حشود كبيرة من اليمنيين الجنوبيين
صنعاء ـ علي ربيع
شارك عشرات الآلاف من اليمنيين الجنوبيين، الأحد، في تظاهرة كبرى أقيمت في مدينة عدن(كبرى مدن الجنوب) بالتزامن مع تظاهرة أخرى أقيمت في مدينة المكلا(شرق اليمن)، كانت دعت إليهما فصائل "الحراك الجنوبي" للاحتفال للذكرى السابعة لما تسميه بـ"يوم التصالح والتسامح"الذي يصادف
ذكرى مرور 27 عامًا على المجازر الدموية التي عاشها جنوب اليمن في 13 كانون الثاني/يناير من العام 1986بين جناحي الحزب الإشتراكي اليمني الذي كان حاكمًا في الجنوب، إلى ما قبل قيام الوحدة اليمنية في أيار/مايو 1990، في حين بارك البرلمان اليمني هذه الفعالية التي يحتفل الجنوبيون لأجلها للمرة الأولى دون أن تعترضهم أجهزة الأمن اليمنية، في ظل تعليمات رئاسية غير معلنة شددت على تهيئة الأجواء المناسبة لإقامة المهرجان الجنوبي.
وفيما شهد المهرجان الجماهيري "الجنوبي" الذي أقيم في ساحة العروض وسط مدينة عدن، منذ مساء السبت فعاليات عديدة، واستعراض عسكري رمزي، وسط أعلام دولة الجنوب السابقة التي ارتفعت معها شعارات تطالب بعودة الدولة الجنوبية ، والانفصال عن الشمال، وتؤكد حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم، شدد البيان الصادر مساء الأحد، عن المشاركين في هذه الفعالية التي وصفت بـ"المليونية" على تمسك الجنوبيين بفك الارتباط عن شمال اليمن، وقال"إن شعب الجنوب الأبي يؤكد في ذكرى تصالحه وتسامحه وتضامنه، أنه لن يتراجع ولن يساوم بحقه في الخلاص من الاحتلال الهمجي الاستيطاني واستعادة دولته الجنوبية المدنية الكاملة السيادة".
وكان المشاركون الذين توافدوا من مختلف مناطق الجنوب رفعوا صور عدد من زعماء "الحراك" وفي مقدمتهم الرئيسان الجنوبيان السابقان علي سالم البيض ، وعلي ناصر محمد ، بالإضافة إلى صور رئيس الوزراء الأسبق حيدر أبوبكر العطاس ، وزعماء فصائل "الحراك" في الداخل ، والخارج ، حيث توشحت مدينة عدن بأعلام "الجنوب" ، وتم إنزال علم الدولة الموحدة من فوق مباني حكومية ، ورفع بدلاً عنها علم "الدولة الجنوبية" السابقة ، بما فيها مبنى مديرية أمن محافظة عدن القريب من ساحة المهرجان بحي خور مكسر .
وفيما أشاد البيان بروح التصالح والتسامح التي يلتزمها الجنوبيون لتناسي صراعات الماضي، مؤكدًا التمسك بخيار "التحرير والاستقلال"، عبر عن رفض الجنوبيين للمشاركة في الحوار الوطني الشامل الذي تعد له صنعاء، وقال" قرر الشعب أن لا مشاركة في مؤتمر حوار الاحتلال، كونه فخًا سياسيًا يستهدف إجهاض ثورة شعبنا وضرب قضيته في الصميم"، مضيفًا أن "شعب الجنوب اليوم يؤكد ثباته خلف خيارته السياسية التحررية التي ينبغي أن تحترم من أصحاب القضية بمختلف أطيافهم وشرائحهم الاجتماعية ".
من جهة أخرى، أكدت مصادر في السلطة المحلية في مدينة عدن، أنها تلقت تعليمات من الرئاسة اليمنية، شددت على عدم التعرض للاحتفال الجنوبي، وهي المرة الأولى التي يقام فيها مهرجان الجنوبيين "التصالحي" في سنته السابعة، بدون منغصات أمنية، كما شهدته السنوات الماضية في ظل نظام الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، في الوقت الذي شهد المهرجان الحاشد حضور قيادات في الحراك الجنوبي ألقوا كلمات بالمناسبة،أكدوا خلالها على أهمية "التصالح والتسامح" بين أبناء الجنوب من أجل الوصول إلى استعادة الدولة الجنوبية ، والانعتاق من نظام صنعاء، على حد قولهم.
في غضون ذلك التغاضي الرسمي عن إقامة المهرجان الجنوبي، أصدر البرلمان اليمني بيانًا بارك فيه المهرجان وروح التصالح والتسامح التي يحملها، وقال" إن أعمال التصالح والتسامح تأتي انسجاما مع العفو والتسامح والمصالحة والعادات والتقاليد الحميدة المتأصلة في ضمير ووجدان الشعب اليمني العظيم" مؤكدًا "على ضرورة نبذ دعوات التفرقة تأتي تجسيدا لنصوص مواد وأحكام الدستور والقوانين النافذة".
ورغم هذا التفاعل من قبل البرلمان اليمني تجاه الفعالية الجنوبية الحاشدة التي دعت إليها فصائل الحراك المطالبة بالانفصال، شدد على أهمية الحرص على وحدة اليمن، والانخراط في الحوار الوطني، داعيًا أبناء المجتمع اليمني إلى ما وصفه بـ"التحلي باليقظة الدائمة و العمل بروح الفريق الواحد من أجل ترسيخ دعائم الأمن والعمل على تهيئة الظروف والمناخات الواسعة من أجل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل" الذي قال البرلمان إن " نتائجه يؤمل عليها أن تشكل خلاصة جهد للأفكار لكل المشاركين في المؤتمر الذين سيحرصون دون شك على مصالح اليمن العليا وفي مقدمتها الوحدة اليمنية العظيمة" التي اعتبرها البيان "أهم منجز للشعب اليمني في القرن العشرين".
وكان المحتشدون الجنوبيون قد استمعوا، مساء السبت، للقاء تلفزيوني مباشر للرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض، الذي يتزعم من منفاه الاختياري خارج اليمن تيارًا جنوبيًا يطالب بفك الارتباط، جدد خلاله موقفه الرافض من حل القضية الجنوبية بالفيدرالية، مؤكدا مطالبته بالاستقلال، قائلاً إن "لدينا إمكانية لإقامة أجهزة الدولة في فترة قصيرة".
وحدد البيض شكل الدولة المستقبلية في الجنوب بـ"البرلماني التعددي الديمقراطي الفيدرالي في إدارة المحافظات" وقال "علينا أن نعترف أننا بحاجة للكل.. ورص الصفوف مع حوار جنوبي- جنوبي يؤكد على طريق الحراك السلمي".
وأضاف "أتمنى أن تكون هناك مراجعة لقضية الجنوب والبحث عن مبادرة لحلها على أساس الحل السلمي والاعتراف بالهوية والأرض واستحقاق الشعب"، محذرا من أنه "إذا لم تحل مشكلة الجنوب لن يكون هناك استقرار، و اذا لم ينصفنا العالم سنبحث عن وسائل أخرى لنسترد حقنا".
وأكد البيض على أن الحراك الجنوبي لديه قدرة أن يطرح مهام جديدة وقال "نستطيع أن نوجد دولتنا"، منبها المحيط الإقليمي والدولي بأنه "ليس هناك متسع من الوقت لاستمرار تجاهل قضية الجنوب والظلم الذي وقع عليه".
ويأتي هذا المهرجان الذي انطلق في بدايته من "جمعية المتقاعدين العسكريين" في منطقة ردفان بردفان التابعة لمحافظة لحج، لهدف طي الخلافات الجنوبية التي كانت أفضت إلى مواجهات عسكرية دامية بين فصيل الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، وفصيل البيض في حرب 13تشرين الثاني/ يناير، الدامية عام 1986، حيث قتل في يوم واحد، نحو 10 آلاف شخص، في أعنف اشتباكات عرفها الجنوب اليمني بعد استقلاله عن بريطانيا في 1967.
في هذه الأثناء وبالتزامن مع تصريحات البيض، اتهم السفير الأميركي بصنعاء جيرالد فايرستاين، من جهته، الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض، بتلقي دعم من إيران لغرض تحقيق انفصال الجنوب الذي توحد مع الشمال في أيار/ مايو من عام 1990، وقال فايرستاين في مؤتمر صحفي عقده، الأحد، بمقر السفارة الأميركية بصنعاءعقب ساعات من بدء أعمال "مهرجان التصالح والتسامح " بمدينة عدن (جنوب اليمن) "إن علي سالم البيض يسكن في بيروت ويتلقى دعمًا ماليًا من إيران، وليس لدينا شك في تقديم البيض هذا الدعم للحراك الإنفصالي وسيكون مسؤولاً عن ذلك" .
وعبر السفير الأميركي في اليمن عن قلقه من الدور الذي يلعبه البيض مع إيران في جنوب اليمن وقال "نحن قلقون من الدور الإيراني في اليمن ،وهناك براهين على دعم إيران لبعض العناصر المتطرفة في الحراك الجنوبي بهدف إفشال المبادرة الخليجية ".
وتكررت اتهامات السفير الأميركي بصنعاء لطهران بالتدخل في الشأن اليمني، الأمر الذي علق عليه السفير الإيراني بصنعاء محمود زاده مطلع الشهر الجاري بالقول "على حد علمي أن السفير الأميركي ليس الحاكم الفعلي للبلاد ، وليس من حقه توجيه التهم للآخرين ".
ويأتي انعقاد مهرجان "التصالح" الجنوبي المطالب بانفصال الجنوب عن دولة الوحدة ، بعد أيام على قرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بتشكيل لجنتين لحل مشاكل الجنوب ، وإنهاء المظالم التي أسفرت عنها حرب صيف 1994، وتسوية أوضاع الجنوبيين الذين كانوا قد أحيلوا للتقاعد القسري ، أو تم تسريحهم من وظائفهم المدنية والعسكرية، في خطوة هدف منها الرئيس هادي إلى التهيئة لعقد مؤتمر الحوار الوطني ، وترغيب الفصائل الجنوبية للمشاركة في هذا المؤتمر الذي يعول عليه في حل المشاكل اليمنية العالقة وإنهاء الأزمة السياسية.
أرسل تعليقك