نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية
بغداد ـ جعفر النصراوي
دخلت الازمة العراقية المتفجرة سياسيًا وامنيًا في اتون التحليلات خصوصا مع كشف مصدر مطلع من التحالف الوطني العراقي لـ"العرب اليوم" عن تعرض رئيس الوزراء نوري المالكي لانتكاسة صحية ادخل على اثرها المستشفى للعلاج ، عقب تسلمه رد المرجعية الدينية الشيعية على طلبه
بحل البرلمان معتبرة ذلك (خطا احمر ) .
ورأى مراقبون ان ثلاثة سيناريوهات محتمله للشان العراقي مع احتدام المشكلة التي فجرها ابناء المناطق الغربية من خلال تظاهراتهم التي طالبت باسقاط الحكومة الذي اختفى عن الإعلام منذ الاثنين الماضي كما انه تغيب عن جلسة المجلس التي عقدت الثلاثاء بسبب المرض ورأس تلك الجلسة نائبه حسين الشهرستاني الذي يقوم حاليا بدور كبير مفاوضي الحكومة مع المتظاهرين.
وتزامن مرض المالكي مع توقف موقعه الالكتروني "لغرض الصيانة" والمستمر بالتوقف حتى الآن.
وكانت مصادر رفيعة المستوى في التحالف الوطني قد كشفت في وقت سابق أن المرجعية الدينية في النجف ردت "بقسوة" على دعوات رئيس الحكومة وائتلافه النيابي ورات ان حل البرلمان "خط أحمر"، وأكدت ان الرد أبلغ به نائب رئيس مجلس الوزراء حسين الشهرستاني والمستشار الديني لرئيس مجلس الوزراء عبد الحليم الزهيري اللذين سافرا قبل يومين الى النجف في مروحية خاصة في محاولة للقاء المرجعية الدينية للتشاور معها في حل البرلمان.
وبينت المصادر حينها ان المرجعية رفضت لقاءهما واقتصر اللقاء على نجل المرجع السيستاني ونجل المرجع الفياض اللذين اكدا للموفدين ضرورة أن تقوم الحكومة بتلبية مطالب المتظاهرين وتفعيل دور البرلمان والطلب من التحالف الوطني كائتلاف وليس كشخص التحاور مع باقي المكونات السياسية من أجل حل الأزمات في البلاد، كما أبلغتهما عدم رضاها عن ظاهرة الانفراد بإدارة الدولة، وسياسة اثارة الازمات وفتح الملفات خارج الأطر الدستورية بما يؤدي بالبلاد الى منزلق لا يحمد عقباه".
وراى مراقبون أن "الضوء الاخضر الذي اعطته المرجعية الدينية يعد اضفاءا للشرعية لبعض مطالب المتظاهرين منحتهم القوة في تظاهراتهم مايجعل ثلاثة سيناريوهات محتمله على الساحة العراقية أولها أن يستقيل نوري المالكي بأمر التحالف الوطني المكون الاساس للتحالف الشيعي في البرلمان العراقي ويعين بديلا عنه ويكون ملزما بتنفيذ اتفاقية اربيل وانصاف المكون السني في مشاركتهم في ادارات ملفات الدولة
، والثاني أن يتعهد المالكي بعدم الترشح لولاية ثالثة ويقوم في الوقت نفسه بتطبيق اتفاقية أربيل بحذافيرها، وبفتح الباب أمام استجواب كل الفاسدين، والكف عن التحكم بالقضاء وهذا السيناريو سيسهل تصحيح وضع السنة العراقيين ورفع المظلومية عنهم حسبما طلبت مرجعية النجف والمطلوب من ذلك تغيير نهج حكم المالكي والوقوف امام ديكتاتوريته وانفراده باتخاذ القرار
اما السيناريو الثالث هو أن يفتعل المالكي قتالاً داخليا بضرب التظاهرات والاعتصامات ويقوم بتعطيل الدستور والبرلمان وهذا خيار ان لجأ اليه المالكي فهو يحتاج الى دعم غير محدود من قبل الطرفين الاكثر تاثيرا في الوضع العراقي الا وهما الولايات المتحده الاميركية وايران
وبدورها حذرت المرجعية الشيعية المالكي من مغبة اللجوء الى هذا الحل مخافة انقسام الجيش العراقي الذي يخشى ضباطه من التورط مع القائد العام، إذا ما اندلعت أي حرب داخلية وان أي حرب أهلية ستندلع في العراق ستؤدي إلى انقسام الجيش لأن ضباطه ومراتبه يخشون التورط في مغامرات القائد العام للقوات المسلحة"، وكانت المرجعية الدينية كانت قد حملت التحالف الوطني مسؤولية "تصحيح مظلومية السنة" لأنها الكتلة المسؤولة عن التفاهم مع بقية الكتل السياسية الأخرى بشأن الشراكة في إدارة أمور البلاد.
كما ان واشنطن وطهران ايضا لديهما تحفظات من سلوك المالكي وتفرده بالسلطة ويرى البعض من المراقبين ان إيران تعتبر أن المالكي حول العراق إلى عبء إضافي على كاهلها المثقل بالمسؤوليات والصراعات التي تمتد من ساحل المتوسط إلى أفريقيا الوسطى".
وتسببت الأزمة المندلعة في سوريا منذ نحو سنتين بأزمة أكبر في إيران، فالنظام السوري الذي كانت إيران تعتمد عليه في تحريك أوراق ضغط على إسرائيل والغرب مثل حركة حماس وحزب الله اللبناني، يشارف على الانهيار وبالتالي انهيار جبهة استراتيجية مهمة لإيران توفر لها ليس فقط النفوذ السياسي والأمني على البحر المتوسط بل متنفسا اقتصاديا تحاول من خلالها تجاوز الحصار الدولي المفروض عليها على اعتبار أن العراق وسورية مواليان للمحور الإيراني
ويرى البعض من المراقبين كذلك أن المالكي تقريبا بات وحيدا بعدما خسر شركاءه الداخليين ومنهم التيار الصدري الذي ادى تحالفه معه الى توليه رئاسة الحكومة لدورة انتخابية اخرى
وكذلك شركاءه الخارجيين مثل طهران التي لن تتجرأ على التدخل لمساعدته عسكرياً إذا ما حصل صدام داخلي اولا بسبب الوضع الاقتصادي الذي تمر فيه نتيجة الحصار المفروض عليها بسبب ملفها النووي والذي ادى بشكل كبير الى تدهور الحالة القتصادية الايرانية عموما وثانيا بسبب وقوف ايران العلني مع النظام السوري الذي يعاني هو الاخر حرب استنزاف قد تودي به عاجلا او اجلا وهذا مالابمكن لايران وسط تلك الظروف ان تتدخل علانية وتترجم دعمها للمالكي تدخلا عسكريا
وفي الطرف الاخر تقف واشنطن وهي تستعرض الخيارات المتاحة التي يمكن من خلالها استمرار نفوذها في العراق وكذلك استمرارها في رعايتها للنهج الديمقراطي الذي روجت له باحتلالها العراق.
و قد تعيد واشنطن في حالة لجوء المالكي لاستخدام الجيش لقمع التظاهرات الى اعادة فتح ملف الصحوات ما يعني تشكيل ميليشيات سنية على غرار تجربة الجيش الحر في سوريا قادرة على التدخل لمساعدة السنة وخوض قتال ضار مع الجيش العراقي بحجة الدفاع عنهم
وفي الأنبار التي انطلقت منها شرارة التظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ نحو أربعة أسابيع كان سخط المرجعية الدينية من المالكي محل ترحيب من قبل المتظاهرين الذين عدّوا عدم استقبال المرجع الديني السيد علي السيستاني لموفدي المالكي "خطوة ايجابية" على طريق تحقيق المطالب المشروعة.
ويقول شيخ قبيلة الجميلة في العراق رافع مشحن حفيد، أحد المشاركين في تظاهرات الأنبار إن "قيام السيد السيستاني بعدم استقبال نائب رئيس الوزراء للشؤون الطاقة حسين الشهرستاني دليل على أن الحكومة العراقية تخدم أجندات أجنبية ولم تخدم العراق أو أبناء العراق أبدا"، مضيفا أن "هذا يدل على أننا أبناء عراق واحد في مطالبنا وتوجهاتنا ومرجعيتنا واحدة لأننا نخدم العراق ولم نخدم أجندة قادمة من خارج البلد".
ويلفت حفيد إلى أن "هناك أتصالا يوميا مع السيد نور أل ياسر الذي دعانا إلى زيارة مرجعية النجف وكربلاء"، مبينا أن "هذه المسألة تتطلب دارسة ونقاش من قبل جميع الأطراف للخروج برؤية موحدة من أجل أرسال وفد للمرجعية".
من جانبه يقول شيخ عشائر الملامحة وعد طلال "مرجعيتنا لن تبتعد عنا في أي لحظة من اللحظات وأننا كمعتصمين في الساحة نشعر بأن إخواننا في الجنوب متضامنين مع مطالبنا المشروعة"، ويتابع "علينا أن نكون يدا واحدة مرجعيات وشيوخ عشائر ومواطنين من أجل وحدتنا الوطنية العراقية"، مؤكدا أن "هذا التصرف من قبل السيستاني يدعم مطالبنا الواحدة ويخدم بلدنا العراق".
ويبدو أن التحالف الوطني "التقط" الإشارة وما تلاها من "ضوء أخضر"، من المرجع السيستاني فدعا رئيسه إبراهيم الجعفري، في الـ14 من الشهر الحالي، القوى السياسية على اختلافها إلى اجتماع موسع لبحث الأوضاع في البلاد عبر الحوار، في ما عد استجابة من التحالف الوطني لتوصيات المرجعية التي رفضت المساعي التي يقوم بها ائتلاف دولة القانون لحل البرلمان وأكدت ضرورة أن يستعيد التحالف دوره في الحوار مع باقي الشركاء السياسيين من أجل حل الأزمة في البلاد التي وصلت إلى حد الخطر.
وبالفعل اتفق المشاركون في "اللقاء الوطني المصغر الذي عقد قبل يومين على اعتماد الحوار كأساس في حل المشاكل التي تعاني منها البلاد، وفي حين أكدوا على تشكيل لجنة مشتركة للتنسيق مع الحكومة بشأن المعتقلين في السجون ومعالجة باقي مطالب المتظاهرين، بينوا أن اجتماعاً آخر سيعقد في غضون أيام لاستكمال الحوار.
وتشهد محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك وديالى ومنطقة الأعظمية في العاصمة بغداد، منذ الـ21 من كانون الأول 2012 المنصرم، تظاهرات يشارك فيها عشرات الآلاف وجاءت على خلفية اعتقال عناصر من حماية وزير المالية القيادي في القائمة العراقية رافع العيساوي، وذلك تنديداً بسياسة رئيس الحكومة نوري المالكي، والمطالبة بوقف الانتهاكات ضد المعتقلين والمعتقلات، وإطلاقهم، وإلغاء قانوني المساءلة والعدالة ومكافحة الإرهاب، وتشريع قانون العفو العام، وتعديل مسار العملية السياسية وإنهاء سياسة الإقصاء والتهميش وتحقيق التوازن في مؤسسات الدولة.
أرسل تعليقك