بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر
بيروت ـ جورج شاهين
وجّه رسالة الميلاد، جاء فيها: "تأتي علينا هذه الأعياد الخلاصية في خضم أحداث عاشتها كنيستنا الأنطاكية، أولاً بفقدان المثلث الرحمات أبينا البطريرك أغناطيوس الرابع، الذي رعى شؤوننا بتأنٍّ وإخلاص لعدد من العقود ستبقى ذكراه في أذهاننا
وقلوبنا باستمرار، وتبقى مؤبدة عند الله الذي خدم طيلة حياته. وكذلك تعاني كنيستنا من الأوضاع المأسوية التي يعيشها شعبنا، من جراء العنف والاضطراب الذي يسود منطقتنا"، مضيفًا "يأتي إلينا العيد وشعبنا يواجه الكثير من المتغيرات والتحديات في عالم يبتعد باطراد عن المفاهيم التقليدية، جاعلاً من العنف وشهوة الاستهلاك والتملك قانونًا جديدًا لحياته.
وأضاف: "شاءت نعمة الروح القدوس أن يختارني الإخوة أعضاء المجمع المقدس لخلافة هذا الحبر العظيم، رغم شعوري بعدم الاستحقاق، لكن اتكالي على الله وعليكم، إخوتي وأبناء كنيستي، يقويني، ويجعلني أنظر برجاء إلى المعونة الإلهية التي ستسمح لنا بتجاوز هذه المحن، والتقدم نحو غدٍ أفضل".
وأردف "في خضم هذه الأحداث، تركتم في قلبي شعورًا أكيدًا أنكم عشتم هذه الفترة كشعب الله الحي، وقد عبرتم عن ذلك في ثلاثة مواقف: في التأثر الكبير عندما عزيتم في الفقيد الكبير، في الصلاة والصوم والرجاء، في الفترة الفاصلة قبل الانتخاب، وأخيرًا، في الفرح والحبور والسلام الذي ظهر بعد الانتخاب. كل هذا مدعاة شكر لكم وفخر بكم، ورجاء وطيد في جسد كنيستنا الواحد".
وتابع يوحنا العاشر: "وها إن الطفل الآتي إلينا في مغارة لكي يموت من أجلنا يذكرنا أنه معنا، يحاكينا، يتكل علينا لنقل رسالة السلام والمحبة التي أطلقها إلى كل واحد منا ولكل العالم. يأتي إلينا متواضعًا، يطرق باب قلوبنا بخفر كأنه يريد الولادة فيه. ليس عيد الميلاد فقط تذكار ولادة يسوع في مذود من البتول والدة الإله، لكنه مدعو أن يكون أيضًا عيد ولادته فينا التي ستحصل إن كنا نسعى إلى الطهارة التي للعذراء مريم. ولادة يسوع فينا لا بد أن تجعلنا نجدد التزامنا بتعاليمه، وسعينا لكي نكون كنيسته بلا غضن ولا وهن، بل طاهرة ومتلألئة بروحه القدوس. فنعي معا أن كنيسة المسيح أمنا، وأن الرعاة والمؤمنين فيها، مدعوون أن يكونوا رسلا له، داعين إخوتهم في العالم إلى المصالحة ونبذ العنف لكي يسود سلامه".
وواصل "لن يقتنع العالم إن لم يشعر أنه محبوب كثيرًا من أتباع يسوع، وأنهم خدام له، الكنيسة أمنا، كل واحد منكم مهم، ومكانته فريدة فيها. الرعاية حقكم على رعاتها. على الراعي، في كل مستويات الرعاية، أن يخرج إليكم، صاغيًا، لمشاكلكم، ساعيًا لمساعدتكم، وللإجابة عن تساؤلاتكم المصيرية".
وأضاف "حقكم أيضًا عليها، مقابل خضوعكم لكلمة الله، وسعيكم الحثيث إلى التمثل به، أن تشرككم في عمل الشورى والمشاركة في حل أمورها، إذ إن الأبناء جميعًا، مع رب العائلة، يسهرون على مصير العائلة".
وأردف: "يأتي إلينا هذا العيد وكثير من أبناء كنيستنا مشردون، بعيدًا عن بيوتهم، يعانون الكثير. واجبنا كإخوة لهم أن نعضدهم ونواسيهم، ليس فقط بالأموال والإعانة المادية الضرورية، بل أيضًا بالاستفقاد والحنان والمحبة".
وواصل "يأتي إلينا العيد وشعبنا يواجه الكثير من المتغيرات والتحديات في عالم يبتعد باطراد عن المفاهيم التقليدية جاعلاً من العنف وشهوة الاستهلاك والتملك قانونًا جديدًا لحياته. ولا بد أن البذخ الذي نرافق به هذا العيد، عيد فقير بيت لحم، لهو علامة كافية لكي نعي أننا قد اتبعنا مثل هذه القوانين لحياتنا. وكما تعودنا أن نعطي بعضنا بعضًا الهدايا، كما فعل المجوس مع الرب يسوع، فلنعبر عن محبتنا للطفل الإلهي الآتي إلينا - كما يدعونا هو - بإطعام الجائع وزيارة المريض وإيواء المشرد، وتقديم ما نتمكن عليه. يأتينا هذا العيد أيضًا وكثر في بلادنا يتساءلون عما ينتظرهم".
وأردف: "إخوتي، طفل المغارة يقول لنا: لا تخافوا لأني معكم. لا تخافوا لأنكم إخوة مدعوون إلى التعاضد ومساندة بعضكم بعضًا. لا تخافوا لأنكم أهل هذه البلاد التي شاء الله ومنذ القدم أن تولدوا فيها. لا تخافوا لأن لكم فيها إخوة كثيرين يدينون بالمحبة وحسن التعايش.
لا تخافوا فتتحجروا بل قابلوا الكل بالود والفرح والثقة التامة في إلهكم الذي هو إله المحبة، الذي هو محبة، كونوا دعاة مصالحة، دعاة حوار في الأعماق".
وتابع "نعيّد هذا العيد مع إخوتنا المسيحيين. فنصلي لكي يعطينا الله أن نعمق الحوار معهم جميعًا، لكي نصل إلى الوحدة المرجوة من الله، والتي من دونها لن يؤمن العالم أن يسوع مرسل من الآب. فلنعيّد أيضًا مع إخوتنا المسلمين الذين يعلون مقام السيد المسيح، ويقرون بميلاده البتولي من مريم العذراء كما شاء الله. عيدنا إذًا مشترك معهم إذا عرفنا أن نحاورهم حوار الحياة والتعايش والاتفاق بشأن المفاهيم التي تجمعنا في ديننا ودنيانا".
وقال: "إخوتي، اسجدوا أمام طفل المذود الذي شاء أن يسكن فيكم، لا يسعني هنا سوى الالتفات إلى أبنائنا الذين يتطلعون إلينا من الأقطار كافة، أبنائنا في الخليج العربي، أوروبا، أستراليا والأميركيتين. أنتم في قلبي مذ تعرفت بكم في أسفاري، والتقيتكم في رعايتي لكم. حقًا أنتم ترجمة حقيقية لرسولية أنطاكية اليوم في البلاد التي تعيشون فيها، حبكم لأنطاكية وعيشكم لإيمانكم يلزمني اليوم أكثر من الأمس أن تكون الأيدي معًا في خدمة الكنيسة، وتقديم شهادة حية عن وحدتنا ومحبتنا".
وأضاف "بهذا نكون شهودًا للرب في العالم، وتكون كنيستنا الأنطاكية أمينة لتاريخها الذي يتلألأ بنور الشهداء والقديسين. لا سبيل لنا سوى القداسة التي تجعل كل شيء ممكنًا".
وختم "أرسل إليكم البركة الرسولية مؤكدًا أني أحمل كل واحد منكم في قلبي، وأدعو الله أن يجعلني خادمًا أمينًا له فيكم، وأن نعمل معًا ليتمجد الله في الإنسان الذي أحبه، وفي الكنيسة التي تحمل اسمه في هذه الدنيا".
أرسل تعليقك