بين التردد والمناورة، يقع الموقع الروسي فيما يخص مسألة الخفض الإضافي للإنتاج النفطي، إذ بينما أكد وزير الخارجية سيرجي لافروف مساء الخميس تأييده للفكرة، أعلن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك الجمعة أن بلاده المتحالفة مع دول أوبك داخل «أوبك +»، ستتخذ «في الأيام المقبلة» موقفا بشأن احتمال إجراء مزيد من التخفيض في إنتاج النفط، ويرى بعض المراقبين أن هناك ترددا واضحا في موسكو حيال الأمر، إلا أن محللين آخرين أوضحوا أن روسيا دأبت على «المناورة» قبل إعلان موقف صريح، وذلك منذ انطلاق تحالف «أوبك+».
وهبطت أسعار النفط الجمعة بعد أن قالت روسيا إنها تحتاج مزيدا من الوقت، وبحلول الساعة 13:05 بتوقيت غرينتش، كانت العقود الآجلة لخام برنت منخفضة 49 سنتا بما يعادل 0.9 في المائة إلى 54.44 دولار للبرميل، متجهة لتكبد خسائر للأسبوع الخامس على التوالي في ظل استمرار المخاوف حيال أثر الفيروس. ونزلت عقود الخام الأميركي غرب تكساس الوسيط 53 سنتا أو واحدا في المائة مسجلة 50.42 دولار للبرميل، ومتجهة هي الأخرى صوب خسائر للأسبوع الخامس على التوالي.
وبحسب نوفاك، فإن الطلب العالمي على النفط قد يهبط بين 150 و200 ألف برميل يوميا هذا العام بسبب تفشي الفيروس الصيني وعوامل سلبية أخرى، وهو رقم أقل من توقعات أخرى. وقال نوفاك إن تقديره «غير كبير، في ضوء التذبذب في الاستهلاك بناء على عوامل كثيرة، مثل ليبيا وإيران وفنزويلا؛ حيث المعروض متذبذب للغاية أيضا».
وتوقع آخرون أثرا أكبر بكثير. وقالت «بي بي» إن التباطؤ الاقتصادي الناجم عن تفشي الفيروس من المتوقع أن يقلص نمو الطلب العالمي في 2020 بين 300 و500 ألف برميل يوميا، بما يصل إلى 0.5 في المائة من إجمالي الطلب. وقال نوفاك إن إنتاج النفط الأميركي لا ينمو بسرعته السابقة. وتابع: «النمو يتباطأ في الولايات المتحدة. كان 1.3 مليون برميل يوميا العام الماضي... هذا العام، نتوقع أقل من مليون برميل يوميا. نمو إنتاج النفط يتباطأ هناك بسبب تراجع الأسعار».
وذكرت مصادر إعلامية أن روسيا طلبت مهلة للنظر في توصية اللجنة الفنية في إطار «أوبك +» التي تضم الدول المصدرة للنفط في منظمة أوبك وشريكاتها، خلال اجتماع استثنائي الخميس في فيينا، وقال نوفاك لوكالات الأنباء الروسية: «أعتقد أن المسألة (ستُحل) في الأيام المقبلة. سنرى كيف سيتطور الوضع في الأيام المقبلة»، دون أن يحدد في أي سياق ستعلن روسيا موقفها.
وذكرت تقارير إعلامية أن هناك مقترحات بتخفيض الإنتاج بمعدل 600 ألف برميل. ويعادل ذلك نحو 0.6 في المائة من المعروض العالمي وسيضاف إلى قيود قائمة بالفعل تبلغ 1.7 مليون برميل يوميا. وتضخ مجموعة أوبك+ أكثر من 40 في المائة من نفط العالم، وقال مصدران إن لجنة أوبك+ الفنية أوصت أيضا بتمديد تخفيضات الإنتاج الحالية حتى نهاية 2020، وينتهي اتفاق أوبك+ الحالي في مارس (آذار).
وقال مصدر في أوبك إن مقترح خفض الإنتاج 600 ألف برميل يوميا، في حالة موافقة جميع الأعضاء، سيبدأ تنفيذه على الفور ويستمر حتى يونيو (حزيران). وتابع بأن «الستمائة ألف برميل يوميا تأخذ في الحسبان العودة المتوقعة لإنتاج النفط الليبي وجميع التصورات مثل نمو الطلب على النفط في مناطق أخرى»، مضيفا أن الخفض المقترح يكفي لمواجهة التراجع المتوقع في الطلب بسبب الفيروس التاجي، ونقلت مساء الخميس عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله إن روسيا تؤيد توصية لتعميق قيود معروض النفط العالمي التي تفرضها أوبك+ لتخفيف أثر تراجع الطلب الناتج عن الفيروس التاجي.
وقال لافروف عندما سُئل عن مقترح اللجنة خلال مؤتمر صحافي في مكسيكو سيتي، وفقا لترجمة فورية لتصريحاته إلى الإسبانية: «نؤيد هذه الفكرة». وتابع: «بالتأكيد ستكون للفيروس بعض التداعيات على سوق النفط». وقال إن روسيا تجري مشاورات للبت في الإجراءات الأنسب لجميع أطراف السوق.
فيما أشارت وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن لافروف قال الجمعة في بيان: «نود مواصلة المشاورات لتحديد الإجراءات المثلى المقبولة لجميع المصدرين من أجل تنظيم السوق دون أي تغييرات مفاجئة تضر بالمنتجين والمستهلكين».
وتشتري الصين أكثر من ثلثي نفطها الخام من الدول الأعضاء في أوبك وحليفاتها. وبعد تراجع الأسعار قرابة 15 في المائة منذ بداية العام، تعافت أسعار النفط قليلاً في انتظار توصيات «أوبك +» وبدا أنها تتجه للاستقرار الجمعة.
وقال لاخلان شو، مدير أبحاث السلع الأولية لدى بنك أستراليا الوطني في ملبورن: «تخفيضات أوبك+ داعمة للأسعار في المدى القريب، لكن ما زلنا نواجه عدم تيقن بخصوص التوقيت وسرعة استئناف الأنشطة الصينية بعد رأس السنة الصينية الجديدة». وأضاف أن إجراءات التحفيز المتخذة من بنك الشعب الصيني تدعم الأسعار أيضا.
وقالت الخبيرة بشؤون الطاقة إيلين والد في مقالة لها في مجلة فوربس، إن الوضع «يُظهر مرة أخرى أن تحالف النفط قد أصيب بالشلل بسبب شركائه الجدد ولا سيما روسيا». وقالت إن روسيا مترددة في خفض الإنتاج بمعدل أكبر «لأن شركات النفط والحكومة تحتاج إلى إيرادات».
ولا تزال الميزانية الروسية تعتمد اعتمادا كبيرا على عائدات النفط. مع أن الحكومة الجديدة حشدت حالياً موارد هائلة لتنفيذ خطة استثمارية ضخمة من المفترض أن تنعش اقتصادها المنهك وتحقق أهداف الرئيس فلاديمير بوتين قبل نهاية ولايته في عام 2024، وتعقد أوبك وحلفاؤها، فيما يعرف بمجموعة أوبك+، اجتماعا في فيينا في الخامس والسادس من مارس. لكن قد يتقرر تقديم موعد الاجتماع في ضوء تأثر أسعار النفط بتفشي الفيروس الصيني.
قد يهمك أيضًا
"أوبك +" تدرس خفض إنتاج النفط 500 ألف برميل إضافية يوميًا لمواجهة "كورونا"
موسكو تندد بالعقوبات الأميركية "غير المشروعة" على فنزويلا
أرسل تعليقك