القاهرة ـ محمد علوش
يواجه حملة لواء "أفلام الواقعية" الجديدة انتقادات حادة، بشأن توجههم نحو الغرب، وعدم عنايتهم بالمتلقي الداخلي، على الرغم من أن عدساتهم صوّرت الواقع كما هو، وليس كما من المفضل أو المستحب رؤيته، لم يزينوه ولم تكذب كاميراتهم، عبّروا عن الواقع الذي نعيشه وفقط.
ونجحت أفلام المخرجين أحمد عبد الله السيد"هيليوبلس" و"ميكروفون"، و"فرش
وغطا"، وإبراهيم البطوط"إيثاكى" و"عين شمس" و"الشتا إللى فات"، وماجي مرجان "عشم"، ونادين خان "هرج ومرج"، وبدعم من منتج يؤمن بهم هو محمد حفظي، في حصد العديد من الجوائز والقبول النقدي الكبير من الخارج، في حين لم تجد هذه الأفلام مكانًا لدى الجمهور الداخلي.
وعند طرح التساؤل على مجموعة من النقاد وصانعي هذه الأفلام بشأن ما إذا كان المخرجون يسعون إلى المشاركة في المهرجانات الخارجية، ولا يعنيهم السوق الداخلي، أوضح الناقد الكبير علي أبو شادي، في حديث إلى "العرب اليوم"، رافضًا إطلاق لقب "الواقعية الجديدة" على الأفلام التي أشرنا إليها، معتبرًا أنها "أفلام مختلفة كل الاختلاف عن الواقعية الجديدة، التي بزغت في الثمانينات، حيث تختلف على مستوى الكتابة، ولها شروط إنتاجية مختلفة، ولكن يمكن إدراجها تحت بند الأفلام المستقلة قليلة التكلفة، كما أنها تمتاز بأنها أكثر واقعية وقريبة جداً من الواقع، والمجتمع المصري، ولكن في أسلوب جديد في التناول".
وأضاف أبو شادي "هؤلاء المخرجين يعنيهم في المقام الأول الداخل، ولكن المشكلة في التذوق لدى الجمهور، والذي أتمنى أن يُقبل على هذه الأفلام، لأن المشكلة في بعض الأحيان هو كسل التلقي لدى الجمهور، والذي يقبل على نوعية أخرى من الأفلام، ولست أعني الأفلام الشعبية، ولكن هو يُقبل على الفيلم الذي يتناول الحكاية بشكل بسيط، ودائماً ما يرفض السينما المختلفة، التي تتطلب منه بعض المجهود لتقبل هذه الأفلام".
وبادر الناقد الكبير الكبير كمال رمزي، في حديث مماثل، بالقول أن "الصورة قاتمة في الأساس، ولا تحتاج هذه الأفلام لكشفها"، مشيرًا إلى الواقع المصري، ورافضاً أن تكون هذه الأفلام ناقلة لواقع شديد القتامة، لمخاطبة الغرب، وأضاف "في السينما الإيطالية هناك نوعية من الأفلام، تسمى أفلام التليفون الأبيض، وهي أفلام تنقل كل ما هو جميل، وصورة دائماً تحظى باللون الأبيض الناصع، وهي أفلام تجارية، وهذه ليست الصورة الحقيقية للواقع التي تجدها في التيار الواقعي المستنير من أيام كامل التلمساني في فيلم السوق السوداء، وكمال سليم في فيلم العزيمة، وأفلام صلاح أبو سيف".
وأوضح رمزي أن "الواقعية لها جوانب مهمة، بداية بمفهوم نقل الواقع فقط في معناه العميق، وهو أن ترى الواقع لا تصوره، وأن تحلل أسباب الظاهرة ولا تكتفي برصدها، ومعيار قياس هذه الأفلام وأنها تنقل صورة قاتمة أو لا هي رفاهية غير موجودة".
وأعلن رمزي عن بعض تحفظاته على فيلم "فرش وغطا" للمخرج أحمد عبد الله، على الرغم من تأكّيده إعجابه الشديد بتجربته في فيلم "هليوبوليس"، متوقعاً أن يكون عبد الله هو أحد أهم صانعي السينما المصرية.
ومن جانبها، بيّنت الناقدة علا الشافعي، في حوارها مع "العرب اليوم"، أن "الحديث عن مخاطبة صانعي هذه الأفلام للغرب، عبر تناولهم لواقع مرير، هو رفاهية غير موجودة، وأعلنت عدم راحتي لاختيار أحمد عبد الله الفني في فيلمه الأخير فرش وغطا، إلا أنه يجب علينا الاعتراف أنه أحد رواد هذه الموجة من الأفلام المستقلة، والتي تعتمد على الميزانيات المحدودة، وله العديد من التجارب التي لاقت نجاحًا نقدياً كبيراً، جوار عدد من صناع هذه الأفلام، مثل ماجي مرجان وإبراهيم البطوط وغيرهم".
وأشارت الشافعي إلى أن "الحديث عن نجاح هذه الموجة من الأفلام في المهرجانات الكبيرة، وعدم رواجها لدى الجمهور المصري، يعود إلى الظروف السيئة التي تمر بها صناعة السينما في مصر، لاسيما المنتجين والموزعين، الذين لا يبدون أي تعاون مع صناع هذه الأفلام، الذين لا يجدون سبيلاً لعرض أفلامهم، إلا في الفعاليات الثقافية في الأوبرا، أو المراكز التي تحمل الطابع التنويري"، لافتة إلى المناشدات الكثيرة التي أطلقت، بغية أن يمنح الجمهور الفرصة ليتذوق هذا النوع من السينما، وإفساح المجال لهذه الأفلام كي تأخذ حيزًا من العرض في السينمات".
وأكّدت الشافعي أنه "على المدى ستجد الجمهور الذي ينتظرها، لأن الجمهور في النهاية متلقي، فهو عندما ينوي دخول السينما يحاول الاختيار من بين الأفلام المعروضة أمامه لنجوم هذه المرحلة، والذي منهم سعد الصغير وغيره".
بدوره، اعتبر السيناريست والمنتج محمد حفظي أن "هذه النوعية من الأفلام تعرض واقعنا، ولا تخترع واقعًا مغايرًا له، حيث أننا نحرص على تقديم أفلام تعبر عن همومنا، وفكرة تقبل الخارج لها ليس له علاقة بنقل واقع مرير، لمخاطبته والبحث عن النجاح في المهرجانات، بل لأنها جيدة وغير تقليدية".
ولفت حفظي إلى أن "عدم قبولها في الداخل يعود لصناعة السينما في مصر، ومجموعة الموزعين المسيطرين عليها، والذين يعرضون لغة سينمائية واحدة، تضمن الربح، ولا تجد أفلامنا أي دعم من السوق المصري، وعندما يحصل المخرج على أي دعم من الشركات الجادة الداعمة لصناعة السينما من الخارج، فهو يطرح ما يريده من رؤية في فيلمه، دون أي تحكم من هذه الجهات الداعمة، التي لا تتدخل من قريب أو بعيد في المنتج الفني الذي يقدمه المبدع الباحث عن الجيد من الأعمال".
أكّدت المخرجة ماجي مرجان، صانعة فيلم "عشم"، في حديث إلى "العرب اليوم"، أن "فكرة مخاطبة الغرب في أفلامنا غير موجودة تماماً، والدليل على ذلك فيلمي عشم، الذي يتضمن بعض العبارات التي تخص المجتمع المصري فقط، ومن الصعوبة ترجمة الحوار الذي يدور بين الأبطال لأية لغة أخرى، وبالتالي تفكيري في الأساس هو المتلقي المصري، لأني بصنع فيلم يتحدث عن الواقع المصري أسعى إلى نجاح الفيلم في مصر جماهيرياً".
وأضافت "ليس ذنبنا، سواء ممثلين أو مخرجين، بل أن الموضوع أصبح أكبر من الموزعين أنفسهم، المشكلة أصبحت في النظام الذي يحكم صناعة السينما عمومًا".
وتساءلت مرجان "هل نقلي للصورة الجميلة دائماً في مصر هو الواقع، والحكاية مثل الإعلانات، عندما تنقل لك كل شيء جميل، وهو ما يعتبر هروب من الواقع".
وتابعت "في النهاية أشعر بالأمل في الجمهور المصري، وأن هناك أمور جيدة حدثت على مستوى تلقيه لهذه الأفلام، منذ تجربة طرح فيلم عين شمس في السينمات تجارياً، والصورة تغيرت بعد ذلك في الشتا اللي فات، ومن المؤكد سيختلف مع فرش وغطا بعد طرحه".
وبيّنت أن "المشكلة أكبر من الموزعين والمنتجين، وأعتقد أننا كصناع أفلام نحتاج بعض الوقت لتزداد خبرتنا في فكرة صنع فيلم جاد، ويكون قادراً على جذب الجمهور في الوقت نفسه".
وفي النهاية، رفض المخرج أحمد عبد الله تصنيفه تحت أي مسمى، سواء "الواقعية الجديدة"، أو من مخرجي الأفلام "المستقلة"، وأضاف "دائماً ما كنت أرفض هذه العناوين العريضة، لأني في النهاية صانع أفلام، بعيداً عن أي مسمى كان، والاتهام الجاهز دائماً بعد كل فيلم من الممكن أن يسبب صدمة لبعض النقاد هو محاباة الغرب، وهذا الاتهام منذ أفلام "العزيمة" وغيرها".
وتساءل "من الذي قال أن الغرب يريد رؤية الحارة المصرية، وعلى سبيل المثال في فيلمي ميكروفون، تطرقت لقضية فرق الأندرجراوند، والمشاكل التي تواجههم للتعبير عن أنفسهم وموسيقاهم".
وأشار إلى "أعلم أن معظم النقاد في مصر لم يعجبهم فيلمي الأخير فرش وغطا، بالرغم من نجاحه الكبير على المستوى النقدي العربي والأجنبي، وإذا تحدثنا عن النقاد العرب السوريين واللبنانين وغيرهم، هل هؤلاء نعتبرهم الغرب، وهل وجب عليّ أن أقدم صورة ناقصة للواقع، كي يلقى الفيلم نجاحاً".
واختتم المخرج أحمد عبدالله حديثه إلى "العرب اليوم"، مؤكّدًا أنه "حريص كل الحرص على تقديم الجديد في أفلامي، ليكون الجديد منها مختلف 180 درجة عن سابقه، وفي الحقيقة حزنت لطريقة هجوم بعض النقاد المصريين على الفيلم".
أرسل تعليقك