إن "قوة من مكافحة الشغب منعت المصلين من الخروج من جامع أبو حنيفة النعمان، بعد صلاة الجمعة، واحتجزتهم داخل الجامع لمنعهم من التظاهر في الشارع".
وعد عبد الجبار "هذه الإجراءات مخالفة للدستور والقانون"، مؤكدًا أن "من واجب القوات الأمنية حماية حدود الوطن، وليس حصار أبو حنفية النعمان".
وشهدت منطقة الأعظمية شمال العاصمة بغداد إجراءات أمنية مشددة، منذ صباح الجمعة، إذ انتشرت قوات من الشرطة والجيش على مداخل المنطقة، وفرضت إجراءات مشددة على الدخول إليه، كما انتشرت قوات مكافحة الشغب بالقرب من جامع أبو حنيفة النعمان.
وأفاد مصدر أمني بأن قوات الشرطة احتجزت عددًا من المواطنين في نقاط التفتيش المنتشرة في منطقة الأعظمية، لمنعهم من الوصول إلى جامع أبي حنيفه النعمان، ومنعتهم من الوصول إلى الجامع دون ذكر مزيد من التفاصيل
وتشهد البلاد منذ الـ21 من كانون الأول/ ديسمبر 2012، تظاهرات على خلفية اعتقال عناصر من حماية وزير المالية القيادي في القائمة العراقية رافع العيساوي، انطلقت شرارتها من محافظة الأنبار، لتمتد إلى محافظات صلاح الدين ونينوى وكركوك، تنديدًا باعتقال حماية العيساوي وسياسة رئيس الحكومة نوري المالكي، والمطالبة بإطلاق سراح جميع المعتقلين والمعتقلات، وإلغاء قوانين المساءلة والعدالة ومكافحة الإرهاب، وتطبيق قانون العفو العام، وإسقاط حكومة المالكي.
وكانت القائمة العراقية دعت، في الـ23 من كانون الأول/ ديسمبر 2012، أهالي نينوى وصلاح الدين والأنبار إلى الاعتصام حتى تحقيق مطالبهم في نظام ديمقراطي "يكفل حقوق الجميع"، وفي حين اتهمت رئيس الحكومة نوري المالكي بـ"افتعال" قضية حماية العيساوي "للتغطية على فشله"، بررت عدم حضورها جلسة البرلمان، الجمعة، بـ"انشغالها بدرس الأزمة الحالية".
وطالب رجل الدين البارز، عبد الكريم السعدي، متظاهري الأنبار، في الـ30 من كانون الأول/ ديسمبر 2012، بـ"الابتعاد عن الكلمات النابية"، ودعا المرجعيات الدينية إلى "نصح السياسيين"، واصفًا المتظاهرين بالسائرين على درب الحسين، عادًا من يصفهم بالطائفيين "بالمخطئ".
وهدد مجلس عشائر محافظة ديالى، في الأول من كانون الثاني/ يناير 2013، بالخروج في اعتصامات واحتجاجات في حال لم تستجب الحكومة العراقية لمطالبهم خلال 72 ساعة، وهي المطالب ذاتها التي تقدم بها المتظاهرون في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى.
ويرى محللون سياسيون أن استمرار التظاهرات في البلاد، التي اتهمت من بعض الكتل السياسية بالطائفية، يولد مخاوف من عودة البلاد إلى سنوات العنف الطائفي، خلال الأعوام 2005، 2006، 2007، في حال عدم تدارك الأزمة، خاصة بعد أن تحولت التظاهرات إلى اعتصامات مفتوحة رفعت خلالها أعلام النظام السابق، وصورًا لرئيسه صدام حسين، ورئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، في محافظات غالبية سكانها من المكون السني.
من جانبهم، جدد متظاهرو الأنبار، الجمعة، مطالبتهم بإطلاق سراح المعتقلات من السجون، وإلغاء المادة 4 إرهاب، وإلغاء التهميش في مؤسسات الدولة، وفي استجابة منهم لدعوة جوامع الفلوجة إلى صلاة موحدة، أطلقت عليها "جمعة الصمود"، على الطريق الدولي الرابط بين الفلوجة والأنبار، شارك الآلاف من أهالي المحافظة، رافعين شعارات منددة بالحكومة، وبعمل اللجنة التي شكلها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من مجموعة علماء الدين، للنظر في قضايا المعتقلين، مرددين شعارات مختلفة منها "لا نخاف عصا المالكي ولا جزرة خالد الملا".
هذا، و تشهد محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين منذ 25 كانون الأول/ ديسمبر الماضي تظاهرات حاشدة، شارك فيها علماء دين وشيوخ عشائر ومسؤولين محليين، أبرزهم محافظ نينوى أثيل النجيفي، ووزير المالية رافع العيساوي، للمطالبة بإطلاق سراح السجينات والمعتقلين الأبرياء، وتغيير مسار الحكومة، ومقاضاة منتهكي أعراض السجينات.
وفي سياق متصل حذر مكتب القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي من وجود مجموعات "إرهابية" تخطط لاستهداف المتظاهرين في الأنبار، فيما أكد أن القوات المسلحة ستقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين حماية المتظاهرين.
وقال المكتب في بيانه، الصادر الجمعة، والذي تلقى "العرب اليوم" نسخة منه، "إن الأجهزة الأمنية لديها معلومات موثوقة المصادر عن وجود مجموعات إرهابية مسلحة تنتمي إلى القاعدة والبعث، الذين يتربصون ببلادنا، تخطط للدخول إلى ساحة تظاهرة الفلوجة والأنبار، بغرض القيام بأعمال إرهابية مسلحة ضد المتظاهرين، هدفها إثارة الفوضى وسحب القوات المسلحة للاصطدام معها، وخلط وتعقيد الموقف واستغلال الأوضاع".
كما دعا المكتب من وصفهم بـ"المتظاهرين السلميين"، إلى أخذ الحيطة والحذر، واتخاذ ما يلزم لمنع تسلل هؤلاء إلى ساحة التظاهرة.
من جانبه، هدد رئيس الحكومة نوري المالكي، في لقاء متلفز مع فضائية العراقية شبه الرسمية، في 1 كانون الثاني/ يناير 2013، باستخدام القوة لفض المظاهرات التي وصفها بـ"المخالفة للدستور"، حيث أشار إلى أن من يقف وراء استمرارها "أجندات ترمي إلى زعزعة الدولة"، وأكد أن الطريق الدولي الذي اتخذه المتظاهرون ساحة للتظاهر بعد غلقه "سيفتح بالقوة".
يذكر أن رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي قد دعا في وقت سابق إلى عقد جلسة استثنائية للبرلمان، الأحد المقبل، لمناقشة الأزمة السياسية الراهنة، مطالبًا جميع أعضاء مجلس النواب بالحضور إلى الجلسة، كما أكد نائب رئيس الوزراء صالح المطلك على ضرورة الاستجابة لمطالب المتظاهرين، التي وصفها بـ"المشروعة"، داعيًا الكتل السياسية إلى العمل بجدية داخل البرلمان والحكومة من أجل تنفيذها.
أرسل تعليقك