سيارة إسعاف تنقل جثة أحد المتظاهرين الذين قتلوا في السويس إلى المشرحة السبت
القاهرة ـ محمد صلاح
أكد خبراء مصرفيون، أن "الأحداث الحالية على الساحة السياسية، وما يحدث في ميادين مصر، يُعتبر امتدادًا لسياسة الثورة المستمرة، ممن يطلقون على أنفسهم تيارات ثورية مثل (البلاك بلوك)، و(الألتراس) الأهلاوي، اللذان قاما بدورهما في قطع طرق حيوية عدة وتعطيل وسائل المواصلات العمومية كالقطارات ومترو الأنفاق
، ومهاجمة البعض الآخر لمقار حكومية وأخرى حزبية، لا سيما أحزاب التيار الإسلامى كـ(الحرية والعدالة) و(النور)، في الذكرى الثانية لثورة يناير".
وقال الخبراء إن "شرارة الأحداث بدأت في الاشتعال من السويس وبورسعيد وانتهاء في الإسكندرية والتحرير، والذي يُعد أخف وطأة من محافظات القناة، بعد سقوط العشرات من الشهداء ومئات المصابين، من دون النظر إلى أبعاد أخرى اقتصادية كانت أو أمنية، بأن منظمات مالية وعالمية بانتظار قرار يضع مصر في مأزق بخفض تصنيفها الائتماني، أو حرمانها من قرض صندوق النقد الدولي الذي استغرقت مفاوضاته قرابة العامين، ومن دون أن يعلموا أن الاستقرار سيد الموقف، وأن التقدم والرقي لن يأتي بثورة مستمرة إلى الأبد، ولكن بثورة تطيح برؤوس الظلم وثورة أبدية من العمل والاستقرار والحرية"، مطالبين بضرورة "درء أسباب الخلاف والتوافق من أجل مصر".
ورأى الباحث الاقتصادي في إدارة البحوث في بنك قناة السويس، الدكتور هشام إبراهيم، أن "جميع القوى السياسية تسعى حاليًا إلى مصالح شخصية، وأنهم يصعدون الأمر لعدم اقتناعهم أن الكرسي أو المنصب ذهب إلى غيرهم"، لافتًا إلى أن "كل من في المشهد حاليًا بما فيهم الإخوان المسلمون يسعى إلى مصالح شخصية".
وفي ما يخص موضوع قرض صندوق النقد الدولي، الذي تم الاتفاق على بدء صرف الشريحة الأولى منه مطلع العام الجاري، قال الباحث المصري إن "التوترات في الشارع السياسي حاليًا لن يكون لها أثر كبير على مفاوضات قرض الصندوق البالغ قيمته 4.8 مليار دولار، وأنه تم التفاوض عليه وسيتم في غضون شهر تصديق رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي عليه، بعد استقرار الأوضاع أمنيًا وسياسيًا"، مضيفًا أنه "خلال أيام الأحداث نكون قد خسرنا ما يُعادل قيمة القرض، أي أننا بحاجة إلى قرض إضافي جديد بقيمة أعلى، لأن الاقتصاد يدفع ثمنا باهظًا بسبب تراجع معدلات الاستثمار المباشر أو غير المباشر، مما يؤدي بالتبعية إلى زيادة معدلات الدين الداخلي والخارجي وعجز الموازنة، وتراجع معدل النمو الاقتصادي كلها تؤدي بالتبعية إلى زيادة البطالة".
وأوضح الدكتور ابراهيم، أنه "في حالة تصعيد الأمور في الشارع المصري وميادينه المختلفة سياسيًا وأمنيًا، لن تؤدي بشكل مباشر إلى خفض التصنيف الائتماني لمصر من قبل مؤسسات مالية عالمية، لأن ذلك يستغرق وقتًا لوضع التصنيف، ولأن تلك المؤسسات ترى أن الأوضاع في مصر لم تصل إلى ما وصلت إليه أيام ثورة يناير".
وعلى صعيد الاحتياط النقدي، رأى الخبير المصرفي أنه "قد وصل إلى حالة حرجة، وفقًا لما أعلنه البنك المركزي المصري في بيانه الأخير، وأنه سيتأثر سلبيًا في حال تصعيد الأحداث، كما أن حركة الصادرات والواردات تأثرت نتيجة تراجع الاستثمارات الخارجية، ومن المؤكد أن ذلك سيؤثر بشكل عام وسيكون له انعكاسات مباشرة على المواطن المصري، وانعكاس ذلك على الخدمات العمومية"، مضيفًا أن "القطاع المصرفي تقريبًا مشلول الحركة، لأن الجزء الأكبر من أمواله تذهب في شكل أدوات دين حكومي لسد العجز في الموازنة ،الأمر الذي يؤدي إلى تزايد الدين العام الداخلي، وزيادة عجز الموازنة العمومية للدولة، مع أدوات الدين العام وهو ما يدفع القطاع المصرفي إلى إغفال القطاعات المختلفة، ويؤثر سلبًا على كل النشاطات الاقتصادية".
وقال ابراهيم إن "البنك المركزي لن يستطيع مواجهة الأزمة في حال تصعيد الأمور، وتتحمل القوى السياسية نتيجة ذلك"، منوهًا إلى "ضرورة أن تتفق كل التيارات السياسية والوطنية كافة، أو أن يلجأ رئيس الدولة إلى استخدام سياسة عبدالناصر والسادات في بداية عهدهم، ويتخلص من التيارات المعارضة"، واصفًا ذلك بأنه "مجرد حل نظري، بينما في الواقع العملي من الممكن أن يحدث مشاكل"، موضحًا أن المشكلة كلها بخصوص "التأسيسية" وأن المعارضة ظهرت قبل الإعلان الدستوري وقرارات مرسي الأخيرة"، مطالبًا بـ"ضرورة أن نعود إلى السبب الرئيسي لخلاف الجمعية التأسيسية، وأن يتم العمل على درء أسباب الخلاف عليه، وأن أداء الحكومة غير مقنع بالمرة، وأداء (الإخوان) غير جيد، حيت استعانوا بكفاءات لن تقدم الحكومة الحالية، جزء منها فلول ورجال قدامى في وزارات مختلفة ونحملها مسؤولية ما يحدث".
على الصعيد نفسه، قال الخبير المصرفي عضو المجلس الاقتصادي المصري المهندس محمد فاروق، إنه "يصعب حساب قيمة الخسائر التي يتكبدها القطاع المصرفي خلال فترة الأحداث الحالية في الشارع السياسي، وأن تلك الأحداث تختلف عن السابق وما حدث في ثورة يناير، حيث تم توقف البنوك كافة وإغلاق العديد من المصانع وشلل تام في الاقتصاد خلال تلك الفترة، وهو ما لم يحدث في الأحداث الأخيرة، حيث تعمل البنوك ولم يتم إغلاقها، ولكن تم اتخاذ حزمة إجراءات احترازية تحسبًا لأية تطورات في الشارع السياسي".
وفي ما يخص قرض صندوق النقد الدولي، اتفق فاروق مع سابقه، حيث رأى أن "ما يحدث حاليًا من اضطرابات سياسية، ليس لها تأثير على مفاوضات القرض، وأن المفاوضات تقوم على أسس سياسية وليست اقتصادية، وأن التبعيات للأحداث الحالية والتي تعتبر فترة عابرة، لن تؤثر على مفاوضات القرض، إلا أنه في حالة تصعيد الأمور في الشارع ورجوعنا لفترة أسابيع الثورة الأولى، قد يضطر البنوك إلى الإغلاق والتوقف عن العمل، وهو ما يؤدى إلى تغيير رؤية الخارج لمصر"، مشيرًا إلى أن "تصعيد الأحداث السياسية على الساحة، قد تؤدي إلى إرجاء المفاوضات الخاصة بالقرض المزعم بدء صرف أولى دفعاتها خلال شهر، إلى حين استقرار الأوضاع، ولكنها لن تلغي أو تعطل المفاوضات".
وأضاف عضو المجلس الاقتصادي المصري، أنه "يجب حماية الاقتصاد القومي والجهاز المصرفي الذي يتأثر بالأحداث السياسية والأمنية على مدار عامين من الخسائر في كل قطاعات الدولة، وأن حق التظاهر مكفول وأيضًا المعارضة، ولكن من دون تعطيل لمؤسسات الدولة الحيوية عن أداء مهمتها وعملها، كما هو الحال في دول العالم المتقدمة كافة، من دون الإضرار باقتصاد البلد"، موضحًا أن "عامين من التشتت والإغراق في الأمور السياسية، تكفي بعد ما وصلنا إليه من خسائر"، منوهًا إلى "ضرورة العمل والاستقرار والمعارضة البناءة التي تخلو من أغراض ومصالح شخصية، سواء لأفراد أو أحزاب أو تيارات سياسية، لا تستوعب أو تفهم مصلحة الاقتصاد القومي، وما يحوم حوله من مخاطر".
أرسل تعليقك