وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام
تونس ـ أزهار الجربوعي
جددت تونس رفضها التدخل العسكري الفرنسي في مالي، داعية في الوقت نفسه دول الساحل الأفريقي إلى تدعيم التنسيق الأمني مع المغرب العربي، في حين أطلقت فرنسا تحذيرات لرعاياها من السفر إلى جنوب تونس إلى حين إتمام عملياتها العسكرية، وذلك بالتزامن مع ضبط عناصر الأمن والجيش التونسي، مساء
الخميس، مخزن أسلحة في محافظة مدينين جنوب البلاد، يحتوي على كميات كبيرة من الذخيرة والمتفجرات تناهز قيمتها 2 مليون دولار.
وعٌقد في قصر قرطاج الخميس، اجتماع طارئ بين الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر ورئيس الحكومة حمادي الجبالي، إلى جانب قائد أركان الجيوش التونسية الفريق أول رشيد عمار ووزيري الداخلية والدفاع، لبلورة موقف البلاد من العمليات العسكرية في مالي، حيث تم التأكيد في ختام الاجتماع على دعم تونس لوحدة مالي، والتنديد بالهجوم الذي يتعرض له من قبل مجموعات إرهابية مسلحة، كما جددت الحكومة التونسية رفضها للتدخل الفرنسي في المنطقة، وحثت دول الساحل الأفريقي إلى تدعيم التنسيق الأمني مع المغرب العربي.
وأكدت تونس في بيانها الذي حصل "العرب اليوم" على نسخة منه، أنها "تتفهم القرار السيادي الذي اتخذته الحكومة المالية لمواجهة المخاطر الأمنية المحدقة بالبلاد، وبخاصة على العاصمة باماكو"، داعية إلى احترام مقتضيات الشرعية الدولية، وقراري مجلس الأمن الدولي رقم 2071 و2085، في حين اقترحت "إطلاق حوار سياسي وطني شامل، بالتزامن مع هذا الجهد العسكري، بما من شأنه أن يدرأ المخاطر ويدمج القوى الوطنية التي لا تلجأ إلى استخدام السلاح في الحياة السياسية"، محذرة من التبعات الأمنية الخطيرة لأزمة مالي على دول الجوار كافة، بما في ذلك تونس، داعية سائر القوى الوطنية ومكونات المجتمع المدني التونسي، إلى "تحمل مسؤوليتها للتصدي لظاهرة العنف والإرهاب، من خلال معاضدة الجهود الأمنية والسياسية والتوعية الثقافية والدينية لعزل المجموعات العنيفة".
في غضون ذلك، دانت تونس عملية اختطاف مواطنين جزائريين ورعايا أجانب على الحدود الجنوبية الجزائرية من طرف مجموعات إرهابية مسلحة، معبرة عن تضامنها الكامل مع الجزائر في مواجهة "هذا العدوان"، حيث شدد وزير الشؤون الخارجية التونسي رفيق عبد السلام، على إثر إصدار الرئاسات الثلاث ووزارات الداخلية والدفاع والخارجية للبيان الختامي لتحديد الموقف الرسمي التونسي في ما يتعلق بالأوضاع في مالي، على دعم تونس لسلامة مالي ووحدة ترابه وعلى إدانة كل أشكال التهديد، مضيفًا أن "تونس لا تساند أي تدخل أجنبي عسكري في مالي، وتعرب عن مخاوفها من تفاقم الأمور التي قد تتجاوز حدود مالي لتشكل تهديدًا للبلدان الأخرى، ومنها تونس"، معتبرًا أن "التدخل العسكري الفرنسي في مالي فاجئ الجميع، بما فيهم الجزائر باعتبارها لم تتشاور مع أحد".
من جهته، فند الناطق الرسمي بإسم رئاسة الجمهورية التونسية عدنان منصر، ما تم تداوله إعلاميًا بشأن عبور المجموعات المُسلحة المتورطة فى عملية خطف رعايا أجانب في الجزائر الى تونس وبحوزتها الرهائن .
في سياق متصل، طالبت السفارة الفرنسية في تونس، في بيان لها رعاياها، بتوخي الحيطة واليقظة، وتجنب زيارة جنوب البلاد المتاخم للصحراء الكبرى، حيث ينشط تنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي، وذلك على خلفية اختطاف عدد من الأجانب في الجزائر بسبب التدخل العسكري الفرنسي في شمال مالي، فيما يشهد محيط السفارة الفرنسية والمركز الثقافي الفرنسي تمركز عدد كبير من القوات الأمنية، تحسبًا لأي تحرك احتجاجي أو استهداف للسفارة على خلفية التدخل العسكري الفرنسي في مالي، وتم تعزيز التواجد الأمني في محيط السفارة الفرنسية الموجودة في شارع الحبيب بورقيبة، وسط العاصمة، بمزيد من المدرعات وعناصر من قوات الأمن.
وقد بدأت فرنسا، الجمعة الماضية، تنفيذ عمليات عسكرية جوية وبرية ضد المسلحين الإسلاميين، الذين سيطروا على شمال مالي عقب الإنقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس أمادو توماني توري، في 22 آذار/مارس الماضي، حيث أكد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن قوات بلاده لن تغادر قبل تحقيق أهدافها وسحق الإسلاميين الذين يهددون أمن المنطقة.
من جهة أخرى، أكدت مصادر أمنية تونسية لـ"العرب اليوم"، مساء الخميس، أن أجهزة الأمن قد ألقت القبض على 3 أشخاص في محافظة مدنين بعد العثور على كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات والذخيرة في مستودع تابع لأحد المنازل بلغت قيمتها 2 مليون دولار، وأن حجم الذخيرة والأسلحة المصادرة هو الأكبر على الإطلاق، وتوزعت بين قاذفات صواريخ "أر بي جي" وأسلحة ثقيلة من عيار (14.5) المضادة للطائرات وصواريخ "ستنقر"، إضافة إلى ألغام من مختلف الأحجام مضادة للأفراد والمدرعات.
وأوضحت المصادر نفسها، أنه قد تم العثور على هذه الكميات الكبيرة من الأسلحة والمتفجرات والذخيرة في مستودع تابع لأحد المنازل الآهلة بالسكان في منطقة طريق قابس من محافظة مدنين جنوب البلاد، وأن المحافظة تشهد حتى هذه الساعات انتشارًا أمنيًا كثيفًا، فيما تولت الوحدات تسليم كميات الأسلحة الّتي تمّ العثور عليها إلى قوات الجيش الوطني التونسي، في الوقت الذي صرح فيه شهود عيان لـ"العرب اليوم"، بأن ثلاث شاحنات عسكرية غادرت محافظة مدنين الجنوبية، بعد أن حملت على متنها كميات المتفجرات والأسلحة المصادرة من قبل المجموعة التي تم اقتياد جميع عناصرها للتحقيق معهم.
وتأتي هذه الحادثة لتعزز المخاوف الأمنية القديمة الجديدة، بشأن رواج كميات كبيرة من السلاح في الأراضي التونسية، لكن اكتشاف خلية إرهابية تابعة لتنظيم "القاعدة" الشهر الماضي، قد يعمق خطورة المسألة التي تتجاوز ترويج السلاح في حال تم اكتشاف أن هذه الكميات الهائلة من الذخيرة الحية والمتفجرة كانت معدة لاستهداف مواطنين ومقرات سيادية.
يُذكر أن مجموعة مسلحة تمكنت من احتجاز 41 رهينة غربية من 10 جنسيات مختلفة، وجاءت "العملية ردًا على فتح الجزائر أجوائها أمام الطيران الفرنسي لقصف مناطق شمال مالي"، حيث اعتبرت المجموعة المسلحة أن مشاركة الجزائر في الحرب إلى جانب فرنسا، "خيانة لدماء الشهداء الجزائريين الذين سقطوا في محاربة الإستعمار الفرنسي"، إلا أن مصادر جزائرية أكدت انتهاء العملية العسكرية جنوب البلاد، بالقضاء على المجموعة المسلحة، التي هاجمت "قاعدة الحياة" النفطية في عين أمناس في ولاية إليزي أقصى جنوب شرق الصحراء الجزائرية، وقد قتل في العملية 8 رهائن، بينهم أميركيان، ويابانيان وفرنسي، وموريتاني، وجزائريين.
وفي السياق نفسه، أكد عدد من الخبراء السياسيين وجود تونسيين يقاتلون في صفوف التنظيمات الجهادية الثلاثة المسلحة في مالي، وهي تنظيم "القاعدة" وحركة "التوحيد والجهاد" و"أنصار الدين"، لكنهم أشاروا إلى أن أعدادهم ضعيفة، مطالبين الحكومة التونسية بإعادة تأهيل لهؤلاء الجهاديين التونسيين لدى عودتهم إلى تونس، للتأكد من أنهم "لا يُمثلون دعمًا للخلايا الجهادية النائمة الموجودة حاليًا في البلاد".
أرسل تعليقك