صورة أرشيفية لتظاهرة في بغداد
بغداد ـ جعفر النصراوي
قال محللون سياسيون أن "الدماء التي سالت في سورية على مدى العامين الماضيين جرَّت العراق والمنطقة إلى هاوية الطائفية، ولكن في الوقت الذي يتم فيه تدمير سورية، أصبح الوضع في العراق أكثر خطورة، إذ صارت الطائفية أعمق، ووقفت عند نقطة أكثر أهمية، إنها العراق، وليست سورية، التي تواجه احتمالات مؤكدة أن يتم
تمزيقها بسبب الطائفية، مع تداعيات المنطقة بأسرها".
وأكد الكاتب المتخصص في الشأن العراقي وضاح خانفار، في مقاله في صحيفة "الغارديان" البريطانية، إن "العراق أصبح أكثر استقطابًا الآن مما كان عليه في عهد صدام حسين، لأن طعم المرارة والتفكير في الانتقام مما حدث خلال الحرب الأهلية التي أعقبت الاحتلال الأميركي، مازالت محفورة في أذهان الناس، وأصبح التنافس الإقليمي والدولي على مواردها الغنية بالنفط الآن أكبر من أي وقت مضى، غير أن الفساد انتشر بشكل ملحوظ اليوم، وأصبح تصنيف العراق من قبل منظمة الشفافية الدولية على أنه من بين أكثر الدول فسادًا في العالم، والغريب أن في هذا البلد المنتج للنفط، لا توجد الخدمات الأساسية وتعاني البنية التحتية بالفعل من ضعف شديد وهي مستمرة في الانخفاض".
وأضاف الكاتب في مقاله "في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى القيادة الديمقراطية، لتضميد جراح الطائفية وترسيخ المصالحة الوطنية، أنشأ رئيس الوزراء نوري المالكي بدلا من ذلك سلطة استبدادية، وبذلك أسقط بغداد في أزمة عميقة، والتي تصاعدت تداعياتها في الأسابيع الأخيرة مع خروج الآلاف إلى الشوارع في المناطق السنية للاحتجاج ضد الحكومة التي يقودها الشيعة".
وأوضح خانفار"في انتخابات العام 2010 ، فاز ائتلاف العراقية، وهو ائتلاف غير طائفي ، بـ91 مقعدًا وبذلك حصل على الأغلبية البرلمانية، مقابل مقعدين لاتلاف حكومة المالكي، لكن الضغط الايراني أكد أن المالكي برز كرئيس الوزراء".
وقال الكاتب"تبع ذلك اتفاق لتقاسم السلطة، ولكن بعد مرور سنتين، فشل المالكي في التشبث في الحكم، فهو الآن يتحكم في السلطات كلها في بغداد، إنه رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية بالوكالة، والقائم بأعمال رئيس الاستخبارات، والقائد العام للقوات المسلحة، وإضافة إلى ذلك، يتهمه شركاؤه باستخدام القضاء، للقضاء على الخصوم السياسيين، مما دفع ذلك الإنتربول لإصدار مذكرة تفيد بعدم التعاون مع القضاء العراقي لتحيزها، وتسييسها واستخدامها للقضاء على المنافسين تحت ضغوط سياسية".
وأشار خانفار إلى أنه "بموجب قانون مكافحة الإرهاب في العراق، يمكن للسلطات احتجاز ومقاضاة المشتبه فيه على أساس الأدلة السرية، وكانت الحالة الأكثر بروزًا هي قضية نائب الرئيس، طارق الهاشمي، الذي حكم عليه بالإعدام من قبل محكمة غيابيًا، ويعتقد الكثير من الناس أن تهمة الإرهاب الموجهة إليه ملفقة، وفي كانون الأول / ديسمبر الماضي، اعتقلت قوات الأمن عددًا من حراس ومستشاري وزير المالية والقيادي في الحركة الوطنية العراقية، رافع العيساوي، واتهم العيساوي الشرطة بتعذيب المعتقلين لانتزاع اعترافات ضده، وهذا سبب غضبًا كبيرًا بين السنة في محافظة الأنبار، وكان في الواقع الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات الحالية".
وأكدالكاتب أنه "على الرغم من أن الغالبية العظمى من آلاف المعتقلين في السجون العراقية هم من السنة، لكن القضية التي أثارت حساسيات الرأي العام العراقي، وكانت الأهم بالنسبة لهم، هي احتجاز المئات من النساء في ظروف مروعة، ويتهم المحتجون السلطات العراقية بتعذيب واغتصاب المعتقلات".
وقال خانفار إنه"على الرغم من أن حكومة المالكي شيعية، لكن قطاعات كبيرة من المجتمع الشيعي لهم انتقادات وشكاوى عدة حول سياساته الاستبدادية، وحضر المظاهرات وفود للتضامن مع السنة من المناطق الشيعية، وزار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر المناطق السنية وأعلن تأييده للمتظاهرين".
وأوضح الكاتب"أن الأكراد في شمال العراق، الذين من المفترض أن يكونوا شركاء في اتفاق لتقاسم السلطة في العام 2010 ، ليسوا أقل غضبًا من السنة، وزادت سلسلة من الأزمات والتوترات بين أربيل وبغداد حتى وصلت إلى مستوى خطير".
وقال خانفار"أصبح لدى المالكي ميول طائفية في الشهور الأخيرة مع انحسار قوة بشار الأسد في سورية، إذ أن دمشق عنصر مهم في التحالف الذي يمتد من طهران، مرورًا ببغداد، إلى حزب الله في لبنان، لذلك أصبح لدى المالكي والإيرانيين مخاوف من أن سقوط النظام السوري سيشجع السنة والأكراد في العراق للمطالبة بنصيب أكبر من الكعكة السياسية، لهذا السبب، لا تريد طهران بدء صراع طائفي في العراق ولكنها مع ذلك، تستمر في دعم المالكي".
وأوضح الكاتب"إذا كان الموقف الإيراني تجاه المالكي واضحًا، إلا أن موقف الولايات المتحدة لا يمكن تفسيره، فقد أنفقت أميركا ما يقرب من تريليون دولار على حربها في العراق، وخسرت 4500 جندي، وعددًا كبيرًا من المصابين بجروح مروعة، ليتخلصوا من صدام، بحجة أنه كان دكتاتورًا وهدد الاستقرار في المنطقة، ولكن بعد عشر سنوات من الإطاحة به، تدعم واشنطن دكتاتورًا جديدًا يتبع سياسة من شأنها أن تؤدي إلى مواجهة طائفية بعيدة المدى في الشرق الأوسط".
وتساءل الكاتب في مقاله"لماذا واصلت أميركا دعم حليف إيراني في بغداد ؟ وبعد احتلال العراق، أنشأ الأميركيون نظامًا سياسيًا قائمًا على المحاصصة الطائفية، ووفقًا لذلك، فإن الولايات المتحدة تتحمل بعض المسؤولية عن ذلك التدمير في النسيج الاجتماعي للبلاد، فضلا عن بحر الدماء الذي سال بعد ذلك بين الشيعة والسنة، فقد سلمت السياسات الأميركية العراق على طبق من ذهب للإيرانيين".
وأوضح الكاتب "فقد أرادت إدارة أوباما، التي اختارت إنهاء الحرب الأميركية في العراق، لتحقيق الاستقرار النسبي الذي من شأنه أن يسمح لها بالانسحاب بهدوء وحفظ ماء الوجه في الوطن، في الوقت الذي تدعي أنها تركت وراءها نظامًا ديمقراطيًا، لذلك أيدت تعيين المالكي ووافقت على تزويد الجيش العراقي بالأسلحة التي تصل قيمتها إلى 11 بليون دولار، ناهيك عن تدريب قوات الأمن التي اتهمت الآن بالانتهاكات المرتكبة ضد المعارضة".
وقال الكاتب"هذه السياسة تكشف قصر النظر الأميركي، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تدعم الإطاحة بالأسد في دمشق، كانت تدعم حكومة المالكي في بغداد، في الوقت الذي يعتبر يمثل مخاوف على مصير الأقليات الدينية في سورية على أيدي أهل السنة وهم الأغلبية هناك، وأصبحت تغض الطرف عن الانتهاكات التي تمارس ضد أهل السنة في العراق".
وأشار الكاتب في مقاله إلى أن "تصاعد التوتر الطائفي وارتفاع وتيرة الاحتجاجات الشعبية في العراق، يمهد الطريق لمواجهات دامية والتي سيكون لها عواقب وخيمة على المستويين المحلي والإقليمي".
وخلص الكاتب إلى أنه"على الرغم من كل ذلك، لكنه لا يزال من الممكن منع هذه الكوارث المتوقعة، ولكن الأمر سيحتاج إلى إقالة المالكي وتشكيل حكومة وطنية جديدة شاملة، لتقلل من التوترات الحالية وتمهد الطريق لانتخابات جديدة تحت إشراف مراقبين دوليين، وهذا هو طلب قادة الأكراد والسنة على حد سواء، ويجب على القوات العراقية الأخرى، ولاسيما التحالف الوطني الشيعي، دعم هذه المطالب إذا ارادوا أن تظل عملية المصالحة السياسية على الطريق الصحيح، ولكن البديل هو سقوط العراق في الهاوية".
أرسل تعليقك