وزير الخارجية المصرية الأسبق أحمد أبو الغيط
القاهرة ـ أكرم علي
اعتبر أن غياب الرئيس السابق حسني مبارك عن الساحات الدولية والإقليمية خلال فترة حكمه الأخيرة، لم يؤثر في دعمه للتحرك في الإطار العربي معتمدا على المحور المصرى الخليجي مع التركيز الشديد على السعودية كقوة رئيسية في دول الخليج، والاهتمام بالإمارات والكويت
والبحرين، فى الوقت ذاته الذى حافظت مصر على علاقة نشطة مع سورية لأهمية تأثيرها فى سياسات المشرق، مع التشكك فى المنطلقات السورية وأهدافها حتى تنحى مبارك.
واضاف أبو الغيط في مذكراته التي نشرها في كتابه "شهادتي .. السياسة الخارجية لمصر2004- 2011" ، إن رئيس جهاز المخابرات العامة الراحل، اللواء عمر سليمان بات ذا تأثير واضح فى عملية اتخاذ القرار فى مصر منذ العام 1992 وتزايد تأثيره بعد فشل محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا العام 1995ويروي في الكتاب أنه ومنذ توليه مهام وزارة الخارجية فى يوليو(تموز) 2004 أدرك دور سليمان فى عملية صناعة القرار وقيادة الأمور فى الكثير من ملفات الخارجية المصرية.
وتطرق ابو الغيط الى العلاقات المصرية الأميركية وملف مياه النيل وملف القضية الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل، مشيرا الى ان خوض المخابرات المركزية الأميركية وتكليفها بعملية تنظيم العلاقة بين العناصر الأمنية للسلطة الفلسطينية وإسرائيل فور نشوب الانتفاضة الفلسطينية الثانية، اضافة إلى دور كبير مساعد أيضا للمخابرات العامة المصرية، ومن ثم تنامى علاقة عمر سليمان مع (تيننت)، رئيس المخابرات المركزية وكل من خلفوه، أدى ذلك إلى تعزيز إضافى لوضعية عمر سليمان شخصيا مع الأميركيين وامتدادها بالتالى إلى وزراء الخارجية الأمريكيين الذين اهتموا بملف القضية الفلسطينية"
وعن العلاقات المصرية الأميركية، يتناول أبو الغيط حالة الصعود والهبوط التى شابت علاقة مبارك بجميع رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، بدءا من توترها في عهد رونالد ريغان بعد حادثة السفينة أكيلى لاورو التى وقعت عام 1985 حين اختطف أربعة فلسطينيين إحدى السفن السياحية وقتلوا أحد السائحين الأمريكيين اليهود عليها وبعد تفاوض معهم، سمحت لهم السلطات المصرية بالسفر على طائرة حملت معهم القيادي الفلسطيني أبو العباس إلى تونس؛ حيث أجبرتهم المقاتلة الأميركية على الهبوط في مطار صقلية واعتقلتهم ما عدا أبو العباس الذى نجح فى الهرب هو ومساعده إلى بلغراد. ثم تحسنها مع بداية تولى جورج بوش الأب وكذلك في عهد كلينتون، وكيف تدهورت على الرغم من الدور المصري فى الكثير من القضايا فى عهد جورج بوش الابن مع رغبة الولايات المتحدة فى دفع مصر فى حروبها فى أفغانستان والعراق، وهوما رفضته مصر على الرغم من الضغوط الأميركية، ثم انفراجها قليلا في عهد باراك أوباما، وهوما يقول عنه أبوالغيط "بدأ الضغط بطلب أميركي من مصر المشاركة في ائتلاف القوى المحاربة معهم فى أفغانستان وهوما رفضته مصر التى لم تستطع إرسال قواتها لأرض إسلامية للقتال في صفوف قوى غربية أو أطلسية. كما قررت إرسال مستشفى ميداني ضخم إلى قاعدة بغرام الجوية الأطلسية لعلاج أبناء الشعب الأفغاني. ثم تكرر الأمر مع غزو العراق فطلبت الولايات المتحدة من مصر، إرسال قوات مصرية للقتال أو العمل على تأمين الاستقرار فى العراق. وهو ما رفضته مصر بشكل قاطع".
ويوضح وزير الخارجية المصرية الاسبق شكل العلاقة المصرية الأميركية في ظل تزايد الحديث عن توريث الحكم في مصر منذ بداية الألفية، فيقول "كان قرارا أمريكيا مدبرا وموقفا استراتيجيا تجاه مبارك ونظام حكمه ابتداء من بدء فترة الإدارة الثانية للرئيس بوش وكأن الصفقة المعروضة هى: عليكم بإرسال قوات وحزم أمركم فى الوقوف معنا فى حروبنا، وسوف ننظر فيما يمكن لنا التفاهم فيه معكم بالنسبة لمسائل تشغلنا تجاهكم، الديمقراطية، حقوق الإنسان، المجتمع المدني المصري، حق جمعياتنا غير الحكومية أن تعمل على أرضكم".
وبحسب المذاكرات"تبقى قضية المنظمات الأميركية الأهلية غير الحكومية على الأرض المصرية، كالمعهد الجمهوري، والمعهد الديمقراطي، وفريدوم هاوس وغيرها، مثيرة للجدل. فتلك المنظمات تعلن أنها تمارس عملها فى تدريب عناصر مصرية وهيئات وجمعيات غير حكومية مصرية. ولكن الغريب هو ما يرويه أبو الغيط عن إلحاح الولايات المتحدة فى منح التراخيص لتلك الجمعيات، والأغرب رفض مبارك القيام بذلك بشكل رسمى، تاركا مصير تلك الهيئات معلقا فى يده بمفرده. وكأنه كان يمنح نفسه أوراق ضغط تظل بيده لاستخدامها بين الحين والآخر مع الأميركيين" وخصوصا بعد قرار الأميركيين فى عام 2005 وما تلاه من أعوام، إنفاق 25 مليون دولار سنويا من المعونة الأميركية الاقتصادية لمصر على عمليات هذه المنظمات والمراكز فى تعاونها مع المنظمات غير الحكومية المصرية، ثم زاد هذا المبلغ لنحو 50 مليون دولار أى ما يعادل 250 مليون جنيه وقتها!
وينتقل أبو الغيط فى جزء آخر من الكتاب للحديث عن خريطة العالم العربى وأزماتها وعلاقاتها بالغرب وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية ، عند توليه مسؤولية وزارة الخارجية المصرية العام2004. محددا معالم تلك الخريطة بتوقف عمليات السلام بعد الصدام الإسرائيلي الفلسطيني عقب اندلاع الانتفاضة الثانية، وتصاعد الإجراءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وما صحب ذلك من نتائج. كذلك وضع العراق تحت الاحتلال الأميركي وبدء بوادر حرب أهلية واندلاع أحداث عنف مزقت هذا البلد العربي. والوضع المتأزم لسوريا أمام التهديد الأميركي لها واتهامات الولايات المتحدة لها بالتدخل فى العراق وتسهيل مرور عناصر عربية وإسلامية عبر أراضيها للمشاركة فى المقاومة ضد الأميركيين. وانقلاب الأوضاع فى السودان بسبب أزمة دارفور من جانب والخلاف بين الجنوب والشمال من جانب آخر.
يفسر أبو الغيط فى كتابه جزئية مهمة كثيرا ما أثارت التساؤلات وطرحت تحليلات من قبل السياسيين في عهد مبارك، وهي تراجع الوجود المصري في المحافل الدولية ممثلا في شخص الرئيس، وهو ما يبرره أبو الغيط بالقول: «كان الهاجس الأمني والملل الرئاسي وتقدم السن أقوى من أي محاولات لإعادة الرئيس لقلب الأحداث.
ويوضح وزير الخارجية المصرية السابق ان مصر كانت تتقرب من الأردن كلما تعقدت العلاقة مع الجانب السوري كما اتضح منذ الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان العام 2006، أما السودان فعلى الرغم من فتور العلاقة وتوترها مع رئيسها البشير، فإن"مبارك كان كثيرا ما يتناول أهمية السودان مع مصر، وكيف أنها تمثل لنا عمق الوادي، ويبقى لليبيا وزعيمها معمر القذافى وضع خاص لدى مبارك، حيث كان يؤمن باستراتيجية العلاقة والمصالح الاقتصادية بين البلدين على الرغم من ما كان يتحمله من القذافي.
كل هذا فى ظل تصاعد التهديدات الإيرانية للبحرين والإمارات بعد سقوط العراق. بينما اليمن يئن تحت وطأة التوتر والانقسام الداخلى مع ظهور تنظيم القاعدة على أراضيه، بشكل يفتح الباب للمزيد من التدخلات الأجنبية فى أراضيه بما له من انعكاسات على شبه الجزيرة العربية. وأخيرا الصومال التى انقسمت وبات من المستحيل تصور استعادة وحدته. وفى إطار تلك الملامح العامة للوضع العربي، أدرك أبوالغيط أهمية التنسيق مع وزراء الخارجية العرب.
ويشير أبو الغيط فى كتابه للقرار الأممى رقم 1559 ضد سورية والخاص بالوضع فى لبنان، وتحذير مصر لسورية من مغبة تجاهل الوضع ومتطلبات القرار 1559، سواء الانسحاب من لبنان أو تناول موضوع سلاح "حزب الله". ومحاولات مبارك توجيه النصح لبشار الأسد لتجنب أى تعقيدات سياسية بالمنطقة.وهوما يقول عنه أبو الغيط فى كتابه «شهادتي»: «سافر مبارك عام 2005 للعاصمة السورية مستهدفا حث الرئيس السورى على التحرك من أجل تنفيذ القرار 1559 الخاص بلبنان. كان مبارك يتحدث بأسلوب رقيق ومتعاطف مع الرئيس السورى الذى بادله المشاعر ووصل الأمر إلى أنه نصح الأسد، بأهمية تنحية بعض كبار معاونيه الذين اعتقد الرئيس أنهم يسببون مشاكل له مع الدول الغربية، وحدد مبارك أحدهم بالاسم.. وهو فاروق الشرع... الذى كان مبارك لا يستسيغه.. وجاء رد الأسد أنه يتمسك بالشرع بسبب ولائه الشديد لأبيه وله.. ومع تطور الأحداث فى لبنان أخذت المواقف المصرية وتحالفاتها تتغير فى لبنان، ولم تعد مصر تهتم كثيرا بالدفاع عن رؤية سورية». وقد زاد من التوتر فى العلاقات المصرية السورية، الإحساس المصرى السعودى بلهجة التعالى التى كان يتحدث بها الرئيس بشار الأسد مع زعماء الدول العربية وتوجيهه الانتقادات لهم. بالإضافة لمواقف سوريا فى رعاية التوجهات الإيرانية التى كانت تسعى لتهديد دول الخليج.
على الجانب الآخر يشير أبوالغيط إلى علم الإدارة المصرية بدعم القذافى للحوثيين بشمال اليمن بتقديم التمويل والسلاح لخلق بؤرة توتر على حدود السعودية من الجنوب، وكيف وصل الأمر بالقذافي، فى إطار محاولته إضعاف التأثير السعودى فى مسائل إمدادات النفط لكل من الهند والصين، أن عرض على مصر الموافقة على بناء خط أنابيب نفط بين طرابلس وبور سودان يمر فى الأراضى المصرية، وهو ما ارتأته مصر ضربا من الخيال، فرفضته. ولكن القذافى استمر فى اللعب مع حركات التمرد فى اليمن ودارفور لكى يبقى على تأثيره على السودان، كما يقول أبو الغيط فى كتابه.
ويتطرق أبو الغيط الى العراق، وكيف بات مسرحا مفتوحا لوجود أكثر من طرف. فيقول: «كان الأتراك يتحركون بقوة على الأرض فى العراق، ويستفيدون وشركاتهم من وجودهم عبر الحدود، كما أن إيران أخذت تتغلغل وتنتشر على المسرح العراقي
ومن العراق الى ايران وملفها النووى، يتحدث أبو الغيط على موقف مصر الصارم فيما يتعلق بقضية الانتشار النووي وحرصها على بذل الجهد لإعلان منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل واضعة نصب أعينها إيران وإسرائيل معا، فى الوقت الذى كانت دول الخليج تركز كل جهودها على إيران بمفردها، وهو ما يقول عنه: «كان بعض أشقائنا بالخليج، يعطون اهتماما للملف النووى الإيرانى بما يفوق النظرة إلى الملف النووى الإسرائيلى أو الوضع العام في الشرق الأوسط..ومن ناحيتنا صممنا على عدم الفصل بين أمن الخليج والشرق الأوسط في شموليته، فيما يتعلق بمسائل نزع السلاح النووي وإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل.. واطلع فى يوليو2007على حديث لشخصية سورية ذات حيثية مع سفيرنا بدمشق ينتقد فيها مواقفنا من الملف النووي الإيراني وتصميمنا على المطالبة بإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل.. ويقول لنا إن إيران تطور فعلا قدرة نووية عسكرية.. وهذا لصالح التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل ولا ضرر على العرب.. ولم يهتم هذا المصدر السورى أن يدقق فى أن هذا الجهد الإيراني لا يعني سوى أن إيران ستكون قادرة نوويا وأن سلاحها النووي، مثله فى ذلك مثل السلاح النووى الباكستانى سيخدم فقط مصالح إيرانية وباكستانية وليست عربية أوإسلامية.كانت مصر ترفض ازدواجية المعايير التي تحكم مواقف القوى الغربية تجاه هذا الملف النووي، وكنا نطالب بمعاملة إسرائيل نفس معاملة إيران وغيرها
أرسل تعليقك