آثار الدمار في سورية
لندن ـ سليم كرم
أكد محللون سياسيون أن "ثورات الربيع العربي تحولت إلى جروح متقيحة لم تلتئم بعد، وتنزف الدماء منها في كل اتجاه من سورية إلى ليبيا الغارقتان في العنف، ومن تونس إلى مصر المضطربتان سياسيًا حتى الآن، مرورًا بتحكم الميليشيات في سير الأحداث في ليبيا، حيث كشفت الممارسة الديمقراطية الوجه القبيح للشعوب العربية التي
ملأتها هذه الممارسة بالانقسامات التي لا يزال أمامها وقت طويل لتلتئم ".
وقالت صحيفة "تليغراف" البريطانية، "على أية حال، لم يبد الكأس مملؤً عن آخره قط طوال العام 2012 ولا فارغًا تمامًا في أي وقت من أوقات العام، ففي كل دولة من دول الربيع العربي يبدو أن الأمور تتجه إلى حال أفضل عدا سورية، فالمصريين لا يزالوا يتوجهون إلى صناديق الاقتراع بينما انتخبت ليبيا البرلمان وشكلت الحكومة، في حين اقتربت السلطات اليمنية من استعادة البلاد من أيدي تنظيم القاعدة للمرة الأولى خلال 2012، أما بالنسبة لسورية، يظل الوضع مجهول الملامح، ولا أحد يعلم ما إذا كان ما يحدث في سورية ثورة أم حرب أهلية، ووفقًا للعديد من المراقبين السوريين في الخارج، لقي 40000 مواطن سوري حتفهم منذ اندلاع الثورة، حوالي 20 شهرًا، على أيدي جيش بشار الأسد، بينما تشير التقديرات الميدانية إلى أن هذا الرقم يقل بكثير من العدد الواقعي، حيث تنتقل المعارك من حمص إلى حماة لتصل إلى دمشق وحلب، في أعقاب عمليات التوغل التي قامت بها قوات المعارضة في معاقل الحكومة الرئيسة، فالجيش السوري الحر والميليشيات الإسلامية التي تدعمه يسيطرون على غالبية ولايات إدلب وحلب، ويحاصرون معظم ضواحي دمشق، على الجانب الآخر تقف الحكومة شاهرة سيف العنف والقسوة ضد الجميع، من مدنيين وأسرى ينجح في اعتقالهم ولا يرحم لا طفلاً ولا إمرأة، ولا يستثني الصحافيين فيطالهم القصف وأشهرهم ماري كلفن، صحافية (صانداي تايمز) الضحية الأشهر على الإطلاق بين الصحافيين، وأشهر المناطق الواقعة في مواجهة فوهة المدفع هي حي بابا عمر، وبحكم تمركز الجيش الحر في حمص، يأمن المدنيون على أرواحهم إلى حدٍ ما، في حين تبقى مناطق مثل الحول تحت التهديد المستمر من قبل القوات الحكومية، كما تقع فريسة لميليشيات طائفية تدعم دمشق مثلما حدث أخيرًا من استشهاد 100 من المسلمين السنيين على يد ميليشيا شبيهة العلوية، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة الصادرة بشأن الوضع في سورية، ليبقى السؤال الأكثر إلحاحًا في نهاية العام الجاري، هل يبقى بشار الأسد على رأس النظام السوري بعد كل ما شهدته البلاد من مذابح؟".
وتناولت الصحيفة البريطانية الوضع في مصر، وأوضحت "بدأ العام كما انتهى سابقه، ليتوقف الزمن بالمصريين عند صندوق الانتخاب، وسط حالة مستمرة من الفوضى وسفك الدماء منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك، كما سيطر (الإخوان) المسلمون على أول برلمان بعد الثورة بأكثرية كبيرة يليهم حزب (النور) السلفي، بينما تراجع نصيب القوى السياسية الليبرالية لتظهر في صورة أقلية خاضعة، ورغم صراع رموز النظام القديم والذي تزامن مع حكم من المحكمة الدستورية العليا، لم يتمكن المجلس العسكري الحاكم الموقت للبلاد من السيطرة على زحف الإسلاميين، بعدها فاز محمد مرسي بانتخابات الرئاسة بغالبية ضعيفة للغاية ساعدته على الفوز بالكاد أمام مرشح النظام القديم وآخر رئيس وزراء لمبارك أحمد شفيق، ليقوم مرسي بإحالة قادة الجيش إلى التقاعد واستبدالهم بقادة ولاءهم الأول له هو، وبعد أن وضع مرسي نفسه فوق كل السلطات وفرض على الجميع الاستفتاء على دستور جديد، نزلت إلى الشارع المصري تظاهرات حاشدة لم ير الشارع مثلها منذ 11 شباط/فبراير 2011، ومن الجدير بالذكر أن الاستفتاء على الدستور ألقى الضوء على انقسامات حادة بين أبناء الشعب المصري".
كما ألقت "تليغراف" الضوء على الوضع في ليبيا، وقالت "كان الحديث في مثل هذا الوقت من العام الماضي حول مدى إمكان أن يؤدي وجود الميليشيات في شوارع ليبيا وافتقار الحكومة الانتقالية إلى جر البلاد إلى حربٍ أهلية، وبالطبع لم تؤد الميليشيات إلى ذلك، ولكنها لم تختف من الشارع الليبي أيضًا، وتجلى خطر تلك الميليشيات واضحًا للجميع في مقتل السفير الأميركي كريس ستيفنز في 11 أيلول/سبتمبر الماضي، حيث لقي حتفه داخل القنصلية في بنغازي هو وأحد مسؤولي السفارة واثنين من الحراس هناك، وبعد مقتله مباشرةً، بدأ السلطات الأميركية والليبية في تبادل التصريحات، مع فتح تحقيق في الواقعة التي استبعد الطرفان أن تكون عملاً إرهابيًا مخططًا تم تحت إشراف تنظيم (القاعدة)، حيث كشفت المعلومات الأولية التي توافرت للمسؤولين في ليبيا أن منفذ العملية هو ميلشيا إسلامية، بينما كان السفير يسير في حماية ميليشيا إسلامية أخرى، في حين تم استنفار عدد كبير من الميليشيات للمشاركة في البحث عن الجناة لتبدأ دوامة الميليشيات، ولم تكن هذه الصورة مجرد انعكاس لنشاط بعض الميليشيات الإسلامية في ليبيا، بل تجاوزت ذلك إلى انعكاس لحال ليبيا بالكامل، حيث لا تزال البلاد تقع تحت سيطرة الميليشيات".
وعن اليمن، أشارت الصحيفة إلى أن "العام 2012 شهد أخيرًا تسوية للنزاع على رئاسة البلاد، عندما تمكنت جميع الأطراف من الوصول إلى تسوية مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي انفرد بالسلطة لعقود عدة، فاتحًا الطريق أمام نائبه عبدربه منصور هادي لتولي الرئاسة، بعد مساع جاهدة من جانب جميع الأطراف المعنية مثل المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتحولت الانتخابات التي كان الثوار اليمنيون يحلمون بها إلى مجرد استفتاء مخيب للآمال، فاز به منصور بغالبية ساحقة، ومع أنها بداية غير مبشرة بالخير للممارسة الديمقراطية، بدأ عبدربه منصور في الإطاحة بأفراد أسرة صالح من قيادات الجيش، وكان أهم شيء بالنسبة للغرب هو هادي على الخطاب نفسه الذي يستهوي أميركا ودول أوروبا، والذي يضمن استمرار السلطات اليمنية في التعاون معهما في الحرب على الإرهاب في المنطقة، وهو ما أثبته هادي عمليًا عندما فرض سيطرته على عدد كبير من مدن الجنوب التي مثلت معاقل للميلشيات الإسلامية وتنظيم (القاعدة) في اليمن، ورغم استمرار الهجمات على معاقل (القاعدة) في جنوب البلاد بمعرفة القوات الأميركية والتنسيق مع الجيش اليمني، واستمرار وقوع ضحايا من المدنيين لتلك العمليات العسكرية، يبدو الوضع أهدأ بكثير من ذي قبل في ما يتعلق بنشاط الجماعات المسلحة التي كانت تبسط سيطرتها على المنطقة الجنوبية بالكامل تقريبًا".
أما عن الشأن الإيراني والإسرائيلي، فقالت "تليغراف"، "إنهما الدولتان غير العربيتين، إلا أنهما يقعان بما لهما من ثقل وأهمية في المنطقة وينبغي الإشارة إليهما عند الحديث عن الشرق الأوسط، فبينما ينظر البعض إلى إيران على أنها الضحية البريئة لإمبريالية الغرب، يرى البعض الآخر أنها الأصابع الخفية وراء الأحداث الدرامية في المنطقة، فهي من دعمت الرئيس السوري بشار الأسد بكل ما أوتيت من قوة، حتى أنها أرسلت جنرالاتها على الأرض لمساعدته في قتل شعبه، وهي أيضًا الدولة التي أرسلت صواريخ بعيدة المدى إلى غزة لإجبار إسرائيل على وقف قصف القطاع، حيث أدت تلك الصواريخ إلى مصرع 150 إسرائيليًا جراء الهجمات المتكررة، كما استمرت إيران على مدار العام 2012 في تخصيب اليورانيوم، لأغراض بحثية طبية حسب مزاعمها، ولأغراض ذات صلة بتطوير سلاح نووي على حد زعم الغرب، وهو ما جرها إلى الخضوع لسلسلة من العقوبات أصابت اقتصادها بالوهن، إلا أنها لم تنل من البرنامج النووي حتى الآن"، مشيرة إلى أن "المعارضة في كل من إسرائيل وواشنطن منعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من إرسال المقاتلات الجوية لقصف الأهداف النووية في إيران، إلا أنه من الممكن أن تُطلق يد نتنياهو في هذا الأمر ليكون أكثر تحكمًا في قرار الحرب على طهران بعد فوزه في انتخابات كانون الثاني/يناير الجاري".
أرسل تعليقك