جانب من احتفالات لحركة "فتح" "صورة من الأرشيف
جانب من احتفالات لحركة "فتح" "صورة من الأرشيف
غزة ـ محمد حبيب
سادت في الآونة الأخيرة أجواء المصالحة الفلسطينية، بين حركتي "فتح" و"حماس"، عقب سماح الأخيرة بإقامة مهرجان "الانطلاقة الفتحاوية" في ساحة السرايا الرئيسية، وسط مدينة غزة، فمنذ أكثر من ست سنوات, لم تشهد طرقات وباحات المحلات في قطاع غزة أعلام "حركة فتح" الصفراء، أو
الكوفية الفلسطينية، فقد كان وقع الانقسام الفلسطيني صعبًا على طرقات غزة، كما كان على طرقات الضفة.
وقد كانت الظاهرة الأكثر مشاهدة هي أعلام "فتح" والكوفية الفلسطينية, فهذا يبيع أعلام فلسطين، وذاك يبيع العلم الأصفر، وآخرون يبيعون الكوفية الفلسطينية. و يقول أحد الباعة الجوّالة و يدعى سائد "إن احتفال الانطلاقة الخاص بحركة فتح هو مصدر رزق جديد, فالجميع يعلم حجم مؤيدي ومحبي حركة فتح, لذا فنحن نجد زبائننا بسرعة، ونبيع ما لدينا".
بائع آخر يؤكد أنه فرح جدًا ببيعه رايات "فتح"، فهو "فتحاوي حتى النخاع" كما يقول, وقد شكر البائع "حماس" والحكومة الفلسطينية في غزة على منح حركته تصريح إقامة "مهرجان الانطلاقة"، واعتبرها "بداية خير"، لتطبيق المصالحة الفلسطينية المنشودة.
هذا وقد سعت "حركة فتح" الفلسطينية إلى إقامة المهرجان هذا العام في ساحة الكتيبة في غزة، وهو المكان نفسه الذي أقامت فيه "حماس" مهرجانها، إلا أن "فتح" لم تحصل على موافقة الحكومة المقالة، وذلك تحت مبررات أمنية، وبعد خلافات استمرت طويلاً، تمت الموافقة على إقامة المهرجان في ساحة أخرى، تُدعى ساحة السرايا.
يأتي ذلك بعد 6 سنوات من عمر الخلافات الفلسطينية بين حركتي "حماس" و"فتح"، كانت خلالها عجلة المصالحة متعثرة، تلتقط أنفاسها الأخيرة، من دون تحديد أي الأطراف مسؤول عن ذلك.
وبعد الحرب الأخيرة على غزة، توجهت أنظار الفلسطينيين نحو المصالحة، فأحيت "حماس" مهرجانها في الضفة الغربية، بعدما كانت ممنوعة من إحيائه، ووافقت حكومة غزة على إقامة "فتح" مهرجان انطلاقتها في غزة. وهي الخطوة التي يعتبرها عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" في قطاع غزة يحى رباح "خطوة جيدة في سبيل إنجاح المصالحة الفلسطينية المتعثرة منذ سنوات الانقسام الأولى".
وقال رباح "إحياء مهرجان حماس جاء بعد أجواء المصالحة، التي سادت الضفة والقطاع عشية الحرب على غزة. وكان من اللازم التشاور بشأن مهرجان فتح، والموعد وكيفية المشاركة في المهرجان، وكانت هناك تطمينات بأن المهرجان سيقام، وحدث أن سادت بعض التغييرات خلال المباحثات مع الحكومة في غزة بشأن المكان".
و يضيف رباح "هذا الاختلاف بشأن المكان استمر أيامًا، واحتاج أن تتدخل بعض الوسائط من بعض القوى والفصائل الفلسطينية، التي جلست مع إسماعيل هنية، وخرجت بالموافقة على إقامة مهرجان الحركة، وكان البديل لمهرجان الانطلاقة في حال منعه هو الخروج في مسيرات في شوارع غزة".
وتابع رباح قائلاً "هذه الأجواء التي تسبق المصالحة يجب أن تتوظف بشكل جيد في الأيام المقبلة، و يجب التخفيف من حدة التصريحات الإعلامية وغيرها، والتوجه بها نحو أجواء المصالحة".
من جانبه، يقول أحد أعضاء الشبيبة الفتحاوية محمد حسنين "إن خطوة حماس في عدم منع حركة فتح من إحياء الانطلاقة يصب في صالح المصالحة الفلسطينية، التي تحتاج إلى خطوات إيجابية، حتى تترجم إلى واقع ملموس على الأرض، فقد مللنا من أجواء المشاحنات والخلافات الفصائلية، و يجب أن تتوحد الأيدي من أجل أن نوجه البوصلة نحو الهدف، وهو تحرير فلسطين".
وأضاف "حركة حماس أحيت مهرجان انطلاقتها في الضفة الغربية، بعد أن سمحت لها حكومة رام الله بذلك، لكن بدأنا نسمع منذ أسبوع ونصف عن بعض الخلافات التي دارت بين القيادة في حركة حماس وحركة فتح، بشأن المكان الذي اختارته فتح لإقامة المهرجان، وكنا نخشى أن تؤثر هذه الخطوات على المصالحة".
و يتابع حسنين قائلاً "يجب أن يدرك الأطراف سواء في حركتي فتح أو حماس أن المصلحة العامة هي التي يجب أن تتسامى، و يجب أن ينسوا الجراحات، فالمحتل واحد، وهو يترقبنا بالمرصاد، سواء من خلال شنه الحرب على غزة، أو الحرب السياسية التي يمارسها على رئيس السلطة، بعد خطوته الأخيرة بأخذ عضوية دولة مراقب في الأمم المتحدة".
ويختم حسنين حديثه قائلاً "خمس سنوات مرت على الانقسام، تعلم الشارع الفلسطيني خلالها الكثير من الدروس، وفهم المعادلة واللعبة التي أوقعنا فيها الاحتلال. فالأمر لا يقتصر فقط على إحياء مهرجان في غزة، وإنما يجب أن يتعدى إلى خطوات كثيرة مدروسة، بالسماح لحركة فتح بممارسة أنشطتها السياسية والعسكرية في القطاع، مع الأخذ بعين الاعتبار أن فتح في الضفة يجب أن تسمح لحركة حماس بممارسة أنشطتها المتنوعة أيضًا، فقد قدمت حركة حماس قربانًا جيدًا لحركة فتح، حين سمحت بإقامة مهرجانها في غزة، والأيام ستكشف النوايا".
أما المحلل السياسي رياض العيلة، فيرى أن "نجاح أي خطوة يجب أن يكون مبنيًا على بعد استراتيجي وسياسي واضح، فمنهج المصالحة الذي أشبعنا الحديث عنه أصبح مملاً جدًا، وغير مجدي، فلا خطوات حقيقة على الأرض تصب في مصلحة المصالحة".
وأضاف العيلة "كل ما يحدث الآن هو السماح بإقامة مهرجانات هنا وهناك، من أجل كسب رأي سياسي، أو إضافة رجل هنا أو هناك، كمؤيد لحركتي التناقض الفلسطيني".
وعن سؤال بشأن المماطلة والتسويف في الموافقة على إحياء المهرجان، يتابع العيلة قائلاً "هذا كان متوقعًا من الحكومتين في غزة ورام الله، فهناك توجسات حقيقية، قد تحدث لو أرادت بعض الأطراف الخارجة عن الصف الوطني ذلك، وهذا ما تخشاه حركة حماس، أن تفقد سيطرتها على العناصر المختلفة، الأمر الذي قد يغذي نار الفتنة والخلافات من جديد، لو حدث ذلك".
و يضيف "هذه المخاوف مأخوذة على محمل الجد من قبل الحكومة في غزة، وهو أمر طبيعي جدًا، فمن أهم شروط الحكم تحقيق الأمان، وهذا بالضبط ما تحرص الحكومة الغزية على ترسيخه في قطاع غزة، منذ العام 2007.
في غضون ذلك، أعلنت مصادر دبلوماسية في القاهرة أن كانون الثاني/يناير المقبل سوف يشهد جولة جديدة فى ملف المصالحة الفلسطينية الذي ترعاه مصر بين حركتي "حماس" و"فتح"، وأوضحت المصادر أن رئيس السلطة محمود عباس قد وعد وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو خلال زيارته إلى رام الله بتلبية دعوة الرئيس محمد مرسي، وزيارة القاهرة خلال الأيام القليلة المقبلة، للتباحث بشأن آلية تحقيق المصالحة.
وقالت وزارة الخارجية المصرية أن زيارة عمرو لـ"رام الله" تستهدف مد الجسور مع السلطة، في سبيل دفع عملية المصالحة، وبحث القضايا التي تعرقل هذا الملف، مؤكدة على أن إنهاء الانقسام والنتائج المترتبة عليه من أولويات مصر فى هذه المرحلة، على الرغم من الأوضاع الصعبة التي تمر بها فى ظل التحول الديمقراطي بعد الثورة.
هذا، و تسعى مصر خلال مؤتمر المصالحة المرتقب إلى تذليل العقبات التي تواجه المصالحة المجتمعية والسياسية، لاسيما ملفي الانتخابات والتوترات الأمنية الداخلية، اللذان يعطلان تنفيذ البنود التي جرى التوافق عليها بين حركتي "حماس" و"فتح" في القاهرة، خلال آيار/مايو الماضي، بموجب "إعلان الدوحة".
أرسل تعليقك